المنظومة الأخلاقية والتقدم الحضاري

05:05 2022/09/13

من المعلوم بأن هناك عددا من المؤشرات يمكن من خلالها قياس التقدم الحضاري للأمم والشعوب. ومن أهم تلك المؤشرات القيم الأخلاقية، ثم يأتي العلم والمعرفة، فالاقتصاد فالثقافة... الخ. ولكن تظل الأخلاق هي أهم مؤشر لقياس التقدم الحضاري لأي أمة أو دولة أو مجتمع أو حتى فرد؛ وذلك لما للأخلاق من تأثير مباشر على بقية المؤشرات. لأن المؤشرات الأخرى، إذا لم تكن ملتزمة ومنضبطة بالقيم الأخلاقية، فإنها حتما سوف تنحرف عن طريقها الصحيح. فبدلا من أن تكون مصدر خير للمجتمع وللبشرية، فإنها سوف تصبح مصدر شر وبلاء لمجتمعها  وللبشرية عموما. 
فعلى سبيل المثال، التقدم التكنولوجي في مجال الأسلحة، إذا لم تكن هناك قيم أخلاقية تضبط حدود استخدام تلك الأسلحة الفتاكة فإنها سوف تصبح مصدر تهديد حقيقي للبشرية. وما حدث من استغلال سلبي للتطور التقني للأسلحة لدى النظام النازي الألماني كان الدافع الرئيسي لنشوب الحرب العالمية الثانية التي تسببت في مصرع الملايين من البشر، وكانت بمثابة كارثة إنسانية بكل المقاييس. وما تعرضت له اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية من دمار شامل، نتيجة استخدام أمريكا للقنابل النووية، شاهد آخر على ذلك. 
وهكذا بالنسبة لبقية مؤشرات التقدم الحضاري، إذا لم تخضع للضوابط الأخلاقية فإنها سوف تتحول من نعمة في صالح المجتمع والبشرية إلى نقمة في غير صالح البشرية. وبذلك تعتبر القيم الأخلاقية هي الضابط لبقية المؤشرات. فكلما كان مؤشر القيم الأخلاقية في المجتمع إيجابياً، أدى ذلك إلى الضبط الإيجابي لبقية المؤشرات الحضارية. وهذا يجعل التقدم الحضاري لذلك المجتمع يسير في الاتجاه الإيجابي. وكلما كان مؤشر القيم الاخلاقية في المجتمع سلبياً، أدى ذلك إلى الضبط السلبي لبقية المؤشرات الحضارية. وهذا يجعل التقدم الحضاري لذلك المجتمع يسير في الاتجاه السلبي. 
فكيف يمكن أن يكون حال الإنسانية لو أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة والمتشددة حول العالم تمكنت من الحصول على تقنية تطوير وتحديث الأسلحة لا سمح الله؟! إذا كانت هذه الجماعات لا تتردد اليوم في ممارسة القوة المفرطة ضد خصومها والمعارضين لها بمجرد امتلاكها لبعض الأسلحة، ولا تتردد في ممارسة كل صور الإرهاب ضد كل من يخالفها الرأي، ولا تتردد في تفجير المدن وتدميرها وهي لا تزال في أضعف أحوالها. وهناك الكثير من الحالات التي تؤكد ذلك، فبمجرد أن حصلت بعض تلك الجماعات على بعض الأسلحة الحديثة لم تتردد في استخدامها ضد كل من يعارضها، ولم تتردد في ممارسة كل صور الارهاب والوحشية ضد خصومها. والذي ترتب عليه حدوث حالة من الدمار والخراب والفوضى في كل المناطق التي وقعت تحت سطوتها، وكان لذلك تأثير سلبي على مسيرة حضارة وتقدم المجتمعات في تلك المناطق. 
وبذلك، يظل مؤشر القيم الأخلاقية والإنسانية هو المؤشر الضابط والمتحكم في بقية المؤشرات. ففي حال انفلات ذلك المؤشر وانحرافه في إتجاه السلبية، فإن الدمار والخراب والحروب والفوضى هو حال البشرية، والعكس صحيح. وما ينطبق على الدول والمجتمعات، ينطبق على الأسر والمجتمعات. فبعض الأسر والمجتمعات بمجرد حصولها على بعض الأسلحة الحديثة لا تتردد في ممارسة السلبية والعدائية ضد الآخرين، ولا تتردد في قمع وتعسف وارهاب الآخرين، ولا تتردد في مصادرة حقوق وحريات كل من يخالفها الرأي. وما يحدث من مشاكل وخلافات بين أبناء المجتمع الواحد والأسرة الواحدة ما هو إلا النتيجة الطبيعية للاستخدام السلبي للقوة والسلاح، والاستقواء بها على الآخرين بهدف فرض الإرادة عليهم تلبية للرغبات والنزوات السلبية والعدائية، وهو ما يعكس فقدان القيم الأخلاقية الفاضلة والإيجابية. وبذلك، فإن امتلاك السلاح والتقنيات العسكرية الحديثة بدون وجود ضابط أخلاقي له عواقب وخيمة على التقدم الحضاري البشري. لذلك، يجب منع الأنظمة والجماعات المتطرفة والمتشددة والإرهابية من الحصول على تقنية تطوير وتحديث الأسلحة، نظرا لعدم وجود ضوابط أخلاقية تمنعها من استخدامها ضد الآخرين، وصولا إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين.