الخلفية التاريخية لنظام الحكم في الدولة الإسلامية ..!!

10:49 2024/03/03

نظام الحكم في الدولة الإسلامية خلال تاريخها الممتد لأكثر من أربعة عشر قرناً ، مرَّ بعدة مراحل وتعرض لعدة تقلبات ، بدايةً بنظام الحكم العادل والمثالي في العهد النبوي ، مروراً بنظام الحكم الشوروي في فترة الخلافة الراشدة ، وصولاً إلى فترة نظام الحكم الوراثي القائم على القهر والقوة والغلبة  ، وهي الفترة الممتدة من بعد الخلافة الراشدة وحتى اليوم ، وحول نظام الحكم في العهد النبوي يتحدث المفكر الإسلامي خالد محمد خالد قائلاً ( كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يدرك أن بناء دولة الإسلام واستمرارها جزء من مهمته كرسول ، بل إنه جزء من مهام كل الأنبياء والمرسلين أيضاً ، قال تعالى (( يا داوود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق )) ، فالله سبحانه وتعالى يخاطب داوود نبيه بأنه خليفة في الأرض ، يسوس أمور قومه ، وينشر العدل ، ويحكم بين الناس بالحق ، أفلا يكون محمد عليه الصلاة والسلام كذلك نبي دعوة ، وقائد دولة وأمه ؟؟ والإسلام باعتباره خاتم الأديان وصفوة الشرائع ، لا يمكن أن يحقق ذاته ، إلا بإرساء قواعد الدولة ، التي تحقق أهداف هذا الدين الخاتم ) ، الدولة القائمة على العدل والمساواة والشورى ، الدولة التي تحافظ على حقوق وحريات الإنسان وتعمل على حمايتها وصيانتها بكل ما تمتلك من قوة ..!!

وحول نفس الموضوع يقول المفكر خالد محمد خالد ( بعد أن استقر مقام المسلمين في المدينة ، كان هناك أمة هي أمة الإسلام ، وكان هناك وطن وعاصمة لهذه الأمة هي المدينة ، وكان هناك سلطة عليا تتمثل في الرسول عليه الصلاة والسلام ، بما يوحى إليه من ربه ، وبما يتمخض عن مشوراته الدائمة مع أصحابه حول القضايا والمواقف ، التي لم يأتي الوحي فيها ببيان ) ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمد أمين ( وقد مارس الرسول عليه الصلاة والسلام فعلاً أمور الحكم والرئاسة ، غاية ما هناك أن طبيعة الزمان والبيئة ما كانت لتسمح بمزيد من التركيب والتعقيد ، في بناء جهاز الحكم وضبطه ، ولكن .. - الشورى كانت أصلاً . - والعدل كان أساساً . - ومسئولية الرعاة والرعية كانت مبدأً . - وإقامة ذلك كله كانت وماتزال واجباً ) ، أما نظام الحكم في فترة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، فرغم بعض الخلافات التي رافقت عملية توليهم للخلافة ، ورغم اختلاف الطرق التي استلموا بها السلطة ، إلا أنهم قد التزموا بالشورى كوسيلة لتداول السلطة ، كما أنهم كانوا بعيدين كل البعد عن مبدأ الوراثة والتوريث في عملية استلام وتسليم السلطة ، وهذا ما يعطي تلك الفترة في الحكم الخصوصية ، التي تجعله متميزاً عن غيره من أنظمة الحكم في الفترات التاريخية التالية ، وحتى يومنا هذا ..!!

فقد كان نظام الحكم في تلك الفترة أقرب ما يكون من النظام الشوروي ، وبعيداً كل البعد عن نظام الحكم الوراثي ، وبعد فترة الخلافة الراشدة إنحرف مسار نظام الحكم الإسلامي من الشورى والسلمية والحوار إلى الوراثة والقوة والغلبة والقهر ، وفي ذلك يقول الدكتور عبدالرزاق السنهوري ( لا يمكن إنكار الحقائق التاريخية ، فتاريخ الخلافة الناقصة منذ عهد الأمويين ومن جاء بعدهم مليء بأنواع إساءة السلطة ، بسبب خروج هؤلاء الحكام على قواعد الخلافة الشرعية ، وعلى مبادئها وأهدافها ) .. وحول نفس الموضوع يقول الدكتور أحمد محمد أمين ( إن تاريخ الفكر الإسلامي لا يعرف قضية ثار حولها الجدل والخلاف ، ما أثارته قضية نظام الحكم ، فعلى أعتابها سل أول سيف في الإسلام ، ومن أجلها ثارت الفتن ، وبسببها تصدعت وحدة المسلمين ، ونأى بعضهم عن بعض ) ، وبذلك فإن الخلاف بين المسلمين في بداية الأمر كان خلاف سياسي ومع مرور الأيام تحول إلى خلاف عقائدي وفكري ، وكل ما نشاهد من انقسامات مذهبية وطائفية هو نتاج تلك الخلافات السياسية والسلطوية ، بمغنى أن ما نشاهده من اصطفافات مذهبية وطائفية ليست من أجل الدين بل من أجل السياسة والسلطة ..!!