الثروة الزراعية والمائية في مأرب…مصير مجهول المستقبل
تعد الحضارة السبئية والتي كانت عاصمتها محافظة مأرب من اوائل الحضارات القديمة على وجه الارض، التي اهتمت بالثروة الزراعية والمائية، وكانت تلك الحضارة معتمدة و مرتكزة على تلك الثروة العظيمة، وتعتبر محافظة مأرب اول بلد زراعي ومائي في التاريخ ، حيث تم تشييد اول سد مائي بها ، وهو سد مأرب العظيم ، وكانت الزراعة تحضى باهتمام كبير ايام الدولة السبئية ، فوضعت التشريعات القديمة لتنظيم الريء عبر قنوات سد مأرب ، وكانت الدولة السبئية تناقش الوضع الزراعي وتعطية اهتماماً وأولية من خلال عقد الاجتماعات والمؤتمرات في المعابد القديمة وإصدار القرارات لتطويرها ، وكما دعمت الزراعة في بناء تلك الحضارات الضاربة في القدم ، فلا زالت الثروة الزراعية في مأرب اليوم تدعم بإسهام كبير سلة غذاء اليمن اليومية ، كما تعد أحد الركائز الاقتصادية الهامة.
يشكل نشاط الثروة الزراعية ثروة وطنية هامة في مجمل النشاط الاقتصادي اليمني بشكل عام, والقطاع الزراعي في مأرب بشكل خاص, ومن الظواهر والاختلالات القائمة لوضع القطاع الزراعي في محافظة مارب والوديان ، والحقول الزراعية التي حجبها الاهمال والنسيان ، فتحولت الى ارض مليئة بالأحراش الشوكية والأكياس البلاستيكية المنتشرة والمتطايرة في الهواء ، واخطر ما يمكن التنبيه له هو حالة الجفاف والزحف الصحراوي التي اصابت الاراضي الزراعية ، وتجمعات التدفق المائي التي حرمت منة أراضي المحافظة بسبب الاهمال والمكايدات السياسية.
ساهمت الحكومة اليمنية في دعم الزراعة من منتصف الثمانينات من القرن الماضي وتلقى المزارعين بعد انشاء سد مأرب إلى دعم كبير في المجال الزراعي ، والذي انعكس إيجابياً على التوسع الزراعي بمأرب , وادى ذلك الى حصول تطور كبير في انتاج معظم المنتجات الزراعية اثناء وجود هيئة تطوير المناطق الشرقية سابقاً، والتي كانت تساهم في ايجاد دعم فني ومادي لبعض المشاريع الزراعية محلياً وخارجياً إلى حد ما ، الا ان القطاع الزراعي تعرض الى انتكاسة كبيرة جدا بعد اندلاع الحرب والصراع باليمن منذوا عام 2015م ، نتيجة لتوقف الدعم المالي والفني للزراعة وتدهور الوضع الزراعي وارتفاع كلفة الانتاج الزراعي .
وانشغال السلطات المحلية والأمنية والتنموية بجمع الموارد المالية التي يتم جمعها من المراكز التجارية والمقرات الخدمية والحكومية ، وبسبب التيه والشتات والتسيب الذي يحيط بمناخ عمل السلطات ذات العلاقة ، فان رفض ادارة سد مأرب فتح ممرات سيل مياه وقنوات سد مارب بشكل مستمر ووضع انسياب المياه نحو الارض الزراعية والحقول ، بما يوسع من مشكلة الجفاف والزحف الصحراوي نحو الاراضي الزراعية وتبخر مياه السد في البحيرة جرى انعكاس اشعه الشمس القوية على بحيرة السد والارضي المجاورة ، مما اصاب المزروعات والأراضي المجاورة المروية من مياه السد بالجفاف وتدهور التربة وتدمير النباتات والخضار التي كانت ترتوي من ماء السد. ونظراً لارتفاع اسعار مادة الديزل في السوق بسبب الحرب ، إلا ان السلطة المحلية بمأرب استطاعت ان تدعم المزارعين بتوفير الكهرباء من محطة مأرب الغازية والتي كان لها اثر ايجابي في تشغيل مضخات سقي الأراضي الزراعية، ولكن معدات الحراثة تحتاج الديزل ولا يتوفر الا بمبالغ عالية جداً، ولكن الاستثمار الزراعي مجال واسع ، وهناك تحديات اخرى يجب على الحكومة من دعمها وعمل الدراسات اللازمة ، وتشجيع ودعم الكوادر المحلية للدراسة والتدريب في هذا القطاع الحيوي واستيعابهم.
بإيجاز يمكن تلخيص بعض من المشاكل التي تعانيها الزراعة في مأرب على النحو الاتي:-
• ارتفاع اسعار المدخلات الزراعية مثل الاسمدة والمبيدات واجور الحصاد ، والحراثة والآلات الزراعية وارتفاع اسعار التقاوي بشكل خاص ومنها البطاطس وبذور البصل والطماطم ... وغيرها
• التسويق للمنتجات الزراعية وخاصة البطاطس والبرتقال والطماطم لعدم توفر اسواق خارجية وانحصار الاسواق المحلية وعدم وجود التسويق المؤسسي المنظم الذي يدرس السوق بشكل أفضل
• احيانا الاستيراد الذي يوافق حصاد محصول المزارع اليمني بمأرب.
• ارتفاع اسعار الحوالات وانخفاض اسعار الريال امام العملات الصعبة وتردي الخدمات الارشادية الزراعية من الجهات الحكومية لانخفاض الدعم لهذا المجال ، والصعوبة في نقل المنتجات الزراعية نظراً لاغلاق الطرق المعبدة بين المدن اليمنية وتسويق المنتجات الزراعية ، وهذه من بعض واهم المشاكل التي تعانيها الزراعة بالمحافظة.
من ضمن الحلول المناسبة الاتي:-
تشكيل هيئة للزراعة بمحافظة مأرب لمواجهة التحديات التي تحيط بالزراعة من جميع النواحي واستقطاب الدعم اللازم من الحكومة والمنظمات الدولية لدعم الزراعة بمأرب ، و للعمل من اجل تحقيق الاتي:-
1. ايجاد اسواق داخلية وخارجية والاهتمام بذوق المستهلك في هذه الاسواق.
2. ندوات تشجيع التسويق المؤسسي اما عبر الجمعيات او شركات تهتم بالقيمة المضافة لعمليات التسويق ومنها التغليف والتعبئة ودراسة السوق واحتياجاته من السلع وتوزيع المنتجات على هذه الاسواق حتى لا يزيد العرض وتنخفض الاسعار وموازنة العرض والطلب للمنتجات الزراعية
3. تعزيز المدخلات الزراعية ودعمها من الدولة وفتح مؤسسة خدمات زراعية تكسر اسعار التجار الجشعين وتعمل تعادل سعري.
ان بلاد مثل اليمن ذات مناخ وواقع طبوغرافي وجيولوجي متميز ، وذات إمكانيات وثروات كبيرة ولما يمثله هذا التمايز فأنها تتلهف لأعداد الدراسات المائية المتعددة التخصصات الذي يمكن ان تهتم في خدمة الأغراض التالية:-
1- تنظيم وتطوير المصادر المائية في اليمن لتقديم معلومات مطرية ومياه سطحية من السدود والينابيع ومياه جوفية الى الجهات اليمنية المختصة ذات العلاقة بالموارد المائية لتصميم منشاءات الري الزراعية ومشاريع الطرق ومياه الشرب وقطاع الصناعة وتخطيط المدن.
2- جمع المعلومات وتحصيلها ومن ثم عمل خريطة مائية تفصيليه لمستجمع وادي اذنة ووادي الميل وسباء لما لها من أهمية في إيجاد مشاريع تنموية اقتصادية تهدف لتغيير مجتمع أبناء مارب الى الأفضل وتعرف بالتالي واقعنا المائي.
3- تشكيل هيئة مائية متخصصة تدير الموارد المائية ومشروع سد مأرب وقنواته في محافظة مأرب وتنظيم طرق وأساليب استهلاكها وتوزيعها توزيعا عادلا وخصوصا من بحيرة سد مأرب العظيم والقنوات التصريفية من السدود والمجاري والوديان المتفرعة من بحيرة السد والمفيض المائي والغيول الفرعية الممتدة عبر سائلة بحيرة سد مأرب وامتداد الى أسفل الوديان وتفرعاتها الرئيسية.
4- اعداد قانون محلي ينضم محافظة مارب لترشيد الحفر واستغلال المياه السطحية والينابيع وبحيرة سد مأرب، والقنوات والمصارف المتفرعة من هذه البحيرة ، وعمل أجهزة رصد مناخي ومائي وتدفق يضم توزيع المياه بالعدالة الى المناطق الزراعية المترامية الأطراف وعمل خطط ترشيد استخدام مصادر المياه تحت رقابة الكوادر المائية المقترح أنشاءه في محافظة مأرب في إطار قانون السلطة المحلية.
ان اليمن السعيد واليمن الخضراء أسماء وجدت مقروءة ومكتوبة ، والله سبحانه وتعالى أورد في القران الكريم في سورة سباء قولة تعالى " لقد كان لسباء في مسكنهم اية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور " ، ومن يقراء كتاب صفة بلاد اليمن ومكة وبعض من بلد الحجاز ومؤلفات أخرى تتناول هذه المواضيع سيعرف، وسيدهش مما أصاب الزراعة وبالتالي تنظيم الموارد المائية ويعزى ذلك الى اهمال الانسان واعتداءه عليها ، وتورد التقارير الحكومية والمزارعين في محافظة مأرب وماجاورها في محيط سد مأرب ، والقنوات والتدفقات الجانبية للمياه
تفاصيل عن تدهور المؤسف الذي حل بالزراعة والمزارعين في منطقة مأرب والمياه والايدي العاملة في الزراعة.
وبقدر الجهد الكبير الذي أثمر عن بناء سد مأرب الذي تكلل بناءه بنجاح في عام 1986، كما تواصلت جهود المانحين في بناء القنوات التحويلية للمياه المنسابة عبر هذه القنوات حيث عملت على توجيه مياه السد الى المناطق الزراعية أسفل بحيرة السد وساعدت في تحويل مياه القنوات الى المزارع المجاورة للقنوات لسقي المزارع وتغذية المياه الجوفية،
ان الثروة الزراعية في مأرب بحاجة ماسة الى مزيداً من الاهتمام والدعم الحكومي لتفعيل مقوماتها وتذليل العقبات والتحديات التي تواجهها, للنهوض بنشاطها ورفع مستوى انتاجيتها, بحيث ان تغطي الحاجة المحلية من منتجاتها وتشكل موردا اقتصاديا هاما للبلد، وإن ضرورة تنمية الثروة الزراعية صار حاجة ملحة ، نظراً للمنعطفات التي يمر بها هذا القطاع المهدور وضرورة تعزيز دوره في الإسهام للوصول الى الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، والذي سيسهم في رفع مستوى الأمن الغذائي لمأرب واليمن عموماً ، ولعل دعم الاستثمار في الثروة الزراعية ، هذا القطاع الواعد سيكون له أثر تنموي كبير يعود بالنفع على هذه الثروة الهامة، من خلال زيادة وتشجيع مساهمة المزارعين بالقطاع الزراعي وتذليل كل الصعوبات التي تواجههم.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.