على طاولة شرعية - بلا طاولة - قبل فوات الأوان !
لا تزال الفرص متاحة ليس لاستعادة الدولة المصادرة من قبل المليشيات الفاشستية الحوثية، وإنما استعادة بقايا معالم الدولة، لا سيما بقايا المعالم المتصلة بمنجزات الجمهورية على مدى نصف قرن وثلاث سنين (1962 / 2015) من بُنى تحتية، ومنشآت اقتصادية لم تنجزها الدولة المصادرة بسهولة، ويُسر، وإنما أنجزتها بصعوبات جمة تارة بالتسول عند من يسوى، وتارة أخرى عند من لا يسوى، وتارة ثالثة عبر القروض، أو الديون من البنوك الدولية، ومن بعض دول العالم كسلف وديون ما تزال مقيدة على كاهل شعبنا منذ عقود، وقد تستمر بل مؤكد أنها ستبقى على حساب أجيال قادمة، وتارة رابعة أنجزت عبر منح، ومساعدات خارجية أجنبية، وعربية، ومن دول بعضها لم تعد اليوم موجودة على خارطة العالم المعاصر كدولة الاتحاد السوفيتي التي أهدت اليمن كثير من المنشآت الاقتصادية الحيوية مثل بناء ميناء الحديدة، وطريق تعز الحديدة، ومدينة العمال بمدينة الحديدة، ومستشفيات ومدارس (المعروفة باسم مدارس الشعب) في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية قدمها السوفييت حينها هدية للشعب اليمني بمناسبة قيام الجمهورية، وعربون صداقة.
فمن اين لنا باتحاد سوفياتي جديد يهدينا مثل تلك المنشآت الاقتصادية الكبيرة كرة ثانية؟..
من ذا الذي سوف يساعدنا في استعادة كل المنشآت الاقتصادية التي طالها الدمار الشامل جراء ضرب طيران، وصواريخ الولايات المتحدة الأمريكية كرد فعل لاستهداف المليشيات الحوثية لسفنها التجارية في البحر الأحمر تحت مبررات وحجج واهية لدعم إخواننا في غزة وفلسطين. ذرائع لا تسمن ولا تغني من جوع للفلسطينيين بشيء، وإنما ضاعفت من جوعهم ودمارهم، وقتلهم وابادتهم؟
سيكون من المتعذر العثور على من يمد يد العون لبلادنا في استعادة ما يدمر أمام أعيننا اليوم بكل صفاقة لأن صورة اليمن بعد قيام الجمهورية كانت إيجابية لدى أغلب دول العالم.
أما الصورة التي صارت عليها منذ ربع قرن، وخاصة منذ بداية هذه الحرب وعلى نحو أخص منذ بدأ الحوثيون يهددون الملاحة البحرية الدولية في البحر الاحمر فقد صارت صورة اليمن أكثر سلبية.
اليمن في الصورة الإيجابية كانت تستند على معطى الإرث الحضاري المرموق المدون في سجلات التاريخ وعلى أساسه بادرت كثير من دول العالم إلى تقديم يد العون بهبات ومنح بغرض مساعدة هذا البلد على استعادة وهجه ومغادرة مربع النكوص الحضاري.
اليمن في الصورة السلبية دولة لا تستحق المساعدة لأنها غير جديرة بها، ولا تستحقها.
أيضاً يجب ألا ننسى البون الشاسع بين الظروف والمعطيات خلال الربع الأول من القرن الجديد، والتي كانت عليه الحياة بكافة جوانبها خلال العقود الاربعة من القرن الماضي.
حيث كانت ممكنات التعاون والمساعدات سواء كقروض أو هبات أجنبية متاحة لليمن في صورتها الإيجابية عالمياً..
أما في الصورة السلبية سنجد أنه حتى إذا كانت هنالك فرص للحصول على مساعدات غير أن الدول التي بيدها تلك الفرص سوف تحجم عن تقديم أي منها لبلادنا، وستذهب بها لدول وشعوب اخرى تستحقها في افريقيا وآسيا، لأن الدول التي من الممكن أن تقدم تلك الفرص سيكون لديها ألف حجة وعذر للتهرب من تقديم المساعدات لليمن.
وأقوى سبب يمنعها هو أنها ليس لديها - إذا ما رغبت بتقديم المساعدات لإنجاز مشاريع كبناء منشآت مهمة، وبنى تحتية - أية ضمانات أولًا لإنجازها على أرض الواقع ، وثانيا في حال انجزت لا يوجد ضمان حمايتها من التدمير.
وبتعبير ابسط ستسأل نفسها:
كيف نساعد من سبق أن ساعدناه فدمرها بحروبه العبثية، أو تسبب بتدميرها؟
بنو لنا مطارات، دمرناها.. بنو لنا مدارس ومستشفيات ومعاهد وجامعات، دمرناها.
شقوا لنا طرقات، وشيدوا لنا موانئ، ومشاريع كهرباء، ومياه، فدمرناها.
لا أحد كرة ثانية سيقدم شيئًا على غرار ما قدمه لليمن بعد قيام الجمهورية على أمل نهوضه، وخروجه من حياة القرون المظلمة التي فرضتها عهود حكم الأئمة السلالية.
لا أحد سيقدم شيئا وهو يرى أحد أحفاد السلالية المنسوخة مسخا مشوها داخل عباءة الحوثي يقود مليشياته الفاشستية لتدمير كل ما كان قد تحقق من منجزات ومكتسبات عبر تلك الهبات والمساعدات.
الناس ليسوا خدما، أو عبيدا عند اليمنيين كي يستمروا يلقوا إليهم بأموالهم وتجاربهم وخبراتهم ثم نأتي نحن ونسحقها بكل صفاقة.
ايضاً نحن اليمنيون ليس طرازا بشريا مختلفاً، أو خصنا الله بعيون سوداء، وجمال مذهل، وصفات نادرة تدفع الرأسمال العالمي والدول الغنية، والتسابق لسرعة تقديم الدعم من جديد كلما خضنا حروبا من زمن إلى آخر.
لا توجد لدينا أي صفات سترقرق قلوب العالم لمواصلة دعمنا ابد الابدين. لا شيء من الدعم سنحصل عليه من أحد.
التجارب ماثلة أمام أعيننا. لقد دمر كل ما قُدم لنا تارة بأيدي الحوثي، وأخرى بأيدي القوات الامريكية، وتارة بأسلحة دول التحالف العربي، وقبل ذلك بحروب اليمنيين البينية.
عطفاً على ما ذكرته آنفاً أعيد التأكيد على ما سبق مراراً و تكرارا أن ناديت وطالبت به القيادة الشرعية، وحكومتها، وكافة مكوناتها السياسية الوطنية بضرورة إدراك ما يمكن إدراكه من بقايا معالم الدولة قبل فوات الآوان.
إن كل يوم تتأخره الشرعية عن استعادة المعالم الباقية للدولة من المليشيات الحوثية لن ينتج عنه سوى زيادة الفقدان والخسارة لكل المنشآت الاقتصادية المهمة.
يجب ان تدرك الشرعية أكثر من أي وقت مضى الدوافع الكامنة خلف اصرار الحوثيين على جعل المنشآت الاقتصادية الوطنية الكبيرة آهدافا عسكرية لها، وجعلها عرضة للدمار الشامل.
إن المنشآت الاقتصادية الوطنية، وبقايا مظاهر البنى التحتية التي تدمر اليوم بقصف امريكي همجي خبيث هي منشآت وطنية لكل اليمنيين وليست للحوثيين.
لم يخسر الحوثيون ولا زعيمهم شيئاً في تشييدها، وتأسيسها، كما لن يخسر أي شيء عند تدميرها.
بل لن يكون غريبا أن نرى الحوثيين يتلذذون كثيراً على مرأى دمارها لأنها في مضمونها وجوهرها تذكرهم بأنها من منجزات الجمهورية التي حُرم اليمن منها قروناً تحت عهود حكم أسلافهم الإماميين.
ليس ذلك وحسب بل أن تدمير أي مكتسب من منجزات الجمهورية يبعث عندهم روح التشفي، والتلذذ الانتقامي كونه سيفضي عند نهاية المطاف إلى إعادة هذا البلد ليس إلى ما قبل انتهاء حكم أسلافهم عند قيام جمهورية سبتمبر الخالدة، وإنما إلى غابر قرون الظلام السلالي المعربد في اليمن.
ذلك من المنظور الاقتصادي، أما من المنظور السياسي فإن تدمير كل معالم الدولة الباقية سيتيح لها أي المليشيات الحوثية كثير فرص منها فرصة البقاء كأقلية اجتماعية وسياسية واطار ايديولوجي في مرحلة ما بعد الحرب خاصة إذا ما الضربات الأمريكية ذهبت ادراجها، ولم تطال زعيمهم بأي سوء، ناهيك عما سيمنحه ذلك من شعور الاغترار الأكبر في أن سيدة العالم الكبرى لم تسطع أن تصل حتى إلى زعيمهم، وهو غرور سيضاعف نشوة غرورهم أكثر وأكبر في أنه: لا التحالف العربي على مدى اربع سنوات (2015 - 2018).
ولا أيضاً أمريكا على عظمة قدرها العالمي استطاعوا النيل منهم.
إن هذه القراءة وغيرها من القراءات الكثيرة التي سبق أن تناولها كاتب المقالة، وغيره من كتاب ومثقفي وصحافيي هذا البلد الشرفاء على مدى سنوات هذه الحرب العبثية تدفعنا دائما إلى نفض غبار اليأس، وإعادة الكرات، والكرات لرفع أصواتنا في وجه الشرعية وكافة مكوناتها الوطنية:
يكفي سباتا يا شرعية..!
ادركوا ما تبقى من معالم الدولة قبل فوات الآوان، خاصة، وأن قادم المنطقة، وصيرورة التحولات الكبرى في طبيعة العلاقات الدولية، وتباينات مصالحها الاستراتيجية يسوق إلينا مجانا معطيات جمة، وكافية، وجميعها تسكب أمام أعيننا سيناريوهات قادمة مفتوحة عناوينها على احتمالات كلها مخيفة ومرعبة.
إذا لم تبادر الشرعية الآن وقبل كل شيء بفعل الزحف الوطني المقدس لاستعادة الدولة وما تبقى من مظاهرها فعلى الدنيا السلام، وعلى اليمن...(اكملوا انتم محل النقاط).