الشراكة في الظلم

10:05 2023/07/01

التطرف في حب الذات نزعة سلبية شيطانية تدفع صاحبها لظلم الآخرين والاعتداء على الآخرين ونهب حقوق الآخرين وحتى قتل الآخرين. وقد رافقت الإنسان منذ القدم. ومع تكاثر البشر وتزايد أعدادهم، ازدادت حالات الظلم والتظالم فيما بينهم، في إطار علاقة طردية تزايدية، فالقوي لا يتردد عن ظلم الضعيف، والغني لا يتردد عن ظلم الفقير والمحتاج، والكبير لا يتردد عن ظلم الصغير، والرجل لا يتردد عن ظلم المرأة، والرئيس لا يتردد عن ظلم المرؤوس، إلا من رحم الله. ونظراٌ لتعاظم الظلم بين البشر على كل المستويات الفردية والجماعية وعلى مستوى الشعوب والأمم، تتدخل القدرة الإلهية، فكم أهلك الله تعالى من الأمم نتيجة ظلمها وجبروتها وطغيانها. كما أنه تعالى لم يجعل بينه وبين دعوة المظلوم حجاب، فكم من القصص والأحداث التي تجلت فيها قدرة الله تعالى من خلال الانتقام من الظالم وإنصاف المظلوم بشكل مباشر أو غير مباشر على مرأى ومسمع الجميع. 
 
والمشكلة أن الظالم وهو يمارس ظلمه وطغيانه ضد الآخرين، يأتي له شيطان نفسه ليبرر له كل ذلك، فهو من يدفع الحاكم لظلم الرعية والبطش بهم ونهب حقوقهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وفرض الإتاوات الباهظة عليهم وحتى قتلهم بمبرر الخيانة أو العمالة أو الدفاع عن السلطة، وهو من يدفع المتطرف والمتشدد والمتعصب الديني والمذهبي لممارسة الظلم بكل أشكاله ضد المخالفين له في الدين والمذهب، وصولاً إلى إباحة دمائهم وممتلكاتهم وحقوقهم بمبرر الدفاع عن الدين والمذهب، رغم أن من أنزل الدين وفرضه على البشر قد منح جميع البشر حرية التدين قال تعالى (لكم دينكم ولي دين)، ونهاهم عن إكراه أحد في الدين قال تعالى (لا إكراه في الدين)، وهكذا. 
 
والظالم السلطوي أو الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي لا يستطيع ممارسة ظلمه لو لم يجد من يناصره ويدعمه من الناس، فكل من يؤيد الظالم بالفعل أو بالقول حتى بكلمة واحدة فهو شريك لذلك الظالم، خصوصاً عندما يشاهد ذلك الظالم وأعوانه وزبانيته وهم يمارسون الظلم والطغيان ضد الآخرين. فالظلمة وهم يمارسون الظلم يمارسونه وهم يعرفون أنهم يمارسونه، ويجنون الكثير من المكاسب الدنيوية كثمار لذلك الظلم. ولكن المشكلة تكمن في من يؤيد الظالم بدافع التعصب الديني أو المذهبي أو الحزبي أو الطائفي أو المناطقي أو القبلي، ليصبح شريك للظالم في ظلم الآخرين. فهو بذلك خارج من المكسب الدنيوي أياً كان شكله وداخل في الخسارة الدنيوية والأخروية. 
 
وحتى ينأى الإنسان بنفسه من الشراكة في الظلم، عليه أن يرفض كل الممارسات السلبية التي ينتج عنها الظلم للآخرين، وعليه أن يبدأ بنفسه فيتوقف فوراً عن ممارسة الظلم ضد الآخرين، وعليه أن لا يسمح لتعصباته ولهوى نفسه أن تدفعه لتأييد ودعم أي فرد أو جهة أو سلطة تمارس الظلم ضد الآخرين. فالله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين الناس. ألا يكفي ذلك رادعاً وزاجراً لكل إنسان ليراجع نفسه ألف مرة قبل اتخاذه لأي موقف داعم أو مؤيد لأي جهة كانت إلا بعد أن يتأكد بأن تلك الجهة أو السلطة لا تمارس الظلم والطغيان ضد الآخرين؟! فالإنسان في غنى عن مشاركة الظلمة في ظلمهم. فدعم الظلمة بمختلف توجهاتهم وتأييدهم والتنظير لهم بالموقف أو بالرأي وحتى بالكلمة تجعل الإنسان شريكا لهم في ظلمهم.