الوحدة محمية بالشعب ورب العباد

07:54 2022/05/21

الوحدة اليمنية مشروع حياة وأمن واستقرار وحرية وبناء وتعمير وسيادة وطنية و اعتزاز و كبرياء. لست مخولا بالكتابة ولا بإعطاء رأي؛ فالوقائع التي عشتها هى التي ولدت لدي قناعات بالوحدة اليمنية بحجم السماء.

عام ١٩٩٦، كلفت من رئيس تحرير صحيفة الجمهورية حينها، الأستاذ علي ناجي الرعوي، بعمل استطلاعات حول منجزات ما قبل الوحدة في محافظات شبوة وحضرموت والمهرة.

للأسف، كانت الفاجعة هي أنني لم أجد مشروعا يدل على الحياة والتنمية أو التعليم أو الصحة او الخدمات بشكل عام تم تشييدها قبل الوحدة اليمنية المباركة، غير ثلاثة مبانٍ قديمة من عهد الدولة القعيطية، فكل المباني والمشاريع الخدمية أنشئت في عهد الجمهورية اليمنية. وذهلت من هول أكاذيب الاعلام حول امتداح حقب زمنية رأيتها ظلامية يشوبها انفتاح شكلي في بعض الحريات الشخصية.

الموقف الآخر كلفت مع الزميل محمد السيد بعمل ملف عن أوضاع الناس في المناطق التي كانت حدودية ونشرها بحيادية وأمانة. وهذا ما تم. وعرفت في ما بعد أن ذلك جاء بتوجية من شخصيةسياسيةهامة، وقد تنقل بالعمل من الراهدة حتى باب المندب ويعرف الكثير عن أوضاع الناس هناك. كانت المفاجأة في نفس نقطة كرش بأن بيتين، الفاصل بينهما متر ونصف المتر لا أكثر، أحدهما تحت سيطرة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، والآخر تحت سيطرة "الجمهورية العربية اليمنية"، وكل واحد منهما له أرض في منطقة الآخر، فإن جاء وقت الحصاد ولا يوجد توترات سياسية تسير أعمال الحصاد بشكل طبيعي. وإن حصل توتر سياسي أو أمني وذهب صاحب هذا البيت أو ذاك للحصاد يتم القبض عليه وحبسه مدة ستة أشهر بذريعة دخول أراضي الجمهورية الأخرى بدون إذن مسبق.

وأثناء الحديث مع المواطنين من أصحاب المنطقة، علمنا أن صاحب البيت الذي يقع تحت سيطرة "الجمهورية العربية اليمنية" قام في أحد الأيام وبطريقة عفوية بإعطاء ولده ألعابا نارية (طماش قريح) كان قد اشتراها من سوق الراهدة، ليستمتع بها طفله مثل بقية الأطفال الذين يميلون بشدة إلى ذلك النوع من الألعاب. فما كان من أمن الدولة إلا أن استدعى على وجه السرعة ذلك الأب التابع لجمهوريتهم والتحقيق معه، والذي أكد براءته وبراءة طفله من أي عمل تخريبي، ليتم بعدها إرسال تقرير إلى أمن الدولة في عدن وبدورهم رفعوه لخارجية "جمهورية اليمن الديمقراطية"، والتي كانت قد احتجت فلزم على "الجمهورية العربية اليمنية" أن تجري تحقيقا وتكلف جهاز أمنها الوطني (المخابرات) بالتحقيق واستدعاء المواطن وولده إلى مدينة تعز، ورفع تقرير بأن الطفل تحصل من أبيه على ألعاب نارية (طماش) اشتراها من الراهدة وأن الأب المسكين كتب تعهدا بعدم تكرار ما أقدم عليه ولده الطفل.

هذا ما تحدث به إلينا أصحاب البيتين حينها، مضيفين: نحمد الله على الوحدة، فحتى الحديث لم نكن في كثير من الأحيان نجرؤ عليه فيما بيننا حتى في جنح الظلام.

أما الرواية المؤلمة فهي أن أحد أبناء الراهدة تزوج في الحوطة من إحدى فتيات لحج وأراد السفر بعروسه إلى مكان أسرته في الراهدة. وما إن وصل إلى كرش حتى منع من الدخول بحجة ان العقد غير شرعي وأنه يجب إعادة العقد وفق إجراءات الجمهورية التي فيها أسرته، وأن عليه كتابة عقد آخر في الراهدة. فقام بإعادة عروسه إلى الحوطة وعمل توكيل بالزواج منها، وعاد إلى الراهدة وعمل عقدا جديدا وفق قانون "الجمهورية العربية اليمنية". عندها فقط استطاع اللقاء بعروسه. وهناك عشرات القصص والروايات المشابهة التي تفصح عن فداحة ما كان يعانيه أبناء منطقة كرش، الذين التقينا عددا منهم هناك فحدثونا كثيرا من القصص.

حقيقة الأمر أن اليمنيين قبل الوحدة كانت علاقتهم في الشمال والجنوب محدودة، حيث كان بضعة مئات منهم فقط لديهم علاقة صهارة فيما بينهم في الشمال والجنوب، فيما المصالح الاقتصادية كانت صفرا. أما الآن وبعد 32 عاما من الوحدة فإن التصاهر تجاوز الملايين والنسيج الاجتماعي أصبح أقوى عشرات الأضعاف والمصالح الاقتصادية والسياسية والمصير واحد، فلا خوف على الوحدة لأنها محمية من الشعب وقبلها من رب العباد.