الشرعية اليمنية .. من أي طريق قادمة؟!
اتسعت دائرة الحروب والمآسي والشتات في أرجاء العالم العربي ولم يعد أحد في مأمن من اشتعال الحرائق والأزمات المتلاحقة، وهناك حكايات شتى يبدو أن قدرها ومصيرها أن تظل مفتوحة بلا خاتمة أو ملامح واضحة لانفراجها كالصومال و السودان ولبنان.
ولنا في اليمن نصيب من تلك الحكايات المعقدة حلقاتها والمتشابكة اتجاهاتها ، والمتمثلة
بقصة حكومتنا الشرعية التي فاقت بغرابتها وتعقيداتها كل الحكايا حتى باتت تشبه مسلسلات بلا نهاية، وحبكتها تتكرر، وأبطالها من ورق يتغيرون بين حين وآخر، لكن المصير واحد، لا شيء يتحقق، بل يزداد تعقيدا وتشابكًا.
اسموها شرعية لكننا لا ندري أي شرعية تلك التي باتت بلا سيادة ولا قرار ولا سلطة. فمنذ توليها زمام الأمور في المناطق المحررة وكل شئ لا يتقدم بل يهوي للاسف في مختلف المجالات. حتى منذ أعلنت الشرعية انطلاق عمليات "التحرير" في الأيام الأولى للحرب، ومن حينها ونحن نترقّب بشدة أن نجد وطنا يسوده الأمن والأمان والاستقرار، ويعود العلم الوطني يرفف بعزة وكرامة في سماء صنعاء، وبقية المدن التي ترزح تحت سيطرة عصابة الحوثي الارهابية، وأحلام الطفولة تعود لشوارع المدن، وتبسط الدولة نفوذها وقوتها على الجميع ويصير الكل سواسية أمام القانون الذي يستظل بظله الكبير قبل الصغير ونعود لصندوق الانتخابات.
وأيضًا كان اليمنيون ينتظرون بآمال عريضة مشهد الانتصار البسيط الذي يشبه مشاهد الأفلام القديمة، مواطنون يحتفلون، جنود يرفعون الراية، وسماء تضيء بالألعاب النارية. لكن، ويا للأسف، تحوّلت المشاهد من لقطات النصر إلى نشرات أخبار رتيبة تنقل وعودًا مؤجلة وخططًا مبهمة وأوهامًا يبيعونها للمواطن البسيط مغلفة بلافتات الزيف والخداع.
اليوم، وبعد سنوات من الحرب، نجد أنفسنا أمام "شرعية" تبدو حريصة على تثبيت نفسها أكثر من حرصها على تحرير البلاد، حريصة على شعارات كاذبة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
بتنا أمام وطن متشظٍ وواقع منهار يقول إن هذه الحرب تُدار وفق معادلة غريبة، انتصار مؤجل، هزيمة متكررة، وبيانات إعلامية تنثر وعودًا كمن ينثر الملح في البحر. تتوالى الخطط وتُعلن الاستراتيجيات، لكن التنفيذ يظل عالقًا وحبيسًا بين أروقة الاجتماعات المغلقة والمكالمات الخفية والمشاورات المريبة التي لا تتجاوز أروقة الفنادق ولا تتعدى أبوابها.
وبين كل هذه المعمات والادعاءات يظل المواطن اليمني هو كبش الفداء، و وحده من يدفع ثمن هذا العبث. في كل يوم يعيش على وقع الحرب والجوع والتشرد والقتل وأوضاع أشد بؤسا ومرارة في شتى الجوانب. وبين حين وآخر يسمع وعودًا عن "تحرير قريب" و"عملية فاصلة" قادمة من المجهول، ويبحث عن وطن يلملم عذاباته ولا يجد سوى السراب والألم، يتساءل بمرارة : "هل حقًا هناك من يفكر في معاناتنا؟
أم أن الأمر مجرد لعبة سياسية لإطالة عمر المناصب والامتيازات؟.
الطريف، والموجع في ذات الوقت، أن المسؤولين عن "تحرير اليمن" يظهرون على الشاشات بابتسامات واثقة وحديث مطمئن عن قرب النهاية، وكأنهم يتابعون قصة من قصص الخيال او مسلسل من مسلسلات الغباء العربي.
يتحدثون عن انتصارات متوقعة، وخطط تُدرس، و"بشائر" تلوح في الأفق، بينما الأفق نفسه يزداد قتامة ويضيعون فرصة اليوم لن يجدوها غدا اطلاقا.
المضحك المبكي، أن الشارع اليمني لم يعد ينتظر تلك الوعود. الناس اعتادت على سماع كلمات من قبيل "قادمون"، "على مشارف التحرير"، "نهاية الحوثيين باتت وشيكة"، حتى أصبحت جزءًا من قاموس السخرية الشعبية.
المواطن بات يسأل نفسه: "لو كان هناك فعلاً نصر في الطريق، فأي طريق هذا الذي يحتاج لسنوات من التوهان؟"
في الحقيقة، يبدو أن الحرب تحولت إلى وسيلة لبقاء الجميع في أماكنهم، الحوثي في صنعاء، والشرعية في الرياض وعدن، والشعب في انتظار المصير المجهول او حقيقيون يعشقون اليمن.
ربما آن الأوان لأن يتحرر هذا البلد، ليس فقط من سطوة المليشيات، بل أيضًا من هذا النوع من "الشرعية" التي تتقن فن انتظار الفرص.
في النهاية، إن كان الهدف هو تحرير اليمن، فليبدأ التحرير من تحرير النوايا، من الاعتراف بالتقصير واخطاء الماضي، و التوقف تماما عن لعبة الشعارات. وربما يأتي يوم يصبح فيه النصر حقيقة لا شعارًا، وواقعًا لا حكاية تُروى.
يارب ..