ثنائية الصراع بين الخير والشر
بدون شك بأن أعمال وأفعال البشر وتصرفاتهم خلال وجودهم في هذه الحياة ، تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما وهما أعمال خير أو أعمال شر. فالخير هو كل ما يعود على الإنسانية بالإيجابية والمنفعة والصلاح والعدل والجمال والفائدة والسلام والمحبة والتطور والتقدم والعلم والمعرفة والتعاون والتراحم ...الخ ، والشر هو كل ما يعود على الإنسانية بالسلبية والضرر والفساد والظلم والقبح والخسارة والعدوانية والجهل والتخلف والعنف والكراهية والإنقسام والقسوة ...الخ.
وبذلك فإن طريق الخير واضح وضوح الشمس وطريق الشر أيضاً ، فلا يمكن أن يكون مثلاً الارهاب والقتل والعدوان والبطش والنهب والسلب والتعصب والعنصرية والظلم خير مهما حاول القائمين على تلك الأعمال تزيينها وتغليفها وتغطيتها بغلافات دينية أو مذهبية أو قومية أو وطنية ، فالشر يظل شر في كل الظروف والأحوال وفي كل الأماكن والأزمنة ، فلا يمكن أن تكون على سبيل المثال الأعمال والأفعال الارهابية والعدوانية التي تقوم بها بعض الجماعات المذهبية والطائفية في مكان ما خير ، بينما تكون نفس تلك الأفعال التي تقوم بها بعض الجماعات الطائفية والمذهبية الأخرى في مكان آخر شر ، فتلك الأعمال السلبية والعدوانية والارهابية هي أعمال شريرة ومدانة ومرفوضة في كل مكان وزمان ..
وكم هو جميل ورائع أن يُسخر الإنسان حياته ووقته لعمل الخير ، فهو بذلك يكسب رضى الله تعالى وفي نفس الوقت يشعر بالإستقرار والإطمئنان النفسي ، فمعظم الآيات القرآنية تدعوا الإنسان إلى القيام بكل الأعمال الإيجابية الصالحة ، وتصف من يقومون بها بكل الأوصاف الإيجابية والعظيمة. كما أن الإنسان الذي يعمل الخير بدون شك لن يجني سوى الخير في الدنيا والآخرة ، ومن يعمل الشر بدون شك لن يجني سوى الشر ( من يزرع الشوك لن يحصد العنب ) ، كما أن أعمال الخير تدخل إلى النفس البهجة والسرور والراحة النفسية ، فإذا أراد الإنسان أن يمنح نفسه جرعة كبيرة من الطمأنينة والاستقرار النفسي والسعادة فما عليه سوى القيام ببعض أعمال الخير هنا وهناك ، فالإنسان على سبيل المثال وهو يميط ويبعد الأذى عن الطريق يشعر بنوع من السعادة رغم بساطة هذا العمل ، فما بالك وهو يقوم بإنجاز أعمال الخير الكبيرة والعظيمة ، كالبذل والعطاء ومساعدة الفقراء والمحتاجين والمساكين ، وكالإصلاح بين الناس والمساهمة الايجابية الصادقة في حل مشاكلهم لوجه الله تعالى ، بدون شك سوف يشعر بإطمئنان وراحة نفسية غامرة ..
وبذلك فإن أعمال الخير بكل أنواعها هي الطريق لمن يبحث عن الشعور بالإطمئنان والاستقرار والراحة النفسية والسعادة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة ، وأعمال الشر بكل أنواعها هي الطريق التي تؤدي إلى الشعور بالقلق والاضطراب النفسي وتأنيب الضمير والتعاسة والخسران المبين في الدنيا والآخرة ، فكل عمل شرير أيا كان نوعه ومهما صغر حجمه ، يظل يلاحق صاحبه ويشعره بالندم وتأنيب الضمير في كل أوقاته ، فإذا تراكمت وتزايدت تلك الأعمال الشريرة كلما تحولت حياة ذلك الشخص إلى دوامة من الصراع النفسي والقلق والتوتر والبؤس والخوف والندم ، فالخير يصنع الخير للشخص نفسه وللمجتمع المحيط.به والعكس صحيح ، كما أن أفعال الخير ترسم عن الشخص صورة إيجابية في ذاكرة الآخرين فلا يذكرونه إلا بكل شيء جميل ، بينما أفعال الشر ترسم عن الشخص صورة سلبية في ذاكرة الآخرين فلا يذكرونه إلا بكل شيء قبيح ..
وثنائية الصراع بين الخير والشر مستمرة ومتواصلة ما دام للإنسان حضور وتواجد على هذه الأرض ، فنوازع الخير ونوازع الشر الموجودة في كينونة الإنسان ، في حالة من الصراع المستمر داخل النفس البشرية ، فإذا تمكن الإنسان من كبح جماح نوازع الشر التي تشجعه على القيام بالأعمال الشريرة ، وأطلق العنان لنوازع الخير بدون شك سوف يسلك طريق الخير ، وفعل الخير ، والعكس صحيح ، وأول خطوة في طريق الخير هي بانتصار نوازع الخير على نوازع الشر داخل النفس البشرية ، والعكس صحيح، فعندما تشاهد الإنسان يعمل الخير ويسير في طريق الخير ، فذلك دليل على أن الخير في داخل نفسه قد انتصر على الشر والعكس صحيح ، والسعيد والفائز والرابح هو من سلك طريق الخير وسخر كل وقته وجهده في سبيل الخير ، والتعيس والشقي والخاسر هو من سلك طريق الشر وسخر وقته وجهده في سبيل الشر ، وكل أعمال الإنسان مسجلة ومكتوبة وسيحاسب عليها يوم القيامة وفق ميزان غاية في الدقة ، قال تعالى (( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) ، ومصيره يتوقف على نتائج ذلك المقياس المتناهي الدقة ، قال تعالى (( فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ما هية * نار حامية )).