المجتمعات البشرية المتخلفة والصراع المستمر على السلطة

08:12 2022/05/31

مهما تنوعت أسباب الصراعات بين البشر، ومهما تنوعت أساليبها وأشكالها، ومهما تباينت أهدافها وغاياتها، ومهما حاول القائمون عليها تغليفها بأغلفة متنوعة سواء كانت دينية أو مذهبية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو وطنية أو قومية، إلا أن الاستيلاء على السلطة والاستفراد بها والمحافظة عليها هو الهدف والغاية الحقيقية والنهائية لمعظم الحروب والصراعات البشرية منذ استيطانهم على هذه الأرض وحتى يومنا هذا. 
ورغم أن نتائج كل تلك الحروب والصراعات كانت تفضي في نهاية الأمر إلى إستيلاء قائد أو أسرة أو جماعة أو قبيلة على كرسي السلطة، ورغم ما كانت تخلفه من مآس وكوارث على أطراف الصراع، إلا أن بعض البشر لم يتعظوا يوماً من ذلك، ولم يتوقفوا كثيراٌ عند ذلك، فسرعان ما يتم الدفع بهم لخوض معارك جديدة بمجرد أن تدق طبول الحرب، وحتى ان كانوا لا يزالون متذمرين ومستائين ومتألمين من نتائج حروبهم السابقة. 
وهذا يقودنا إلى أن هناك قلة من البشر وهم المستفيدون من الحروب في كل زمان ومكان (أمراء وتجار الحروب) ' يمتلكون الذكاء والخبرة والقدرة على تحريك بقية الأفراد عن طريق إثارة نوازعهم النفسية سواء الخيرة أو الشريرة، وعن طريق استغلال تعصباتهم الدينية أو المذهبية أو الطائفية أو القومية، وعن طريق إغرائهم بإشباع حاجاتهم الغرائزية والمادية والسلطوية، وعن طريق إيجاد المبررات التي تجعل الحرب التي يخوضونها عادلة. وهناك أغلبية تابعة لا تملك من أمرها شيئا وتعاني من عدم القدرة على تحديد خياراتها، وعدم القدرة على فهم أسباب وأهداف الحرب الحقيقية، ويتم الزج بها لخوض الحروب وتحمل نتائجها وافرازاتها، بل إن بعض البشر يتم الدفع بهم لخوض حروب وهم لا يعرفون من يحاربون ولماذا يحاربون.
بمعنى أن عشاق السلطة في كل زمان ومكان يمتلكون القدرة الكبيرة على التضليل وتزييف الحقائق واستغفال العامة. وهذا أمر طبيعي، فمن غير المنطقي والمقبول أن يقولوا للعامة نحن نريد منكم أن تحاربوا وتموتوا من أجل أن نستولي علي السلطة ونكون حكاماً عليكم، أو من أجل أن نبقى في السلطة. وكل ذلك يصل بنا إلى أن إدارة الصراعات والحروب ليست بالأمر السهل، بل تحتاج للكثير من الذكاء والمعرفة والخبرة. فالدفع بالأفراد إلى ساحات المعارك والموت غاية في الصعوبة والتعقيد، فكان استدعاء الدين والمذهب والوطن والطائفة كغطاء للحرب هو الحل المناسب؛ لأن الفرد لا يمكن أن يضحي بنفسه إلا في سبيل الدفاع عن معتقداته ووطنه. 
لذلك لا غرابة أن نجد معظم الحروب السلطوية بين البشر قد تم صبغها بصبغة دينية أو وطنية أو قومية أو مذهبية أو طائفية، حتى وإن كان لا علاقة للدين والوطن والمذهب بكل ما يحدث لا من قريب أو بعيد، وحتى لو كان الدين والوطن هو المتضرر الأكبر من الحرب، لكن تظل الحاجة للدين والمذهب والوطن والطائفة كغطاء ومبرر لشن الحروب مستمرة باستمرار صراع البشر على السلطة، وباستمرار وجود شريحة واسعة من البشر يفضلون تعطيل عقولهم عن التفكير. والمؤلم والمحزن أن هناك حروبا كثيرة قد قامت بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد لأسباب لا تستحق الذكر، وكان يمكن معالجتها بسهولة، ولكن عشاق السلطة وتجار الحروب سرعان ما يستثمرونها ويؤججون نارها ويقفون عائقاً أمام نجاح كل المساعي السلمية حتى يحققوا أهدافهم، غير مكترثين بنتائجها السلبية والكارثية على بقية الأفراد.
ختاماً، إن الصراع السلطوي الذي قد يدفع بأبناء الدين الواحد والوطن الواحد لقتل بعضهم البعض هو نتاج تضليل إعلامي كبير ، يتم فيه إستغلال الدين أو الوطن أو أي شيء لتغطيته وتبريره، فالغاية هنا تبرر الوسيلة، والاستيلاء على السلطة هو أسمى غاية عند عشاق السلطة في سبيلها يمكن استخدام أبشع وأعنف وأقذر الوسائل، وفي سبيلها لا مشكلة مهما كانت النتائج والتضحيات والمآسي والكوارث، وفي سبيلها لا مشكلة من استمرار الحرب لأطول فترة ممكنة، طالما وهناك الوقود الكافي من الأفراد والمواد والأسلحة والدعم، وطالما والمبررات الدينية أو الوطنية لا تزال تجد قبولاً عند العامة. وتفادياً لاستمرار مثل هذه الكوارث، توصل الفكر السياسي البشري إلى الديمقراطية والانتخابات كوسائل للتداول السلمي للسلطة، ولقطع الطريق أمام الصراعات والحروب السلطوية. وقد حققت نجاحاً كبيراً في العديد من دول العالم الراقية والواعية والمثقفة، بينما الدول المتخلفة والجاهلة لا تزال تعاني الحروب والكوارث بسبب صراعاتها المستمرة على السلطة.