لماذا نقف مع حزب المؤتمر؟

01:00 2022/08/18

يظن البعض بأننا نقف في هذه المرحلة مع حزب المؤتمر بدوافع مصلحية ومادية، وهذا الظن ليس في محله، خصوصاً في هذا التوقيت بالذات، كون حزب المؤتمر بات خارج السلطة ولم يعد يمتلك خزائن الدولة ولم يعد يمتلك السلطة لتوزيع المناصب. وقد يكون ذلك الظن قريبا من الواقع عندما كان حزب المؤتمر هو الحزب الحاكم في وقت سابق، لأن العديد من أصحاب الأقلام المأجورة عادةً ما نراهم يتمسحون في بلاط الحكام للحصول على بعض الفتات، وعادةً ما نراهم يُمجِّدون الحاكم ويصنعون حوله هالة إعلامية زائفة وكاذبة بهدف تحقيق بعض المصالح النفعية والمادية.

وهذا الحال لا ينطبق على أصحاب الأقلام الوطنية الذين يقفون اليوم في خندق حزب المؤتمر لأنه لم يعد يمتلك أي مقومات سلطوية أو مادية. وهذا ما يؤكد براءتهم من الظنون الموجهه إليهم ويؤكد على أن وقوفهم مع حزب المؤتمر، وهو في أصعب مراحله السياسية، هو وقوف مع الوطن ومع المصالح العليا للوطن، وهو انحياز لصف الوسطية والاعتدال والديمقراطية والشورى والعدالة والمساواة، وهو نتيجة قناعتهم بفكر المؤتمر ومنهجية المؤتمر ومواقف المؤتمر المسؤولة والحريصة على الوطن ومصالحه العليا.

وبالنسبة لي شخصياً، بالإضافة لكون حزب المؤتمر هو التنظيم السياسي الذي أنتمي إليه سياسياً منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ، فقد كان لمواقفه السياسية الأخيرة أثر كبير في نفسي، بدءا بالمبادرات السياسية التي قدمها في بداية أزمة ٢٠١١، والتي قدم فيها العديد من التنازلات للأطراف السياسية الأخرى التي كانت كفيلة بإصلاح بعض السلبيات التي كانت ماثلة في تلك المرحلة، وكانت كفيلة بتحقيق نقلة نوعية للعمل السياسي وتحقيق المزيد من المشاركة السياسية. لكن الموقف السلبي للأطراف السياسية الأخرى أفشل تلك المبادرات وتسبب في تعثر العملية السياسية اليمنية برمتها.

وكان لذلك الموقف السياسي أثر كبير في نفسي؛ فقد جعلني أدرك جيداً بأن حزب المؤتمر حريص على المصالح العليا للوطن وحريص على تعزيز العمل الديمقراطي والمشاركة السياسية. ونفس الموقف جعلني أضع العديد من الظنون والشكوك وعلامات الاستفهام حول الأطراف السياسية الأخرى، لأنه لا يمكن لطرف سياسي وطني يضع المصالح العليا للوطن في رأس قائمة أولوياته أن يرفض تلك المبادرات السياسية، وكان ذلك الموقف أول محطة تجعلني أضع تلك الأطراف الرافضة لتلك المبادرات في دائرة التبعية للخارج.

وقد كانت محاولة اغتيال الزعيم الشهيد الصالح من بعض الأطراف السياسية المعادية لحزب المؤتمر، والمنخرطة في ما يسمى ثورات الربيع العربي، بمثابة المحطة الهامة التي من خلالها أدركت جيداً بأن هذه الأطراف السياسية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالحوار، ولا بالمشاركة السياسية وأنما تؤمن بالعنف والقتل والقوة ولن تتردد لحظة واحدة في استخدام كل الوسائل المحرمة لتحقيق أهدافها ومصالحها السياسية، دون أي اعتبار للمصالح العليا للوطن.

وأدركت في نفس الوقت مدى حكمة الرئيس الصالح رحمه الله ومدى حرصه على المصالح العليا للوطن ومدى حرصه على السلم الاجتماعي، لأنه من الصعب أن يتغلب إنسان على دوافع الانتقام والثأر وهو في أصعب الظروف بين الحياة والموت، إلا إذا كان يمتلك قدراً كبيراً من الحكمة وقدراً كبيراً من المسؤولية. وكان لهذا الموقف تأثير كبير في نفسي؛ فقد رسم صورة أكثر إيجابية عن حزب المؤتمر وقياداته ورسم صورة سلبية وقاتمة عن الأطراف السياسية الأخرى الضالعة في تلك الجريمة المروعة، وأكد لي تبعية تلك الأطراف لمشاريع وأجندات خارجية لأن من يعمل لخدمة وطنه ويحرص على مصالحه الوطنية العليا لن يقوم بتلك المغامرة التي كانت كفيلة بالزج بالوطن إلى مربعات العنف والاقتتال والفوضى، لتأتي المبادرة الخليجية والتي كان من بنودها تسليم الرئيس الصالح للسلطة، ليقوم بالالتزام بذلك البند ويقوم بتسليم السلطة بصورة سلمية، ليتوج بذلك العمل السلمي والحضاري كل مواقفه الإيجابية السابقة. وكان لذلك الموقف أثر كبير جداً في نفسي لأنه كان أول موقف أشاهد فيه رئيسا عربيا يقوم بتسليم السلطة لخلفه بشكل سلمي حرصاً منه على المصالح العليا للوطن، رغم أنه كان يمتلك من القوات والجيوش والجماهير والسلطة والمال والنفوذ والشرعية الانتخابية والدستورية الكفيلة  بجعله يرفض تسليم السلطة بشكل سلمي.

لتلك الأسباب وغيرها، أنا وغيري كثير من أصحاب الأقلام الحرة، نقف وبكل قناعة في خندق حزب المؤتمر؛ لأنه بمواقفه الوطنية السابقة الصادقة والمسؤولة أثبت بأنه يحمل مشروعاً وطنياً حضارياً تقدمياً بحجم الوطن، رغم أن الكثير من أصحاب الأقلام الوطنية الحرة الذين يقفون اليوم في خندق حزب المؤتمر يعيشون في أصعب الظروف المادية ويعانون أشد المعاناة نتيجة الظروف الاقتصادية القاسية ونتيجة انقطاع المرتبات بسبب الحرب. لكن كل ذلك لم يمنعهم من الانتصار لوطنهم ومن الانتصار للحزب الوطني الرائد، ومن الانتصار لقيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، ومن الانتصار للمنهجية الفكرية والدينية الوسطية، ومن الانتصار للمشروع الوطني الحضاري التقدمي المدني، فالقضية بالنسبة لهم قضية موقف ومبدأ ووطن، وليست قضية مصالح ومنافع.