11 فبراير .. نكبة اليمن الكبرى التي أضعفت الدولة وأفقرت الشعب

11:06 2024/02/10

أدت أحداث ما سَمي بالربيع العربي التي انطلقت في 11 فبراير عام 2011 في اليمن، لخلخلة وجود الدولة والمؤسسات. فالذين كانوا يطالبون بإسقاط النظام كحل جذري، ظل مخططهم الأخطر هو عدم قابليتهم  لأي نوع من التعايش مع واقع الدولة، وذلك في محاولة منهم لمواجهة إيجاد إصلاحات قابلة للتطبيق. كانت نوايا هؤلاء منذ البداية سعيهم  للاتجاه باليمن إلى الواقع المجهول.

إسقاط الدولة في اليمن لم يقف عند العبث وتفكيك وضع الدولة الموجودة، بدستورها ونظامها وقانونية تمثيلها لليمنيين، بل أن التصعيد ترتب عنه ضعف لدى الدولة للاستجابة لمثل هذا الخطر، الذي كان مدفوعًا بمساعٍ خارجية، والتي ظلت تضغط على الدولة ،للاستجابة وتشريع مثل هذا الواقع الجديد ، حتى تعود الدولة هي الحلقة الأضعف، وبالتالي هذا سيعمق أزمة الدولة فيما بعد، وسيفرض عليها الصمت حيال أشكال من الأنشطة الفوضوية ،التي عطّلت أجهزة الدولة من تأديتها لعملها.

اتجهت القوى التي فرضت واقعها الجديد بعد فبراير، وهي أحزاب اللقاء المشترك والحوثيين، لإغلاق باب الحوار الداخلي، ورسموا سياسة نسف الحلول والاتفاقات الداخلية ، انعكس ذلك على سير نشاط الدولة وواجباتها، ورغم الجهود التي قام بها الرئيس الزعيم علي عبد الله صالح في تلك الفترة للمحافظة على الدولة، والوصول لمقاربات مع كافة الأطراف للوصول لحلول لإزالة سبب هذه الأزمة، لكنها قوبلت برفض ثابت من قبل هذه الأطراف لوجود الدولة، وكان ذلك بالنسبة لهم خيار لا رجعة عنه. وأتفقت احزاب اللقاء المشترك والحوثيين، وكذلك وجود أطراف عميقة ، خططت ورتبت لاسقاط الدولة وإعادة الامامة. 

ما وضعه الزعيم العربي البطل الرئيس علي عبدالله صالح كأولوية ما بعد 11 فبراير هو إيقاف إسقاط الدولة لإن مثل هذا المخطط يعني غرق اليمن في الصراعات التي لن تنتهي، بالإضافة إلى أهمية وجود اتفاق تحت سقف الدولة لمنع التدخل الدولي والإقليمي، وتأزم الوضع الداخلي أكثر ليذهب للفوضى والتفكك. 

لكن مع محاولة حماية المليشيات بنشاط سياسي وحقوقي وإعطائها بعدًا قانونيًا، ووضعها كما لو أنها تحمل قضايا ومشروعية ومطالب ، هذا أدى إلى اصرار واستمرار من تجمعوا في تلك الساحات، و الرافضين لوجود النظام وظلوا يرفضون أي حلول، وكانوا يتجهون للسيطرة على المؤسسات، وبدلًا من أن تظل أجهزة الدولة مراقبة للمخاطر وحماية للمؤسسات ، فإن الأنشطة الساعيه لاسقاط الدولة، ظلت محمية وبحصانة القضايا والحقوق.

مرونة الدولة والنظام ، لم تنهِ ما هو معد سلفًا، وضمن مخطط لتغيير الكثير من الدول إلى الأسوأ ومن بينها اليمن ،و استمرت انشطة قطع الطرقات والشوارع وتعطيل المؤسسات الاقتصادية ، ومحاصرة ألوية الجيش اليمني في كل مداخل العواصم و المدن اليمنية الكبرى ، التي كانت تكتظ بالناس، برغبات ومشاريع فوضوية وإرهابية، ووسّعت العديد من القوى من وجودها في ظل هذا الانفلات، وكان تركيز كل هذه القوى، أنها نظرت للرئيس الصالح على أنه هو المشكلة وأن الدولة المركبة بمشاريعها المستقبلية و بخيارات المحاصصة وتقاسم الوظائف، هي التي ستغير المعادلة وهذه التوجهات كانت مشاريع الانتقام السياسي لا أكثر.

هناك من أختار السير تحت سياسة زيادة الضغط لتفكيك الدولة ورفض الحلول وأنصاف الحلول، وظل هؤلاء ملتزمون بخيار إسقاط نظام الرئيس صالح الديمقراطي الجمهوري والوحدوي ، وهو الذي كان يدرك المخطط المُعد لدخول اليمن في حروب وصراعات سيدفع ثمنها اليمنيين ، كما أن المخطط المعد ليس للإصلاح السياسي والاقتصادي، بل تشكيل تحالفات سياسية لا تحمل خيارات التغيير، مما خلق نوعًا من الأنشطة الفوضوية التي برزت فيما بعد على أنها صعدت وعقدت الحلول حتى صار من الصعب أن يتفق اليمنيين على تجاوز عقدة المطامع وحب السلطة ، وظلت بعض القوى والأطراف غير مستوعبة العمل السياسي ، وهذه القوى تركت مبادئ الحل اليمني الحقيقي ليكون تحت خيارات خارجية، وهذا ما خلق الحروب والأزمات وغياب الحلول. 

دخلت اليمن بعد نكبة فبراير في معارك وانقسام داخلي عميق ، وأصبح اليمنيون فيما بينهم يعيشون التفكك وغياب الاتفاق على الحل وإنهاء الحرب، وصار الذين يحكمون اليوم والذين جاءوا من واقع وظروف فبراير أكثر فساداً وعبثاً بحياة اليمنيين ومصالحهم ، وهم من خلقوا لانفسهم ثروات هائلة وأرتكبوا الجرائم ونهبوا الثروات والموارد ، ولا يزال مشروعهم الشرير المدعوم من الغرب وإيران يمزق اليمن أكثر ويجعلها عرضة للتمزق أكثر ، ويعقّد من مشوار السلام حتى يصبح مستحيلاً إلا فى حالة استعادة الجمهورية اليمنية وهويتها ودستورها.


 *رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.