الدور الإيجابي الكبير للوعي والثقافة في حياة المجتمعات والأمم ..!!
النزعة نحو الإنكفاء على الذات ، بهدف المحافظة على الهوية أو القومية ، أو لأسباب سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ، من الأمور الواردة في حياة المجتمعات البشرية ، والفرق بين هذه المجتمعات هو في طريقة تعاطيها مع تلك الأمور ، فهناك فرق كبير بين طريقة تعاطي المجتمعات الواعية والمثقفة مع هكذا مستجدات ، وبين طريقة تعاطي المجتمعات الجاهلة والمتخلفة ، فالأولى تتعاطى معها بطريقة حضارية وسلمية ومدنية ، بينما الثانية تتعاطى معها بطريقة سلبية وعدوانية وقتالية ، فبعض المجتمعات العربية على سبيل المثال تسعى إلى تحقيق نزعتها نحو الذاتية ( الإنفصال ) أياً كان شكلها مذهبية أو طائفية أو حزبية أو مناطقية ، عن طريق الحروب ، والصراعات ، والقتل ، والعنف ( الحالة العراقية والسورية واليمنية إنموذجاً ) ، بينما الأوربيون يقومون بذلك عن طريق الوسائل السلمية والمدنية والحضارية ، عن طريق الاستفتاء ، والإحتكام لرأي الشعوب ، واحترام رأي الأغلبية ( الحالة البريطانية وخروجها من الإتحاد الأوربي إنموذجاً ) ..!!
فارق حضاري كبير ومهول ........
بحاجة إلى وقفة جادة من أصحاب الفكر والسياسة والرأي في العالم العربي ، بضرورة إجراء مراجعات شاملة في الموروث الفكري والسياسي والديني والثقافي العربي ، ونزع الشوائب والتشوهات الفكرية ، التي رافقت مسيرة ذلك الموروث ، والتي كانت السبب في هيمنة مفاهيم العنف والقوة والغلبة على الثقافة المجتمعية العربية والإسلامية ، وكانت السبب في خلق البيئات العدائية فيما بينها ، وانتشار ثقافة العنف والكراهية والقتل ، السائدة اليوم بين أبناء الدين الواحد والمجتمع الواحد ..!!
وعلى العموم .....
من حق أي منطقة أو طائفة أو دولة ، أو مجموعة من البشر ، تجمع بينهم أي روابط أو مصالح ، الدعوة إلى الإنكفاء نحو الذات ، وحتى الإنغلاق على نفسها ، وفق موروثها وتصوراتها وأفكارها ، لكن بالطرق السلمية ، وبالوسائل الناعمة ، بعيداً عن العنف والفوضى والإرهاب والقتل ، والواجب على الآخرين إحترام إرادة تلك الأطراف والفئات والمجتمعات ، بعيداً عن الترهيب والتلويح بإستخدام القوة لإجبارها على الإستمرار معهم وفق نظرتهم ورؤيتهم وفكرهم ، لأنه في نهاية المطاف لكل طرف مصالحه وأفكاره وتوجهاته ، لكن يظل التفاهم وإخضاع كل ذلك ، للحوار وللوسائل السلمية وللمصالح المشتركة ، هو الطريق الأنسب والآفضل ..!!
لكن .....
أن يأتي حزب أو فئة أو جماعة ، لا تمثل إرادة غالبية المجتمع ، وتسعى إلى تحقيق نزعتها الإنكفائية والإنفصالية ، عن طريق القوة والعنف والإرهاب والقتل ، فهذا هو الأمر المرفوض جملةً وتفصيلاً ، وهذا هو الاستبداد والتسلط السياسي بذاته ، وللأسف الشديد هذا هو حال بعض المجتمعات العربية والإسلامية ، في تعاطيها مع خلافاتها ونزاعاتها المختلفة والمتعددة ونزوعها نحو الإنكفاء على الذات ( النزعة الإنفصالية ) . وستظل التجربة البريطانية الآوربية ، هي التجرية الرائدة ، والأكثر حضارية ومدنية في هذا المجال ، وستظل الدليل الواضح على الدور الكبير لوعي وثقافة تلك المجتمعات ، وعلى المسافة الشاسعة التي باتت تفصلها عن مجتمعات العالم الثالث ، التي لا يزال العنف والقوة هو سبيلها الوحيد لحل كل خلافاتها ونزاعاتها ، نتيجة إنغماسها في مستنقعات الجهل والتخلف والعصبية ..!!
وهذا الكلام ينطبق تمام الانطباق على نزعة الهيمنة والتسلط ، فكم هو مؤسف أن نشاهد بعض الأحزاب والطوائف والجماعات العربية ، وهي تسعى الى فرض نزعتها نحو الهيمنة والتسلط السياسي أو الديني أو الفكري ، عن طريق القوة والعنف والقهر والغلبة ، دون إكتراث لرأي الأطراف الأخرى المشاركة لها في الحياة ، وفي السياسة ، وفي الجغرافيا ، والمؤسف أكثر عندما تكون تلك الاحزاب او الطوائف او الجماعات التي تسعى إلى فرض هيمنتها وسيطرتها على المجتمعات العربية ، هي عبارة عن أقليات ، ولا تمثل إرادة ورغبات تلك المجتمعات ..!!
ولسنا ضد تلك الطوائف أو الجماعات ، ولسنا ضد هكذا سياسات إذا تمت عن طريق الوسائل السلمية ، وإذا تمت عن طريق رغبات تلك الشعوب ، وهنا يكمن جوهر الخلاف ، في الوسائل والطرق ، فكل ما يتم عن طريق السلمية والحوار والرغبة مقبول ومرحب به ، وكل ما يتم عن طريق العنف والغلبة والقهر والقوة مرفوض ومدان ، وهنا يكمن جوهر الخلاف بين المجتمعات البشرية الواعية والمثقفة وبين المجتمعات الجاهلة والمتخلفة ، فبينما تعتمد الأولى الوسائل السلمية والحضارية لإدارة صراعاتها وخلافاتها وحل مشاكلها ، نجد أن الثانية تعتمد العنف والقوة والقهر للقيام بذلك ، وما تعيشه بعض المجتمعات العربية اليوم من حالة الصراع والحرب ، هي النتيجة الطبيعية لإستخدام وسائل العنف والقوة والغلبة ، في إدارة صراعاتها وخلافاتها ..!!