السلام الضائع في اليمن..

07:35 2022/09/18

هل تحتاج اليمن فعلًا الى السلام وما مدى نجاح او فشل تلك المساعي والأطروحات التي كثر الحديث عنها في الاونة الآخيرة ؟!.
إمكانيات الحديث عن السلام في اليمن تظهر من وقت لآخر ، ولكن لا احد يستطيع ان يجزم فعلًا ان هناك توجه لخلق سلام حقيقي ينهي الحرب باليمن آلتي أكلت الأخضر واليابس ، وحولت حياة اليمنيين الى جحيم، بل نستطيع ان نقول ان هذه الحرب التي أثقلت من كاهل اليمنيين وأدت إلى انهيار  مستوى حياتهم الاجتماعي والمعيشي وأعادتهم الى انقسامات إجتماعية وقبلية ومعيشية صعبه مشابهة لحقبة ما قبل ثورة ال 26 من سبتمبر الخالده.
 
من الواضح للأنسان الحصيف والمتابع البسيط للشأن اليمني ، هو إدراك أبعاد الصراع الذي يجري على اليمن لإنه أصبح من العبث الحديث عن فرص لسلام قد  يؤدي لإيقاف هذه الحرب الإقليمية ذات البعد الطائفي والمذهبي ، والتقاطعات الدولية ومصالح القوى الغربية كطرف والصين كطرف اخر بمنطقة جنوب شبه الجزيرة العربية وتدخل الإقليم المجاور لليمن بشكل مباشر في الحرب اليمنية وإيران.
 
المأزق الكبير الذي تمر به اليمن اليوم هو كيفية الوصول لفهم أهداف وتوجهات قوى الصراع ذاتها ، من أجل الوصول الى سلام من خلال التوصل الى مقاربه بين قوى الصراع ، ففي البداية نرى ان اضعاف قوى الحوثي وجعل امتيازاته العسكرية واللوجستية بمستوى قريب من القوى التي تواجه في الميدان ، هذا قد يرغم الحوثي فعلًا للنزول الى أرضية السلام والحوار  ولكن يبدوا ان قوة الحوثي لا تزال أكبر وقواه العسكرية تتزايد ودرجة تسليحه مع ماتقدمه له ايران يتطور وهذا يعتبر خطاء وتقصير في تحقيق الاهداف التي اعلن عنها التحالف العربي والشرعية اليمنية ، الذي جاء لإعادة الشرعية وإضعاف الحوثي الذي وصل إلى حالة من الضعف ، واعطى فرصًا كثيرة ليبقى قويًا ، وغياب اي خطة حقيقية لادارة عملية انقاذ اليمن بطريقة حقيقية وواضحة.
 
لن يتحقق سلام فعلي في اليمن والقوى المناوئة للحوثي في الميدان مشتته وهناك خلافات كبيرة بين تلك القوى وصلت الى حد المواجهات العسكرية فيما بينها، وعجز التحالف عن توحيد جبهة عريضه وفاعلة لخلق سلام في اليمن ، بالإضافة الى ضعف سلطة حكومة الشرعية داخليًا وعلى المستوى الدبلوماسي والدولي وفي اروقة الأمم المتحده لطرح قضية اليمن بما يجب ان تكون عليه.
 
 كما ان ضعف الشرعية اليمنية في تصدر كافة هموم ومشاكل اليمنيين الاقتصادية والمعيشية والضروف الصعبة التي يكابدها اليمنيون وعدم حلها ، لن يعمل على تقوية موقفها في تبني إرادة سلام اليمن ، كما ان التحالف العربي وعلى مدى فترة الحرب عمل على الحد من بروز اي بدائل وطنية اكثر قدرة من الشرعية اليمنية لانتشال اليمن من هذا الوضع الصعب والمأساوي لاستعادة الدولة اليمنية ، ومن ثم هدم اي جسور لفرض السلام باليمن.
 
الخيار الحقيقي لاستعادة مسار السلام في اليمن او فرضه يكمن أولاً بإضعاف جماعة الحوثي عسكريًا ، حتى يصبحوا مجبرين على الانخراط في عملية سلام ومفاوضات جادة ، ولكن يبدوا ان الحوثيين لا زالوا عسكريًا أقوى ، كما أن الحرب عليهم لم تضعفهم بل زادت من إمكانياتهم وقدراتهم العسكرية ، وهذا يوصلنا الى نتيجه ان إدارة الحرب ضد الحوثيين لم تكن فعالة بالمستوى الذي يجب ان تكون عليه.
 
عمل التحالف العربي وحتى قبل دخوله في الحرب ضد الحوثيين الى استعداء وشيطنة تنظيم المؤتمر الشعبي العام وقياداته الوطنية وشارك بشكل أو باخر في عملية تمزيق هذا الكيان الوطني وإقصائه من المكتسبات والحقوق كطرف سياسي كبير وفعال في الحياة السياسية اليمنية و ما جاءت به المبادرة الخليجية الذي صاغها وتبناها المؤتمر الشعبي العام وقيادته قبل ولوج الصراع.
 
ومن ثم اوصلوا اليمن تحت الوصاية الدولية وتم فرض عقوبات غير إنسانية وظالمة ضد الرئيس السابق رئيس المؤتمر الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، و السفير احمد علي عبدالله  حتى لا يكون للمؤتمر اي دور مستقبلًا ، وهذا أوجد اختلالًا في البنية الحقيقية للقوى السياسية على الأرض ، كم ان اجتثاث الجيش اليمني الذي نشاء في عهد ذلك الكيان الجماهيري الوطني الكبير، بنفس منهجية إجتثاث الجيش العراقي الذي قامت به امريكا، وتفتيت معالم النظام السياسي باليمن والذي حكم اليمن ما يقارب خمسة وثلاثون عام ، واوجد استقرارًا وأمن في المنطقة والاقليم لا يستطيع احد ان ينكر او يجحد ذلك ، فالمؤتمر الشعبي العام لا يزال بفعل هذه العوامل والحرب الشعواء ضده غائبًا عن ما يحدث ولم يقم بدوره في خلق توازن لحل المسألة اليمنية ،كما ان التحالف العربي تجاوز كل الكيانات التحررية باليمن شمالًا وجنوبًا واعتمد على تغذية القوى ذات النهج الايدولوجي الديني والمناطقي لمواجهة الحوثي والتي للأسف فشلت في ذلك.
 
ربما ستكون المبادرات والحلول التي تحاول الامم المتحدة القيام بها جهود مؤقتة قد تصطدم في أي لحظة بخروج المباحثات لطريق مغلق ، تبدأ مرحلة أخرى من الحرب حيث ستكون ظروف الحرب هذه المرة مخنلفة وستكون أوسع وعملية الاستنزاف سوف تستمر ولن يكون بمقدور الحوثي فرض خيار الحرب الذي يريد به تشكيل وتعزيز توجهه السياسي وفرض النظام الذي يريد .
 
لكن لن يكون من السهل فرض سلام أعرج يفتقد للرؤية بل أن مايحدث الآن من هدن ماهو إلا اطالة امد للصراع ، لإن اطراف الحرب أصبحت لاتملك إرادة حقيقية وليس لديها غير الاحتفاظ بإرادة تمثيل الخارج في هذا الصراع الذي لن ينتهي غير في قناعة داخلية .
 
السلام في اليمن بحتاج لقيادات حقيقية ترفض الانصياع للخارج ،وتملك خريطة بناء وتنمية ولم تختار الانبطاح والعبث بوطنه بناء على رغبة ايران أو خيارات دول الخليج العربي التي دخلت حلبة صراع معقدة في اليمن وبدون رؤية واضحة او سند محلي باليمن قوي قادر على تحقيق نصر في هذه الحرب ، وهذا ما نفتفده حيث تحولت كل الاطراف إلى أدوات للهدم أكثر ما تكون قوى وطنية حقيقية. فمن يعجز عن صنع نصرًا على أرض المعركة، لن يكون بمقدوره صنع السلام.
 
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
15 سبتمبر 2022.