صناعة الكراهية بين اليشر

05:07 2022/07/03

الكراهية هي عكس المحبة والمودة. والبغض والكراهية نوازع سلوكية ونفسية بشرية سلبية تظهر كرد فعل على معاملة الآخرين لنا، فإذا كان تعاملهم معنا إيجابياً كان رد فعلنا هو الحب والتقدير لهم. وإذا كان تعاملهم معنا سلبياً كان رد فعلنا هو الكراهية والحقد عليهم. كما أننا كبشر نحن من نجلب لأنفسنا محبة أو كراهية الآخرين، فتعاملنا الإيجابي مع الآخرين يجلب لنا محبتهم، وتعاملنا السلبي معهم يجلب لنا كراهيتهم. إذن نحن البشر، ومن خلال سلوكياتنا وتصرفاتنا وتعاملاتنا مع الآخرين، من نصنع الكراهية أو الحب في هذه الحياة. فباستطاعة الإنسان أن يعيش في بيئة تسود فيها المحبة عن طريق إنتهاجه للسلوكيات الإيجابية في تصرفاته وتعاملاته مع الآخرين، وباستطاعته أن يعيش في بيئة تسود فيها الكراهية عن طريق انتهاجه للسلوكيات السلبية في تصرفاته وتعاملاته مع الآخرين.
وهناك العديد من الصفات النفسية لها دور كبير في تحديد نوعية سلوك الإنسان. فالإيجابية منها تدفع بالإنسان نحو كبح جماح غرائزه وشهواته، فينأى بنفسه عن حلبات الصراع والعنف التي تساهم في صناعة الكراهية، والعكس صحيح. كما أن هناك العديد من العوامل هي من تحدد سلوكيات وتصرفات الإنسان تجاه الآخرين. من أهم تلك العوامل المصالح الشخصية وضرورة إشباع الحاجات والغرائز، فلكل إنسان مصالحه الخاصة به، والتي قد تتعارض مع مصالح غيره ما يفتح المجال واسعاً للخلاف والصراع. كما أن كل إنسان بحاجة لإشباع غرائزه وحاجاته وشهواته. ونظراٌ لتعدد وتنوع غرائز وحاجات وشهوات الإنسان، فإن إشباعها يحتاج لمتطلبات كثيرة قد تتعارض وتتصادم مع متطلبات إشباع غرائز بقية الناس.
 فعلى سبيل المثال، غريزة التملك عند الإنسان مجالها واسع ومفتوح. فهناك نوع من البشر تدفعهم هذه الغريزة إلى التفكير في التملك والسيطرة على الكرة الأرضية، ونوع آخر يفكر في التملك والسيطرة على قارة، ونوع ثالث يفكر في التملك والسيطرة على دولة. وهكذا تفكير حتماً قد حول العالم إلى ساحة صراع مفتوح لا نهاية له. وهذا هو حال البشر في هذه الحياة. فغريزة الملك والتملك والسلطة عند بعض البشر قد حولت حياة الغالبية من البشر إلى جحيم . 
وبذلك، فإن مصالح البشر المختلفة والمتناقضة والمتعارضة والمتصادمة وضرورة إشباع حاجاتهم وغرائزهم وشهواتهم، وخصوصاً غريزة التملك، هي من تدفع بهم إلى حلبات الصراع والتنافس السلبي، وهي من تدفع بهم لصناعة الكراهية والعداوة فيما بينهم. ففي سبيل البقاء في السلطة أو الوصول إليها، تنشأ الكراهية والعداوة بين أبناء المجتمع الواحد والوطن الواحد والدين الواحد.
وبذلك، فإن صراع البشر المستمر على السلطة على كل المستويات هو الدافع الأول لصناعة الكراهية فيما بينهم. فالصراع على السلطة هو من جعل أتباع الدين الواحد يقتل بعضهم بعضاً ويكره بعضهم بعضاً، وهو من جعل أبناء الوطن الواحد يقتل بعضهم بعضاً ويكره بعضهم بعضاً. كما أن الصراع على السلطة قد دفع بالبعض إلى استغلال الدين وتحريفه وتأويله وتفسيره بما يتناسب مع مصالحه وتوجهاته السياسية، وبما يلبي أطماعه السلطوية. وبذلك، فإن عشاق السلطة والملك في كل زمانٍ ومكان هم من يقومون بصناعة الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد، وصولاً إلى الحروب والصراعات الدموية.
لذلك، لجأت بعض المجتمعات البشرية للنظام الديمقراطي كأفضل وسيلة للتداول السلمي للسلطة وذلك للحد من الآثار السلبية والكارثية الناتجة عن الوصول إلى السلطة عن طريق العنف والقوة والغلبة، وما يترتب عليها من صناعة الكراهية والعداوة بين أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد. وقد حققت بذلك نجاحاً ملموساً في هذا المجال؛ حيث إن مستويات الكراهية والعداوة بين أفراد المجتمعات الديمقراطية قد انخفضت لمستويات قياسية، وأصبح أفرادها يعترف بعضهم ببعض ويحترم بعضهم آراء بعض، ويلجأون للتعبيرات المدنية والسلمية للتعبير عن معارضتهم لسياسات وتوجهات السلطة، بعيداً عن العنف والقوة والفوضى. وبذلك، فإن السلوك الديمقراطي الشوروي هو أفضل وسيلة سياسية لصناعة بيئة سياسية واجتماعية متصالحة ومتعايشة سلمياً على كل المستويات.