الحرية السياسية في الإسلام...!!

10:28 2022/11/03

بدايةً...
الحرية الإنسانية بشكل عام في الشرع الإسلامي هي صفة طبيعية لكل إنسان، فهو يولد بها، وتظل ملازمة له إلى أن يموت عليها. والحرية في حقيقة الأمر هي معنى الإنسانية، فلا إنسانية ولا كرامة بلا حرية، وعكس الحرية هي العبودية، والإنسان بلا حرية ليس أكثر من عبد، لذلك جاء الإسلام ليطلق للناس حرياتهم، ويحميها ويحافظ عليها من العبث بها أو إهدارها. والإسلام يعتبر الإنسان حُراً أصلاً، ولا يجوز بأي حالٍ من الأحوال تقييد حريته أو مصادرتها من قِبل أي جهة كانت، كون هذه الحرية من مقومات تكريم وتفضيل الله تعالى له. فالكرامة والحرية في الإسلام صفتان متلازمتان، لذلك يجب أن يظل الإنسان حراً، ما دام ملتزماً بحدود حريته الشخصية، ولم يتجاوزها بالإضرار بحريات وحقوق الآخرين...!!
يقول الدكتور أحمد شوقي الفنجري...
"الحرية السياسية في الإسلام...
تنفي التمايز الوراثي، وقد جاء القرآن الكريم بهذا المبدأ، وقرره حتى في اختيار الرسل والأنبياء... قال تعالى ((وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك في الأرض إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)) (البقرة: ١٢٤)... والحرية السياسية في الإسلام... ضد التمايز الطبقي، كالنبلاء، وأصحاب الدم الأزرق، وقد نص على ذلك القرآن الكريم، قال تعالى ((أن أكرمكم عند الله أتقاكم)) (الحجرات: ١٣)... والحرية السياسية في الإسلام... تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص بين الناس، أي حق المواطن في الوصول إلى كافة المناصب في الدولة، حسب المؤهل والكفاءة الشخصية، وعدم تدخل المحسوبية، والقرابة، والشلل، والسلالية في اختيار الناس، وقد سبق الٱسلام إلى نص هذا المبدأ، فرسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يقول (من ولي من أمور الناس شيئاً، فولى عليهم أحداً محاباة أو لقرابة وهو يعلم أن منهم من هو أصلح منه فليتبوأ مقعده من النار)... والحرية السياسية في الإسلام... هي تطبيق لسيادة القانون، في علاقة السلطة بالشعب"(أحمد شوقي الفنجري: الحريات السياسية في الٱسلام: الطبعة الثالثة: الكويت: دار الفكر: ١٩٨٣م)...!!
كمْ تتناقض هذه المبادئ والأفكار الحضارية العظيمة التي جاء بها الشرع الإسلامي مع واقع الشعوب العربية، وما الحضور الكبير لدعوات التمييز العنصري والسلالي بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد إلا خير شاهد، بل لقد تجاوزت تلك الدعوات مداها الأرضي وانتقلت إلى آفاق متطورة ومتقدمة (الاصطفاء الإلهي)، وإذا نظرنا إلى التمايز السلالي والطبقي والطائفي والحزبي والمذهبي والمناطقي في المجال السياسي والإداري فحدث ولا حرج، فمعظم التعيينات في المناصب الحكومية الهامة، عادةً ما تنحصر في منطقة واحدة، أو أسرة واحدة، أو مذهب واحد، أو حزب واحد وهكذا، دون أي اعتبار للمؤهلات والكفاءات والخبرات العلمية والإدارية والفنية، ودون أي اعتبار لمبدإ تكافؤ الفرص بين المواطنين، ودون أي مراعاة لمبدإ المواطنة المتساوية...!!
وإذا نظرنا إلى سيادة النظام والقانون، فحدث ولا حرج، حيث إن القائمين على السلطة الحاكمة، هم القانون، وهم الدستور، وهم النظام، ولا صوت يعلو فوق صوتهم، ولا كلمة تعلو فوق كلمتهم، هم على صواب والبقية على خطأ. وللأسف الشديد هذا هو الحال في عالمنا العربي اليوم، فالعقلية السياسية العربية لم تؤمن بعدا بالديمقراطية كأفضل وسيلة للتداول السلمي للسلطة. ولم تعترف بعد بالحرية السياسية. رغم التشريعات الإسلامية التي تمنح الإنسان الحرية السياسية، والتي تجعل من النظام للشوروي واحداً من أهم ركائز نظام الحكم. وتظل النزعة الاستبدادية والقمعية، هي المسيطرة على العقلية السياسية العربية ابتداء من الأسرة وَمُرُورًا بالقبيلة والمجتمع ووصولاً إلى الدولة. في مخالفة صريحة لتشريعات وأحكام الإسلام. ورغم كل الدعوات التحررية للكثير من المفكرين العرب ورغم كل المحاولات الجادة في تحرير العقلية السياسية العربية من السلبية والتبعية والخنوع والخضوع. إلا أن العقلية السياسية العربية التي تأثرت كثيراً بثقافة العبودية والتبعية والخنوع والخضوع، كانت وما تزال في حالة من الممانعة ضد كل ما له علاقة بالحريات السياسية...!!
وهكذا بيئة سياسية لا مكان فيها للشورى والديمقراطية ولا تعترف بالحريات السياسية وتسود فيها ثقافة الاستبداد والقمع والولاء المطلق للحاكم فإن الحريات السياسية التي كفلها الإسلام لكل إنسان، ستظل مصادرة ومحاربة ولا مكان لها على أرض الواقع، حتى تتحرر الشعوب العربية، من هذه الثقافة السياسية التي تؤصل للتسلط والاستبداد والولاء المطلق للحاكم، وحتى تنتصر لتشريعات وأحكام دينها، وتنتصر لحرياتها وحقوقها السياسية والإنسانية. لذلك لا يتحمل الشرع الإسلامي، أي مسئولية، عن الأوضاع السياسية السلبية الاستبدادية والقمعية، التي تعيشها المجتمعات العربية، طالما وهو يحمل في طياته مثل هذه المبادئ الإنسانية والسياسية التحررية والحضارية. ومن يتحمل مسئولية ذلك، هي تلك الثقافة المجتمعية والبيئة السياسية التي تُمجِّد الاستبداد والقمع وتبرر للعبودية والخضوع والخنوع للحاكم، والتي تتعارض بشكل صريح مع مبادئ وتشريعات الإسلام التحررية والحضارية...!!