الوحدة اليمنية صمام أمان ورافعة استعادة الدولة

10:46 2023/05/18

ثمة منطلقات ومعطيات في الماضي والحاضر ينبغي أن نضعها  نصب أعيننا عند الحديث عن الوحدة اليمنية، وكيف أن هذا المنجز حمل معه لليمن الأمن والاستقرار والنهوض والتنمية والقدرة على مواجهة الأزمات الإقتصادية والسياسية بصلابة، وجلبت معها -أي الوحدة المباركة- الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية. 
 
تلك الروافع والثوابت والأساسات احتشدت بفضل النسيج واللُّحمة الواحدة، والبنيان السليم، والمقومات التي تحققت بفضل القيادة الواحدة والشعب الواحد، والأهداف السامية والرؤى المستدامة التي أوجدت تراكمات مهمة في إطار النهوض والتقدم.
 
صحيح أن هناك أخطاء صاحبت هذا المشروع العظيم، سواء كانت ترسبات ما  قبل العام 90، أو بعده عندما اندلعت حرب صيف 94 نتيجة للصراع والتدافع السياسي بين القوى التي كانت طرفا في إتمام صياغة هذا المشروع العظيم، 
 
مثلما لا يخفى على المتابع حجم وتأثير التدخلات الخارجية، غير أن تلك المسائل التي يعتبرها البعض أخطاء فادحة من الطبيعي أن يتم إعادة النظر فيها. فمشروع بحجم الوحدة بعد تشطير لعقود طويلة، من الطبيعي أن تصاحبه أخطاء وقصور في الممارسة، والتحول من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي. ومن الطبيعي أيضا أنه من الممكن العمل على إعادة بلورة الشراكة السياسية بما يجمع عليه الشعب اليمني، لا أن نذهب إلى التقسيم الذي لا يمكن أن يكون حلاً لجغرافية سياسية مليئة بالروابط والمصالح الاجتماعية وكثير من المشتركات.
 
إننا حينما نتحدث عن الوحدة اليمنية، فهذا لا يعني أننا نغرد خارج السرب، وخاصة في هذا التوقيت الحرج والمرحلة العصيبة التي تستدعي منا أن نتحلى  بالشجاعة الأدبية في تشخيص أبعاد المشكلة وإيجاد حلول ومخرجات لها تحت سقف اليمن الدولة التي شيدناها مطلع 1990 بعد مخاض وإرهاصات طويلة وتضحيات جسيمة.
 
اليمن هو الإطار الجغرافي التاريخي والطبيعي للوحدة التي تحققت برغبة واستفتاء شعبي على دستورها الذي كان وسيظل من أهم التشريعات الحديثة، بشهادة الخصوم قبل غيرهم. وما حدث من أخطاء ومظالم يجب أن نتجاوزه عبر أطر ومحددات كثيرة، وخيارات مبنية على الفضاء المفتوح والتباينات البناءة، وأن يكون الهدف الأساسي في هذه المرحلة
هو استعادة الدولة وإحلال الأمن والسلام والحوار حول كافة القضايا الوطنية. 
 
والحقيقة التاريخية التي لا مناص من ذكرها بأنه لا يوجد في التاريخ العربي دولة أو كيان تحت اسم الجنوب العربي مطلقا، فهذا المصطلح اصطلاح جهوي سياسي حديث لتسويق مشاريع تقسيم اليمن إلى دويلات لا أكثر.
 
فإذا ما سلمنا بالأمر وذهبنا مع أصحاب مصطلح الجنوب العربي، فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: إذن من هو الشمال العربي؟
 
هل هو جهة جغرافية أم كيان أم ماذا؟
 
ثم لماذا نترك فرصاً للآخرين من أجل أن يعبثوا تحت مسميات مختلفة وعبر استغلال الأخطاء والحسابات السياسية التي كانت لدى القيادات السابقة؟
 
ثمة جيل جديد أراد أن يخلق واقعاً مختلفاً وعلاقة متينة بين كافة أبناء الوطن، فلماذا نحرمه من ذلك؟
 
لماذا لا نترك له المجال بأن يكون صاحب مشروع في إطار دولة واحدة، بدلا من السعي وراء التقسيم وتجزئة الجغرافيا وإعادة عجلة الزمان إلى عهود التشطير والتبعية؟ 
 
نحن أولى بقضايانا ومشاكلنا ونستطيع حلها، فالانقسام سيؤدي حتماً إلى التقسيم وتجزئة المجزأ، تماماً مثل انشطار الذرة، لأن مجتمعنا اليمني مليء بالرواسب والتعقيدات، رؤى وقراءات وليست رسائل تخويف، والتاريخ مليء بالتجارب، وحتى التشريعات السماوية تؤكد على أهمية الوحدة وقوتها.
 
نحن بحاجة إلى دولة يمنية حديثة قائمة على التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير والمواطنة المتساوية بين أبناء اليمن، وعلى قاعدة الشراكة والعدالة الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية وانتخاب المحافظين، والتي كنا قد قطعنا فيها شوطاً مهماً؛ فهي الخيار المناسب للتغلب على المشكلات الكبرى، وليس الذهاب إلى إحياء الصراعات والنعرات الجهوية التي سبق وأن تم التعاطي معها وتجريبها، وكانت النتيجة فشلاً وكوارث مازلنا نعاني من آثارها حتى الآن. 
 
لذا، فإن تطوير نظام الحكم أصبح  مطلباً ملحاً في كل بلدان العالم،  وليس مقتصراً على اليمن، للاستجابة لسد بعض نقائص التطبيق وما أفرزته الوحدة من بعض المشكلات عبر توسيع نطاق اللامركزية والصلاحيات مثل البلدان الأخرى القوية بخياراتها الديموقراطية. 
 
هناك عشرات الكيانات الناجحة قد أخذت بنظام اللامركزية وتوسيع آفاق الحكم المحلي، فتوسعت الصلاحيات وقويت الإدارات والولايات، ولكن بقيت الدولة قوية موحدة.
 
ولهذا، لا يمكن التعويل بأي حال من الأحوال على الانفصال كحل، فهو سيكون مثل الذي يستعين بالمجهول على المعلوم. فلن تحل مشاكل اليمن بالتشطير أبداً أو حكم المليشيا على أجزاء من الوطن. ولنا فيما يجري في السودان الشقيق درس. ففي دارفور منطقة واحدة ٨٤ مليشيا، إضافة إلى الدعم السريع. 
 
الوحدة هي المشروع الحقيقي والوطني الكبير الذي لا يمكن الاستغناء عنه مطلقًا، كما أن مواجهة التغيرات الدولية المستمرة تحتاج إلى دولة قادرة على التعاطي معها، دولة ديموقراطية  قوية موحدة.
 
الوحدة هي الإنجاز العظيم الذي يمكن من خلالها العودة إلى الأمن والاستقرار والتفاخر به بين أبناء الوطن الواحد من أقصى البلاد إلى أقصاها، وهي تعني التنوع والحرية وتوسيع قاعدة المشاركة من أجل التغلب على الأزمات التي تجابه الدولة الحديثة، وتعني المزيد من البناء وتوزيع الثروات بشكل عادل واستغلال الموارد ضمن مؤسسات وليس جماعات أو أشخاص.
 
والوحدة ضمان لمحاربة الفساد وعدم انفراد طرف بعينه أو هيمنة فصيل سياسي على الحكم، وضمان دولة تتمتع بالسيادة وقوة  القرار واستغلاله، بما يعزز من قابليتنا على استثمار الطاقات الكامنة والموارد البشرية والعلاقات الخارجية، وإجبار الآخر على التعاطي بندية واحترام الثوابت والقيم المجتمعية دون الإخلال بالجوانب الإنسانية.