احمد علي عبداللة صالح .. شموخ في زمن الانكسار

01:40 2022/02/09

لم نسمع عنه صوت ولا صورة ولا اسم حتى أكمل الثانوية. ظل بعيدا عن حياة أبناء الذوات التي كانت تحكم الكثيرين، مأخوذا بتحصيله الدراسي والعلمي بعيدا عن كل الأضواء.
 من مواليد منطقة الجحملية بمحافظة تعز. بعد إكماله الثانوية، سافر للدراسة في الخارج في مجال إدارة الأعمال، ثم المجال العسكري في كل من أمريكا وبريطانيا والأردن. 
حين عاد بعد قيام دولة الوحدة، عرف كسياسي وبرلماني، شابا نشيطا متقد الذكاء، حيث بدأ حياته السياسية من تحت قبة البرلمان والتف حوله قطاع واسع من شباب اليمن.
وبالرغم من أن الفترة التي قضاها تحت قبة البرلمان كانت دورة برلمانية واحدة، إلا أن طرحه وبرنامجه كان له تأثير عميق في الوسط الوطني. 
أخذ يطرح الكثير من القضايا الحساسة التي كان تناولها يزعج ويقلق ترويكا السلطة المشاركة للنظام في حينه، فرأت فيه العقدة والعقبة والعائق الأكثر خطورة على نفوذها وديمومة تسلطها وفسادها. لذا لم يتركوا بابا إلا وطرقوه لأذية الرجل منذ عام 1997 وهو العام الفعلي الذي بدأ فيه إخوان اليمن التخطيط للانقلاب على نظام الحكم بعد اللقاء العام لمرشدي الإخوان في العالم بتركيا.
 
أحمد علي عبد الله صالح الذي بدأ القلق منه يتمثل في أولى محاولة اغتيال تعرض لها في طريق (سنحان) أثناء توجهه إلى العاصمة، أصيب في الحادثة ليتم نقله إلى الأردن. وبعد العلاج هناك وعودته إلى اليمن، عاد مباشرة ليؤسس ألوية الحرس الجمهوري التي مثلت طليعة القوى الضاربة الصلبة داخل المؤسسة العسكرية للجمهورية اليمنية، من حيث الكيف والكم والنوعية والقدرات، وهي القوة التي تميزت بالكثير من الخصائص والكفاءات العسكرية العالية أداء وسلوكا وانضباطا ووعيا ثقافيا وفكريا، وعقيدة عسكرية وطنية تعكس حقيقة الولاء لله والوطن والثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية. 
ومع بدء انطلاقته في الجيش اليمني وتمكن مؤسسة الحرس الجمهوري تحت قيادته من حماية مكتسبات الثورة والجمهورية، استطاع أن يكسب قلوب كافة المنتمين إلى تلك المؤسسة ضباطا وصف ضباط وأفرادا، حيث كان الجميع يعتبرونه واحدا منهم، واستطاع أن يجعل من ألوية الحرس الجمهوري عائلة واحدة تدين بالولاء للجمهورية والثورة والوحدة. 
وبقدر ما كانت تلك المؤسسة شعلة متوقدة  تضيء وهجا والتماعا في سماء اليمن، ظلت شوكة في عين المتربصين باليمن يحاولون إطفاء وهجها بكل طريقة ووسيلة ممكنة، فكانت هدفا هاما ومهما للانقلابيين في 11 فبراير 2011م لكي ينفذوا مخطط تدمير الجيش والدولة وتمزيق الوطن لصالح دول إقليمية. 
توسعت علاقة أحمد علي عبدالله صالح بمحيطه الاجتماعي وبأبناء الشعب، وقدم نموذجا للشاب الخلوق القريب من الناس البعيد عن ثقافة البلطجة والتعالي التي كانت ديدن الكثيرين ممن اتخذوه خصما لهم، وهو خصمهم بالفعل لأنه نقيضهم، حيث كان طموحه هو السعي نحو المواطنة المتساوية وبناء دولة مدنية، فيما كان جهدهم الجهيد هو إبقاء المحسوبيات والاعتمادات، وكمافيا خراب ودمار للتنكيل بالشعب. وهذا ما أزعج المؤسستين القبلية والدينية المتحكم بهما رموز فتنة فبراير.
 وما تميز به القائد أحمد علي عبد الله صالح أنه واجه بأخلاق وشهامة ابن البلد بكل قوة وصلابة وشجاعة لوبيات الفساد والإفساد، واضعا اللبنات الأولى في صرح الدولة المدنية التي يصبو إليها. فكان وراء إنشاء وتطوير الهيئة العليا لمكافحة الفساد، ثم اللجنة العليا للمناقصات، قاطعا بذلك طريقا من أهم طرق الفساد وهو التلاعب بالمناقصات. 
 
أدركت قوى الفتنة والظلام والتخلف والسلالية والرجعية والعمالة ألا تعايش مع هذا الرجل، فجعلت من 11 فبراير 2011 هدفا رئيسيا لها، ولكنه تمكن بفطنته من التخلص من المؤامرة الإقليمية والمحلية وتعامل بذكاء ودهاء مع مخطط النيل منه لإدخال الوطن في فتنة مبكرة، فأفقد خصومه توازنهم واتزانهم، مستخدما لغة العظماء والأنبياء، إنها لغة (الصمت).
لقد لمست مع كل حدث شهده وطني حكمة وصبر الأخ أحمد علي عبد الله صالح وحصافته وقوة تحمله، ليثبت فعلا أنه صاحب رؤية ومشروع وطني يحمل السيادة الوطنية والأمن والاستقرار والدولة المدنية. 
حتى بعد الانقلاب والفتنة، ظل يتعامل بمسؤولية ووطنية حتّى النخاع، مُجنَّدا لأجل اليمن، يخدمها بكل تفان وبكُل ما أوتي من جهد، كعهده في كلّ المناصب والوظائف تعين فيها فنهض بها بتألُّقٍ وامتياز في المجالات العسكرية والسياسة والبرلمانية، وراح يعطي في سبيل ذلك دون حساب، متشبِّعا بالقيم الإنسانية، متشبِّثا بخصال الاعتدال والتوافق وسعة الخُلُق.
وبالإضافة إلى كونه قويّ الشخصيّة يؤثّر في الواقع ولا يتأثّر به، متابعا دقيقا للواقع لمعالجته والسير به نحو غايات مرسومة واضحة، فإنه كذلك قائد سياسي محنك ومبدع، يتميّز بعقلية الحكم، ولديه القدرة على معالجة المشاكل والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة.
وبالإضافة إلى كل ذاك، هو إنسان يمتلك الإحساس بالمسؤوليّة الوطنية والأخلاقية. لذا ظل جبلا لا تهزه ريح، فيما خصومه تقاذفتهم الرياح يمينا ويسارا وشتتتهم في كل أصقاع  الأرض، إلى جانب ما خلفوه من دمار في حق الوطن.  
لقد أثبتت الحرب في اليمن أن أحمد علي عبدالله صالح هو السياسي اليمني الوحيد الذي يعتز بيمنيته وعروبته ولم تتلطخ يداه بالدماء، وهو الوحيد الذي لم يفرط بالسيادة الوطنية مهما كلفه الأمر وقد كلفه الكثير، وأن موقفه الوطني ذاك لا يزال يدفع ثمنه إلى هذه اللحظة.
لذا أعتبر نفسي أحد المتشيعين لهذا الرجل، وأحد الواثقين بدور مستقبلي سيقوم به لإنقاذ وطن تعرض أرضه وإنسانه للتمزق والتفكك والدمار.
نعم.. أجد نفسي في هذه المرحلة الخطيرة التي يعيشها وطني بأرضه وإنسانه وقدراته أكثر تمسكا بشخصية ودور المناضل الإنسان أحمد علي عبد الله صالح الذي ظل صامتا طيلة الفترة الماضية وأثبتت الأيام بأنه أبدى ويبدي من الجسارة والصلابة وتحمل كل الآلام والصعوبات أكثر مما يتوقع خصومه، وأنه صبور جدا وإلى حد لا يتوقعه أعداؤه. واتضح أن في صمته حكمة وفي تعقله غاية وفي صبره وتحمله ما يصعب شرحه في الوقت الحالي، حيث عانى هو وإخوته وأفراد أسرته الكثير والكثير،  بدءا باستشهاد الزعيم علي عبدالله صالح إلى معاناته الشخصية. وصبر الرجل لكل هذه المصائب والنكبات إنما هو دليل على عظمة شخصيته وعلى أن الله يؤهله لدور قادم قد قرب ميعاده.