السلطات الاستبدادية .. واستغلال السلطة لفرض أفكارها العقائدية والإيديولوجية ..!!

09:48 2022/11/09

بدايةً من المتعارف عليه بأن الفكر السياسي للسلطات الاستبدادية عبر التاريخ السياسي البشري ، يعتمد على القوة والعنف والبطش والطغيان ، كأفضل الوسائل لإدارة شئون الحكم وفرض سياساتها ومناهجها الفكرية علي أفراد الشعب ، كما أنه ينظر إلى المواطنين على أنهم مجرد تابعين وعبيد وعليهم السمع والطاعة وتنفيذ أوامر السلطة وقراراتها بدون نقاش أو اعتراض ، فهي صاحبة الحق والقرار والكلمة والنفوذ ، وهي من تمتلك القوة القادرة على قمع وقهر وحتى قتل كل من يعارضها أو يقف في طريقها أو لا يمثتل لقراراتها وسياساتها ، أو لا يؤمن بأفكارها السياسية والعقائدية والطائفية ، من أجل ذلك نجد أن السلطات الاستبدادية تسخر كل قدراتها وإمكانياتها لبناء المزيد من القوة ليس من أجل الشعب ولا من أجل الدفاع عن الوطن ، ولكن من أجل ممارسة المزيد من القمع والطغيان والجبروت ضد المواطنين ، ومن أجل توفير الحماية الكافية لسلطاتها ونظام حكمها وأفرادها ، وكل سياساتها وممارساتها وأنشطتها تصب في كيفية إخضاع وإذلال مواطنيها ونزع روح التحرر والمقاومة من تفكيرهم ، إنها سياسة تدجين وتجبين الشعوب ، وصناعة شعوب خانعة وخاضعة ..!! 
 
وكم عانت البشرية من هذه السلطات التي حولت حياة البشر إلى جحيم وعنف واستبداد وقمع ، وكم قدمت البشرية من التضحيات الجسيمة في سبيل مواجهة هذه السلطات الغاشمة التي مارست ضد البشر كل صور الإجرام والارهاب والقتل والبطش في كل زمان ومكان ، لتتحول حياة البشر إلى ميدان حرب مستمر ومتواصل بين طرفين ، الطرف الأول السلطات الاستبدادية الغاشمة والطرف الثاني أفراد الشعوب المدافعين عن حقوقهم وحرياتهم الإنسانية ، وما أن يتمكن افراد الشعوب من الإطاحة بسلطات استبدادية هنا أو هناك ، حتى تظهر لهم سلطات استبدادية جديدة بوجوه جديدة وسياسات جديدة وأفكار جديدة ، فتارةً تمارس تلك السلطات الاستبداد بإسم الدين ، وتارةً بإسم العنصرية ، وتارةً بإسم الطائفية والمذهبية وتارةً بإسم الايديولوجيا وهكذا ، لتستمر معاناة البشرية وتتزايد وتتعاظم مآسيها ، ويظل حلم البشر الدائم هو العيش في ظل سلطات حاكمة عادلة وغير استبدادية ، والقلة فقط هم الذين يناضلون ويكافحون من أجل تحقيق ذلك الحلم ..!! 
 
وبفضل نضالهم وتضحياتهم المستمرة حققت البشرية في بعض المجتمعات إنجازات تحررية هائلة ، وبالذات بعد نجاح الثورة الفرنسية وما رافقها من نهضة علمية وتكنولوجية في أوروبا ، تمثلت في حصول أفراد تلك المجتمعات على سلطات تحررية وديمقراطية ومدنية ، وفرت لها العدل والمساواة والتعايش السلمي وحافظت على حقوق وحريات أفرادها ، وحاربت العديد من صور الاستبداد والقمع السلطوي حول العالم ، ورغم ذلك إلا أن العديد من مجتمعات العالم وخصوصاً دول العالم الثالث لا تزال غارقة في مستنقعات الاستبداد والقمع ، وذلك نتيجة جهل وتخلف وفشل سلطاتها الحاكمة ، التي لم تستفد من التطورات الفكرية والسياسية التي وصلت إليها المجتمعات المتقدمة ، بل تراها وهي مصرة على الاستمرار في ممارسة الاستبداد السياسي والفكري ضد أفراد شعوبها ، وما يثير الغرابة والدهشة هو وجود هكذا عقليات استبدادية وجاهلة ومتخلفة ، لا تزال إلى اليوم تحكم شعوبها بعقليات العصور القديمة ، وكأنها تعيش في كوكب آخر غير كوكب الأرض ، متجاهلة التطورات العلمية والفكرية والتكنولوجية التي وصلت إليها البشرية ..!! 
 
وكأن لديها مناعة من الفهم والاستيعاب والتعايش والتعاطي مع تطورات العصر ، فهي لا تتوقف عن محاولة جر شعوبها إلى أزمان غابرة ، لتفرض عليها ثقافات وأفكار قديمة عفى عليها الزمن . وكأنها تخوض معركة تحدي ضد التطورات الفكرية والعلمية والتكنولوجية والسياسية التي حققتها البشرية ، وكأنها تحاول إعادة عجلة الزمن إلى الوراء ، وإعادة تدوير أفكارها الاستبدادية والقمعية والترويج لها ، والعجيب في الأمر هو صمت السلطات المتقدمة والمتحضرة على مثل هكذا سلوكيات استبدادية ورجعية تتعارض مع سياساتها وأفكارها التحررية والتقدمية ، وسكوتها وهي تشاهد شعوب بشرية تتعرض للقمع والاستبداد على يد سلطات استبدادية ، يبدو أن سياسة المصالح والتوسع والتدخل في شئون تلك الدول الضعيفة والمتخلفة هي الدافع خلف صمت السلطات المتقدمة على سياسات السلطات الاستبدادية في العالم الثالث ، وهل وصل الحال أن يتم تقديم المصالح السياسية والاقتصادية على معاناة ومآسي مجتمعات وشعوب بشرية بأكملها ، لتكون السلطات البشرية المتقدمة شريكة في ما تتعرض له بعض شعوب العالم الثالث من استبداد وقمع ، ومشاركة في الترويج لثقافة الاستبداد والتخلف التي تمارسها السلطات الاستبدادية الحاكمة تلك ضد شعوبها المغلوب على أمرها ، ويبدو أن الضمير الإنساني بحاجة لمن ينبهه ويدعوه ، ليقف على بشاعة مشهد الاستبداد والقمع الذي تتعرض له الشعوب المنكوبة بسلطات استبدادية حول العالم ، فالمعركة بين الاستبداد والتخلف وبين التحرر والتقدم مستمرة ، والخوف أن يأتي زمن تعود فيه الكره لجناح الاستبداد والتخلف ، في ظل صمت وتجاهل جناح التحرر والتقدم عن سياسات الانظمة الاستبدادية ومعاناة الشعوب الواقعة تحت سطوتها ..!!