التعصب المذهبي .. والتراجع الحضاري ...؟؟؟؟

01:04 2022/09/04

من المعلوم أن التعصب بشكل عام ، من الصفات الإنسانية السلبية ، لأنه يقود إلى سلوكيات غير حميدة ، ونتائجة غالباً ما تكون سلبية ، وذلك لما للتعصب من تأثيرات غير إيجابية على النفس البشرية ، حيث يحجب عن العقل رؤية الحقيقة المجردة ، ويدفع الإنسان إلى القيام بتصرفات سلبية وعدائية خارجة عن إرادته وسيطرته ، وهو بذلك يذهب بالإنسان بعيداً عن الموضوعية والعقلانية ، ويترتب على ذلك وقوع الإنسان المتعصب في براثن الضلال والخطأ والزلل ، وقد يصبح بذلك أسيراً لفكرةٍ ضالة أو لرأيٍ منحرف ، ولا تتوقف آثار التعصب السلبية عند هذا الحد ، بل قد تصل بالإنسان إلى دفع حياته ثمناً للدفاع عن فكرة ضالة أو رأي منحرف ، وهنا تتجلى فداحة وكارثية التعصب ..!! 
 
لذلك ..... 
نجد أن إبليس عدو الإنسان التاريخي يشجع ويحفز الإنسان دائما على التعصب ، وذلك لمعرفته بما للتعصب من آثار ضارة وخطيرة على دين الإنسان وفكره وحياته ، بينما نجد أن الدين الإسلامي يأخذ موقفاً مناقضاً ، حيث ينهى الإنسان عن التعصب ، لأنه يقود إلى كل السلوكيات السلبية ، وكان ولا يزال وسيظل ، الفكر الديني الناتج عن إجتهادات العقل البشري ، من أهم أسباب التعصب ، لأن الكثير من الناس عادةً ما يتعصبون لأرائهم ومواقفهم ومصالحهم ، حتى وإن كانت غير صائبة ، ومن المعلوم بأن الأراء والأفكار البشرية الصادرة عن العقل ، تتوقف على حسب الحالة النفسية لصاحب الرأي والإجتهاد ، فعادةً ما نشاهد الاجتهادات المتشددة والمتطرفة ، تصدر من أناس يعانون من اضطرابات أو عقد نفسية ، ونشاهد الاجتهادات المعتدلة والمتوازنة ، تصدر عن أناس يتمتعون بحالة نفسية مستقرة وهكذا ، وأياً كانت الحالة النفسية ، والحالة الاجتماعية للعاملين في مجال الفكر الديني ، لا يمكن أن ترتقي أفكارهم الصادرة عن العقل البشري ، الى درجة الكمال والوصول الى مرتبة الحقيقة المطلقة ، وتظل في مرتبة النسبية ..!!
 
لأن الحقيقة المطلقة ....... 
لا يمكن أن تمتلكها مخلوقات أيا كانت ، من يمتلك الحقيقة المطلقة هو الله تعالى ، وبالتالي فٱن كل ما جاء من الله تعالى ، يجب الإيمان به كحقيقة مطلقة ، لا مجال للنقاش فيها أو الجدال ، فهناك قواعد ثابته في الدين ، يجب الإيمان بها كما أنزلت ، وخصوصا فيما يتعلق بالمعتقدات والغيبيات ، ولا يجوز الاجتهاد فيها مطلقاً ، وهناك قواعد غير ثابته ، وخصوصا فيما يتعلق بأمور الناس ومعاملاتهم الحياتية اليومية المتغيرة بتغير الزمان والمكان ، والتي جاءت على صور قواعد عامة ، سواء في السياسة أو الٱقتصاد أو المعاملات ، لتكون التفاصيل والجزئيات متروكة لإجتهاد العقل البشري ، وهذا ما يعطي تلك القواعد ميزة المرونة ويجعلها صالحة لكل زمان ومكان ، حتى تتناسب مع احتياجات الناس المتغيرة بتغير الزمان والمكان . وبالتالي فإن الاجتهادات البشرية حولها تكون متعددة لأن كل مجتهد ينظر إليها حسب ثقافته الدينية ، وحسب خبرته الحياتية ، وحسب حالته النفسية ...الخ ..!! 
 
 لذلك تتعدد الآراء والاجتهادات حول مسألة واحدة ، وهذا ما يدفعنا للقول بأنه ليس من العقل والحكمة التعصب لتلك الاجتهادات البشرية المتعددة والمتنوعة ، والطريقة السليمة والشرعية لكيفية التعاطي معها ، هي بعرض تلك الاجتهادات على غايات وأهداف الدين العامة وعلى العقل البشري والمصلحة العامة ، فما تطابق منها مع الوحي والعقل والمصلحة العامة أخذنا به ، وما تعارض منها مع الوحي والعقل رددناه ، وللعلم لا يوجد تعارض أو تناقض بين الوحي الإلهي ( القرآن الكريم ) وبين العقل البشري وبين المصلحة العامة ، بل إنه التكامل والانسجام . والخطأ الفادح الذي وقع فيه المسلمين ، أنهم أعطوا اجتهادات أئمة المذاهب والفقهاء هالة من القداسة ، جعلت من تلك الاجتهادات البشرية ديناً يتم التعبد به ، وقد تسبب ذلك في ظهور العديد من الإنحرافات والتشوهات في الدين الإسلامي بسبب تلك الإضافات الدينية البشرية التي حسبت عليه ، كما ساهم ذلك في تسرب العديد من الخرافات والأساطير من ثقافات أخرى إلى الفكر الديني الاسلامي ، وللأسف لقد وجدت تلك الاجتهادات والاضافات والخرافات من يتعصب لها من المسلمين ، نتيجة الجهل والتخلف وتعطيل العقل المسلم عن البحث والتدبر والتفكر ، وقد أدى ذلك الى انقسام الأمة الى مذاهب وفرق وطوائف متصارعة ومتنافرة ، وما زاد الطين بله هو تدخل السلطات الحاكمة في دعم تلك التعصبات والانقسامات ، حيث كانت كل سلطة تدعم المذهب الذي يتناسب مع توجهاتها السياسية ..!! 
 
وبذلك زادت وتيرة التعصب بين أتباع المذاهب ، وللدلالة على تقديسهم وتعصبهم لتلك الاجتهادات ، سخروا وقتهم واجتهادهم للدفاع عنها وجمدوا عقولهم عند تفسيرها وشرحها وتوضيحها ، وفي دلالة على وصول التعصب المذهبي الى أعلى درجات التقديس هو قيام أؤلئك المتعصبين بإغلاق باب الاجتهاد والاكتفاء باجتهادات أئمة مذاهبهم ، وهو ما قاد الأمة الى الجمود والتخلف ، لأن اغلاق باب الاجتهاد هو تعطيل للعقل ، وتعطيل العقل نتيجته الطبيعية ، هو التخلف ، والجهل ، والتراجع الحضاري ..وهناك ما هو أسوأ حيث ذهب التعصب الديني والمذهبي ببعض فئات المجمتع الاسلامي ، بعيداً بعيداً عن العقل والمنطق ، لدرجة جعل الخرافات والاساطير الدخيلة على الفكر والثقافة الاسلامية جزء من معتقداتهم الدينية ، ومنها على سبيل المثال خرافة تقديس وتعظيم البشر ، تاركين الوحي الإلهي ، والعقل ، والمنطق ، والآيات والبينات والدلائل الكونية ، والعلوم المادية المحسوسة والمشاهدة ، خلف ظهورهم ..!! 
 
كل ذلك رغم أن الله تعالى قد أوجب على كل مسلم تفعيل عقله من خلال التدبر والتفكر والتأمل في الوحي الإلهي ، قال تعالى (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب آقفالها )) ، وهذا يعني أنه ليس من الشرع  والعقل والمنطق ، أن تأخذ كل ما تسمع من الآخرين ، بدون تدبر وتفكر ، فإذا كان الله تعالى قد أوجب على المسلمين أن يتدبروا في آياته المقدسة ، التي تحمل في طياتها الحقيقة المطلقة ، فإنه من باب أولى يجب على كل مسلم ، أن يتفكر ويتدبر في كل الآراء والاجتهادات البشرية ، قبل أن يتعصب لها ، ويجعلها ديناً له . ولن أبالغ إذا قلت بأن التعصبات السلبية بكل صورها وأشكالها ، هي التي جعلت الأمة الاسلامية تقبع في مؤخرة الركب الحضاري ، وأحرمتها من الابداع والمساهمة الايجابية في مسيرة الحضارة البشرية ، كما أن ما تعيشة الأمة الاسلامية وخصوصا الدول العربية من صراعات مذهبية واقتتال داخلي ، ماهو الا نتيجة للتراكمات السلبية لتلك التعصبات ، وبذلك فإن السبيل الوحيد للأمة للخروج من أزمتها الراهنة والتحرر من تخلفها الحضاري ، هو التحرر من التعصبات بكل صورها واشكالها ، وعلى الأمة أن تعلم علم اليقين ، أن كل ما تعانيه من سلبيات ليست إلا نتيجة للتعصبات ، وتعطيل العقل . وبذلك يمكنني الخروج من كل ما سبق بخلاصة هامة جدا وهي أن تحرير عقولنا وأفكارنا من التعصبات السلبية وفي مقدمتها التعصب المذهبي ، وإطلاق العنان لها للتدبر والتفكر والبحث وعمل المراجعات الفكرية والفقهية اللازمة لتنقية الفكر الديني الإسلامي من الانحرافات والشوائب والخرافات والأساطير التي لصقت به ، هي أول خطوة لنا في الطريق الصحيح ...!!!!!