حسن الخلق ثمرة التدين الصحيح ..!!
من المُسلَّم به بأن حسن الخلق هو المقياس الحقيقي للتعرف على مدى رقي وحضارية الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الأمة ، وقيمة الإنسان تتوقف على مقدار الأخلاق التي يتمتع بها ، والإنسان بدون الأخلاق والقيم الفاضلة هو عبارة عن كائن متوحش ، والحياة الإنسانية بدون الأخلاق والقيم الإيجابية هي عبارة عن غابة موحشة البقاء فيها للأقوى ، يقتل القوي فيها الضعيف وينتهك حقوقه وحرياته ، من أجل ذلك كله أولى المنهج الإسلامي الأخلاق فائق إهتمامه وعنايته ، وجعلها ثمرة للكثير من العبادات ، وجعلها أمارة من أمارات الإيمان بالله تعالى ، وجعل جزاؤها عظيم في الدنيا والآخرة ، وفي ذلك يقول الشيخ محمد الغزالي " ( حسن الخلق فضيلة إنسانية حض عليها الدين ، وجعلها ثمرة لكثير من العبادات التي أمر بها ، واعتبرها أمارة الكمال البشري في أرقى مراتبه ، حتى لم يوصف النبي عليه الصلاة والسلام إلا بها ، قال تعالى (( وإنك لعلى خلقٍ عظيم )) ، في معرض مدحه وبيان فضله ، والمجتمع الذي يتوفر حسن الخلق في معاملاته ، هو هدف الرسالات العظيمة من دينية ودنيوية ) " ..!!
لذلك جاءت التشريعات الإسلامية لتجعل من التحلي بالقيم والمبادئ الإيجابية والأخلاق الفاضلة واجباً من واجبات الدين ، قال تعالى :- (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) .. (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن )) .. وغيرها كثير . وفي ذلك يقول الدكتور منير حميد البياتي " ( أن النبي عليه الصلاة والسلام عرَّف الدين بأنه حسن الخلق ، وأيضاً عرف البر بأنه حسن الخلق ، وفي هذا بيان لعظيم منزلة حسن الخلق ... وأنه ركن الدين العظيم الذي لا قيام للدين بدونه ) " . كما أن هناك العديد من التشريعات الإسلامية ، التي تؤكد بأن الأخلاق الفاضلة هي ثمرة العقيدة الصحيحة والعبادات المقبولة ، والهدف من ذلك هو الربط الوثيق بين عقيدة المسلم وعباداته وبين أخلاقه وسلوكه ومعاملاته ، وفي ذلك يقول الدكتور محمد ربيع محمد جوهري " ( لقد ربط الإسلام بين جانب العقيدة منه وبين الأخلاق التي ارتضاها لأتباعه ربطاً وثيقاً ، فإن مقتضى الإيمان بالله تعالى أن يكون المؤمن ذا خلق محمود ، وأن الأخلاق السيئة دليل على عدم وجود الإيمان ، أو دليل على ضعفه ، وعلى ذلك يمكننا أن نعرف مدى إيمان الشخص بمقدار ما يتحلى به من أخلاق ، ونعرف مدى ضعف إيمانه بمدى ما يتصف به من ذميم الأخلاق ) " ..!!
ويقول أيضاً :- " ٱن هدف العبادات التي شرعها الله تعالى ، من صلاة وزكاة وصوم وحج ، هو السمو الخلقي بالإنسانية ، وهناك أمر آخر جدير بالذكر وهو أن العبادات إذا لم تلازمها ، وتقترن بها أخلاق حميدة ، وسجايا فاضلة تصبح لا فائدة ولا جدوى منها ... يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال :- إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار ) ( رواه مسلم ) ، فهذا الشخص وإن كان قد أدى العبادات ، لكنها اقترنت ببعض الرذائل الخلقية من سب وشتم وقذف وظلم ، واعتداء على حقوق الآخرين ، فكانت نهايته كما صورها رسول الله عليه الصلاة والسلام ... وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت :- سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول :- ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) ( البخاري ) ... وبهذا البيان يتضح لنا إرتباط أخلاقنا بعقيدتنا ، وإرتباط أخلاقنا بعبادتنا ، قال تعالى (( يا أيها الذين آمتوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) "
ويقول الدكتور محمد يونس هاشم " ( وبذلك يكون حسن الخلق هو الفارق بين التدين الحقيقي والزائف ، فإذا رأيت رجلاً كثير الصلاة ، كثير الكلام في الدين ، ومع ذلك سيء الخلق مع أهله وجيرانه فأعلم أن تدينه زائف ، وهو مردود عليه ... فليس مقياس التدين لحى طويلة ، ولا جلابيب بيضاء قصيرة ، إنما التدين الصحيح حسن الخلق ) " . كل ذلك مجرد نموذج يؤكد على العلاقة الوثيقة والقوية بين العقيدة الإسلامية الصحيحة وبين حسن الخلق ، وأن الأخلاق الفاضلة ما هي إلا الثمرة الطبيعية للعقيدة الإسلامية الصحيحة ، وإذا لم تتوج العقيدة الإسلامية معاملات الإنسان بتاج الأخلاق الفاضلة فإن هناك خلل في عقيدته ، وإذا لم تقترن العبادات بالأخلاق الحميدة والمعاملات الإيجابية مع الآخرين ، فإنها عادات وليست عبادات ..!!
مقتطفات من كتابي ( معالم المشروع الحضاري في المنهج الإسلامي ) ..!!