شعوب العالم الثالث .. وتحديات الإنفتاح الثقافي والفكري..!!

12:11 2023/06/26

لقد دأبت أنظمة الحكم البشرية منذ نشأتها وحتى اليوم ' على إتباع كل السياسات الكفيلة بنشر أفكارها الدينية والثقافية والاقتصادية ' وهذا أمر وارد وطبيعي فكل نظام حكم له أفكاره وسياساته الخاصة به ' ولكن هناك أنظمة حكم تلجأ لاستخدام الإكراه والإجبار والاضطهاد والقمع كوسائل لفرض أفكارها وهي أنظمة الحكم الكهنوتية الدكتاتورية والاستبدادية ' وهناك أنظمة حكم لا تلجأ لوسائل العنف للقيام بذلك وهي أنظمة الحكم الديمقراطية والدستورية ' وبذلك فإنه يمكننا وعلي الفور تحديد نوعية نظام الحكم من خلال معرفة الوسائل التي يتبعها لنشر أفكاره ومعتقداته دون الحاجة للغوص أكثر في سياسات هذا النظام او ذاك . ولقد كانت الظروف السائدة في الفترات التاريخية السابقة للتطورات التكنولوجية ' تساعد أنظمة الحكم كثيراً في فرض أفكارها وسياساتها على شعوبها نتيجة العزلة والاستقلالية ' ما كان يدفع بالدول القوية والاستعمارية إلي التدخل العسكري المباشر واحتلال الدول لفرض أفكارها وسياساتها ' فكانت القوة خلال تلك الفترات التاريخية هي الوسيلة الوحيدة لنشر الأفكار والثقافات والمعتقدات ..!! 
 
أما اليوم وفي ظل التطورات التكنولوجية الهائلة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات والتكنولوجيا الرقمية والفضائية ' فقد تمكنت الدول المتقدمة من اجتياح فضاءات الدول المتخلفة ' لتصبح مكشوفة أمامها فكريا وثقافيا ' وبات بمقدورها نشر أفكارها وثقافاتها بشكل مباشر دون الحاجة للقوة ' كما أن هذه التطورات قد منحت الشعوب قدرة الوصول والتواصل مع العالم الخارجي بعيداً عن القيود السلطوية ' وبهذه التطورات تكون البشرية قد طوت صفحة الإنعزالية الثقافية والفكرية ' والتي بدورها فتحت الباب واسعاً أمام نوع جديد من الصراع لا حاجة فيه للقوة والسلاح ' وهو الصراع الثقافي والفكري الذي تمثل الكلمة والفكرة سلاحه القوي ' ليتحول الصراع من صدامات عسكرية مسلحة ' إلي تنافس ثقافي وفكري ' وصاحب الفكر الإيجابي والثقافة الإنسانية الايجابية ' هو من سوف ينتصر في هذا الصراع والعكس صحيح ' ولن أبالغ إذا قلت بأن الدائرة بدأت تضيق حول كل الأفكار والثقافات السلبية حول العالم ' التي تدعوا للعنف والتسلطـ والتطرف والارهاب والكراهية ..!! 
 
والغريب في الأمر بأن هناك أنظمة حكم في دول العالم النامي ' لا تزال تنتهج وسائل واساليب القمع والعنف لنشر أفكارها وسياساتها ومعتقداتها ' ناسية او متناسية أن هكذا وسائل واساليب لم تعد ذات جدوى في ظل الإختراق التكنولوجي لفضائها الإلكتروني ' والأغرب من ذلك أن هناك بعض الشعوب لا تزال حبيسة للفكر السياسي والعقائدي والثقافي الذي يفرضه عليها نظام الحكم ' دون أن تستفيد من الإنفتاح الثقافي والفكري ' وهي بذلك تساعد أنظمة الحكم في تنفيذ سياستها الانغلاقية والرجعية ، فأنظمة الحكم عبر تاريخها الطويل تعمل على جعل الجماهير تشاهد أي حدث عبر منظارها ، وتقرأ أي أفكار أو نظريات من خلال قراءتها التي تتناسب مع سياستها وأهدافها ' ولكن التطورات التكنولوجية قد تمكنت من كسر هذا الاحتكار الفكري والثقافي ' ومكنت الشعوب من رؤية أي حدث وقراءة أي فكرة من جميع الزوايا ' من خلال تعدد المواقع البحثية والمعلوماتية والقنوات الثقافية والعلمية ' التي تمكنها من الحصول على المزيد من المعلومات حول ذلك الحدث أو الفكرة ..!! 
 
 وبذلك فإن الإنعزالية الثقافية والفكرية اليوم لم يعد نظام الحكم هو المسئول الوحيد عنها ' كونه لم يعد يمتلك السيطرة المطلقة على المعلومات ' ولكن الشعوب هي من تتحمل المسئولية المباشرة عن ذلك ' نتيجة عدم استفادتها من وسائل المعرفة ومصادر المعلومات الكثيرة المتاحة أمامها ' والتي سوف تمكنها من قراءة الأحداث والأفكار بشكل أكثر شفافية ومصداقية واستقلالية وموضوعية ' والكفيلة بتحريرها من الإنعزالية الفكرية والثقافية التي التي يفرضها عليها نظام الحكم . وبذلك فإننا نعيش اليوم في عصر الإنفتاح الثقافي والفكري ' وليس أمامنا من سبيل سوى التسلح بالعلم والمعرفة والثقافة الإيجايية ' حتى نتمكن من رسم صورة حقيقية وإيجابية وحضارية لمعتقداتنا وأفكارنا وثقافتنا ' ومن المؤسف أن نحصر أنفسنا في زاوية واحدة وأن نشاهد من خلالها الأحداث ونقرأ عبرها الأفكار ' لأنه من غير المستبعد أن يكون الوقوف في تلك الزاوية يعطي المشاهد رؤية غير صحيحة ' طالما ولدينا إمكانية مشاهدتها من جميع الزوايا ' وهو ما يمنحنا القدرة على التحرر من التبعية الفكرية بكل أشكالها ' ويجعلنا أكثر قرباً من الموضوعية والشفافية والاستقلالية الفكرية ..!!