الزلزال لا يقتل الناس، تقتلهم الأبنية

10:30 2023/02/21

لا زالت تداعيات زلزال تركيا وسورية وهزاته الأساسية والارتدادية مستمرة، نسال الله الرحمة والمغفرة لمن قضى نحبه تحت ركام المباني الشاهقة أو المساكن المتهالكة والشفاء للمصابين، وحفظ الله ديارنا وجميع الإنسانية. 
 
في شارع واحد من المناطق التي طالها الزلزال، شاهدنا بنايات سويت بالأرض وأخرى جارتها صمدت وامتصت صدمة الهزة الأرضية القوية. 
 
ولما سأل بعض الصحفيين عن تفسير هذه الحال، كان الجواب على الأقل في تركيا بأن البنايات التي تعمرت بعد عام ٩٠ قاومت الزلزال لأنها استوفت معايير مقاومة الزلازل. ومع ذلك سقطت وتهاوت أعداد غير قليلة من مباني ما بعد عام ٩٠، والتفسير هو غش المقاولين. 
 
نحن في العالم العربي أمام تغير جوهري في أسلوب البناء والرقابة الصارمة على تطبيق معايير مقاومة الزلازل واستيفاء هذه الأبنية شروطا فنية خاصة. 
 
ليس هينا على الإنسانية هذه الفاجعة، ولكن الحياة تستمر والعمران يستمر أيضا. ولكن برؤية جديدة وتخطيط جديد وتنفيذ صارم للمقاييس الفنية. 
 
مطلوب تشريعات رادعة لمن يغش في تنفيذ المقاولات، فهو والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد سواء. 
 
قال شيخ المسجد الذي صلينا به الجمعة: عودوا إلى الله، وهو نداء موجه لشركات التشييد أيضا:
عودوا إلى ضمائركم وكذا البلديات وأجهزة الرقابة، فهي مسؤولية الدول والحكومات. فحياة الناس غالية، ومشاهد الخراب والدمار وإنقاذ الرضع وكبار السن من تحت ركام الأنقاض تدمي القلب. بل إن الخطوط الزلزالية والتصدعات في الأرض، كما يقول علماء الجيولوجيا، لا تستثني بلدا في منطقتنا العربية، وهي إن كانت من تدبير السماء فعلى أهل الأرض اتخاذ الأسباب والتدابير.
 
في اليابان، لي صديق عربي تعلم هناك وأكمل الدكتوراه وتزوج سيدة يابانية فاضلة واستقر للعيش هناك. سألته عن الزلازل التي تضرب اليابان كل حين، فقال إن جميع المباني والأبراج مصممة لمقاومة الزلزال حتى لو تجاوز 7 درجات على ريختر. وذكر طرفة لي أنهم تعودوا على 6 ونصف فقط درجة تسقني فقط من فوق السرير أحيانا وأعود لاستكمال نومي!
 
الزلازل موجودة منذ القدم، ذكرها الله في محكم كتابه الكريم (إذا زلزلت الأرض زلزالها)، ولم يذكر المؤرخون لنا خسائر بشرية لهذه الزلازل قديما. صحيح أن الحياة مع أجدادنا كانت بسيطة، خياما أو بيوتا من الشعر أو بناء طابق واحد من الآجر والجص، ولكن تطور الحياة يفرض تطورا في وسائل البناء والتخطيط ودراسة التربة والرقابة. 
 
في اسطنبول يتداولون قولا بأن الزلزال لا يقتل الناس إنما تقتلهم الأبنية. 
 
* كاتب وأكاديمي من العراق