تهجير العقول سياسة إيرانية في اليمن

10:03 2022/04/15

يعرف الدكتور طارق خيركي هجرة العقول بمفهومها المعرفي أنها تعني الهجرة من مكان إلى آخر، حيث تتوفر فيه الظروف المعيشية الملائمة للمهاجر. والهجرة أنواع؛ منها الداخلية والاختيارية والإجبارية. 
الهجرة ظاهرة تاريخية متجذرة ومستمرة منذ بزوغ فجر التاريخ. ويتم ذلك عبر عصور مختلفة على شكل موجات وأفراد ومجموعات، وبتفاوت نسبوي من مرحلة لأخرى ومن هجرة لأخرى. 
وأسباب الهجرة كثيرة، منها ما يعود إلى الحروب والكوارث الطبيعية، ومنها ما يكون بسبب النزاعات الاجتماعية والسياسية وكذلك بسبب الاضطهاد السياسي من قبل السلطة أو الحكم من منطلق قومي أو طائفي. ويكون الهدف منها عموما البحث عن بيئة آمنة اقتصاديا أو بيئة حياة أكثر أمانا.
 
قرأت في إحدى المدونات أن بحثا صدر حديثا رصد هجرة العقول من اليمن خلال السنوات الماضية بالقول إن 50% من الأطباء، و23% من المهندسين و15% من العلماء والمتخصصين يهاجرون، متجهين على وجه الخصوص إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، كما أن ما يقرب من 54% من الطلاب اليمنيين الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدهم.
اليمن ظلت لأكثر من خمسين عاما تستثمر في مجال تنمية العقول في إعداد كوادر بشرية تخدم البلاد، حتى أصبحت كل مديرية من مديريات الجمهورية اليمنية قادرة على تغطية احتياجاتها من الكوادر في كل التخصصات العلمية وفي شتى القطاعات والمجالات، بل إن هناك مديريات شهدت طفرة مضاعفة تعليمية وعلمية.
هذه الكوادر تم بناؤها وتأهيلها لسنوات طويلة في الخارج وعادت إلى بلدها لتساهم في البناء والإعمار والتنمية والقيام بتغطية احتياجات سوق العمل اليمنية، وأصبحت تبحث عن التميز وتعاني زيادة العرض، وأصبحت مشكلة اليمن هي كيف تفتح أسواق جديدة في البلدان الشقيقة لاستيعاب الكوادر اليمنية المؤهلة تأهيلا عاليا.
اليوم، المليشيا الحوثية الإرهابية استخدمت نفس المنهجية الإيرانية في العراق باغتيال أو تهجير العقول التي ترفض فكرهم السلالي الطائفي أو العمل للحرس الثوري الفارسي، أصبحت عامل طارد لكل من هو متعلم ومؤهل لا يخدم سياستها، حتى أفرغت اليمن من كوادرها في الطب والهندسة والإعلام والصحافة ومختلف التخصصات، ومن لايزال تحت سيطرتهم مارسوا عليه سياسية الترهيب والترغيب أو أنهكوه بالجبايات التى أثقلت كاهل المواطن الفقير والموظف والصغير والكبير، فجعلوا اليمن تبدو أمام العالم أنها طاردة لكل مناحي الحياة.
 
إن خسارة اليمن من هجرة العقول كبيرة جدا وتفوق الوصف ولا يمكن تقديرها ولا تعويض بدل عنها في الوقت القريب، بعد التخلص من هذه الفئة السرطانية، بل سيستغرق الأمر سنوات طويلة قد لا تقل عن ثلاثين عاما لإعادة الوضع إلى ما قبل يناير 2014؛ لأن غالبية الكوادر المتخصصة لن تعود إلى اليمن في المنظور القريب. فقد رتبوا أوضاعهم للعيش خارج اليمن. 
وأجزم أن هجرة العقول إحدى أهم المعضلات وأبرز جرائم الحوثي الإرهابية في حق الشعب، فقد أراد القضاء على الماضي والمستقبل وخلق مجتمع جاهل يعتمد على إيران. لكن هذا في النهاية لن يكون.