مؤشرات تدني المستوى الفكري والعلمي في المجتمع العربي

04:26 2022/05/05

تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ، مقياساً مهماً ، يمكن من خلالها قياس المستوى الفكري والعلمي والثقافي لأي مجتمع ، أو شعب ، أو أمة ، وذلك من خلال عمل مسوحات استطلاعية على الجوانب المادية والعلمية والروحية والحياتية ، التي يهتم بها أفراد المجتمع المراد تحديد مستواه الفكري والعلمي والثقافي والحضاري ، فإذا كانت إهتمامات أفراد ذلك المجتمع ، تتجه بشكل أكبر نحو الجوانب العلمية ، والفكرية ، والثقافية ، والحضارية ، دل ذلك على الرقي الفكري والحضاري لهذا المجتمع أو ذاك ، وإذا كانت إهتمامات أفراد ذلك المجتمع ، تتجه بشكل أكبر نحو الجوانب الترفيهيه ، والغرائزية ، والعاطفية ، دل ذلك على التدني الفكري لهذا المجتمع أو ذاك ..!!
 
وبالنسبة للمجتمع العربي ، فإن القراءات الإستطلاعية والبحثية ، تؤكد بأن النسبة القليلة من أفراده من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي ، يهتمون بالبحث والقراءة في الجوانب الفكرية ، والعلمية ، والثقافية ، والبحثية ، بينما الغالبية من أفراد المجتمع العربي من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي ، يهتمون بالبحث في الجوانب الترفيهية ، والغرائزية ،  والعاطفية ، وفي أحسن أحوالهم في الجوانب  الرياضية ، والفنية ، ويمرون على الجوانب العلمية والفكرية والثقافية وحتى السياسية والإقتصادية مرور الكرام ..!!
 
والدليل الذي أجمع عليه الكثير من المفكرين العرب ، وجعلوا منه مقياساً على تدني المستوى الفكري والثقافي والعلمي في المجتمع العربي ، يتمثل في أن المواقع  البحثية الفكرية والثقافية والعلمية ، تحظى بقدر ضئيل من المتابعة والإهتمام ، من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب ، بينما المواقع الترفيهية والغرائزية والعاطفية ، ومواقع الدردشات والغراميات ، تحظى بقدر كبير جداً من الإهتمام ، والمتابعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب ..!!
 
كما أنه تم ملاحظة أن الكتابات الفكرية ، والعلمية ، والثقافية ، التي يكتبها المفكرون والمثقفون والباحثون العرب ، ويشاركون بها في وسائل التواصل الاجتماعي ، لا تنال إلا على القليل من المتابعة والإهتمام ، بينما كتابة عدد من الأحرف من فنانة ، أو ممثل ، أو فنان ، أو لاعب ، تنال الكثير من المتابعة والإهتمام ، وقد أعطت هذه المؤشرات وغيرها كثير ، دلالة واضحة على تدنى المستوى الفكري ، والثقافي ، والعلمي ، والبحثي ، في المجتمع العربي ..!! 
 
وبالتالي فلا يستغرب أحداً من نمو وتكاثر مظاهرً التفسخ والإنحلال الأخلاقي ، وأيضاً نمو وتزايد جماعات الٱرهاب والتطرف في المجتمع العربي ، لأن التطرف والارهاب ، وكذلك الانحلال والتفسخ هما وجهان لعملة واحدة وهي عملة الإفلاس الفكري والثقافي والعقلي ، والبيئة المناسبة لظهور مثل هذه الإعاقات الفكرية ، هي المجتمعات التي تعاني من تدني مستواها الفكري والثقافي والعلمي ، لأن الفكر والعلم والثقافة ، هي مفاتيح الحضارة الإنسانية ، وهي أقوى الأسلحة الفاعلة والعملية ، لمحاربة التطرف والارهاب والتشدد ، وكذلك لمواجهة كل صور الانحلال والتفسخ ..!! 
 
ونحن هنا لسنا ضد الترفيه عن النفس ، فالترفيه عنها جزء مهم من طبيعتها ، وله مردودات إيجابية عليها ، ولكن في حدود الإعتدال والتوسط ، وأن لا يكون على حساب العلم والفكر والثقافة ، كما أننا لسنا ضد الإهتمام بالجوانب الروحية والدينية ، فهي غذاء الروح وغذاء العقل ، ولكن في حدود الإعتدال والتوسط ، بعيداً عن التشدد والتزمت والتطرف والتقليد الأعمى ، فلا إفراط ولا تفريط ، وكما أن الإنحلال والتفسخ ناتج عن تدني مستوى الوعي والفكر والثقافة في المجتمع ، فإن التطرف والتشدد والتزمت هو نتاج نفس الأسباب ، لذلك حرص الإسلام أشد الحرص على تكوين الشخصية المسلمة بعيداً عن الإفراط والتفريط ، وقريباً من التوازن والإعتدال والوسطية ، فخير الأمور الوسط ..!!
 
ومن المستبعد أن تجد إنساناً مهتماً بالفكر والثقافة والعلم ، يمكن ان ينغمس في براثن التطرف والإرهاب أو التفسخ والإنحلال ، لأن الفكر والعلم والثقافة ، تنمي قدراته العقلية والفكرية ، وتسير به نحو  الاعتدال والتوازن والوسطية والإيجابية في كل شئون حياته ، وتبعده أيضاً عن كل الأمور السلبية في كل شئون حياته ، كما أنها تحرره من كل صور التعصب ، والحقد ، والكراهية ، والبلادة الفكرية ، والتبعية العمياء ، وتقديس البشر ، وتجعل منه عنصراً فاعلاً ومفكراً ومبدعاً في خدمة نفسه ومجتمعه وأمته والبشرية عموماً ' كما أنها تجعله يدرك بأن كل الأفكار والآراء والاجتهادات والفتاوى البشرية لا تحمل صفة القدسية ' لأن من أدرك هذه الحقيقة الدينية والعلمية والعقلية المجردة ' يكون قد أدرك حقيقة الحياة وحقيقة الدين وحقيقة العلم ' ومن أدرك كل ذلك من المستبعد أن يقع في براثن الانحلال والتفسخ أو في قيود التطرف والتشدد والتقليد الاعمي ' ومن أدرك كل ذلك يكون قد أدرك الوسطية والاعتدال والتوازن ..!!