التعدد والتنوع الفكري والسياسي

06:13 2022/07/21

يتضايق البعض عندما يسمع آراء مخالفة لرأيه وقناعاته الدينية أو الفكرية أو السياسية، وقد يدفعه ذلك التضايق إلى إصدار الأحكام المجحفه ضدهم، والتي قد تصل لحد القذف والاستهداف الشخصي والتجريح، بل إن الأمر قد يصل عند بعض المتشددين والمتطرفين دينياً وأيديولوجياً وفكرياً ومذهبياً لدرجة تكفير المخالفين لهم، وإخراجهم من رحمة الله تعالى، لمجرد مخالفتهم لهم في الرأي. والحقيقة أن اختلاف البشر في الأفكار والآراء سُنة إلهية وظاهرة كونية، ويجب على كل إنسان عاقل أن يؤمن بذلك، ويتعامل مع الناس على هذا الأساس، ويحترم آراءهم وأفكارهم.
والطريقة الوحيدة لتعديل أفكار الآخرين بما يتناسب مع أفكارنا وتوجهاتنا، هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدال والحوار بالتي هي أحسن، عن طريق المنطق والعقل والفكر، لإثبات صوابية أفكارنا، في محاولة لإقناع الآخرين بها. وهذه الوسائل الناجحة للحوار والنقاش الفكري مع الآخر الديني والحضاري والمذهبي والسياسي، جاء بها المنهج الإسلامي، وأمر المسلمين الالتزام بها في حواراتهم ومناقشاتهم الفكرية؛ وهو ما يجعل من الالتزام بآداب الحوار واحترام التعدد والتنوع واجب من واجبات الدين، وأي سلوك يتعارض مع ذلك فيه مخالفة للشرع الإسلامي.
 
وبذلك، فإن أساليب التهجم على الآخرين، بكل أنواعها من سب وشتم وتجريح وتكفير، أثناء الحوار والنقاش والجدال الفكري، هي أساليب العاجزين فكرياً والمختلين عقلياً، والمفلسين ثقافياً والمتعصبين دينياً ومذهبياً وطائفياً ومناطقياً، وهي أساليب يرفضها وينهى عنها المنهج الإسلامي. كما أن تحويل النقاش حول فكرة معينة إلى استهداف شخصي، سواء لصاحب هذه الفكرة أو أي شخص يدخل في نطاق الحوار، يدل على العجز والإفلاس الفكري والثقافي والحضاري. والمؤلم والمحزن هو التهجم الشخصي على الأموات والغائبين غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم. من أجل ذلك علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام بذكر محاسن الموتى وليس الإساءة لهم والتطاول عليهم. والصحيح هو الرد على الفكرة محل النقاش بفكرة أخرى تنقضها شرعياً أو منطقياً أو عقلياً. فالفكرة لا تنقضها ولا تهدمها إلا فكرة مثلها، ولا يمكن للقوة أو البطش أو الإجبار أو الإكراه أو الضغط، أن تقضي على الأفكار، بل قد تساهم في توسعها وانتشارها.
وبما أن العقيدة الدينية هي أفكار وآراء، فمن غير الممكن إقناع أحد بتلك الأفكار بالقوة والإكراه والاجبار، كون الأفكار من أعمال العقل وأعمال العقل من الأمور الشخصية والتي لا يمكن للآخرين معرفتها. من أجل ذلك جعل الإسلام موضوع اعتناق العقيدة مسألة اختيارية، يجب أن تقوم على الاقتناع والحرية والرغبة الكاملة، ونهى أشد النهي عن الإكراه والإجبار في مسألة العقيدة، قال تعالى (لا إكراه في الدين). وكذلك الأمر في كل الأمور ذات الصلة بالجوانب الفكرية، بما فيها الفكر السياسي، فإن الانتماء السياسي لأي حزب أو تيار سياسي، يجب أن يتم عن طريق الإقناع بالحكمة والمنطق والعقل والحجة والبرامج والأدبيات.
 
 وطالما أن ديننا أوجب علينا احترام إرادة الآخرين فيما يتعلق بالجانب العقائدي الأخروي، فإنه من باب أولى علينا احترام إرادة الآخرين فيما يتعلق بأفكارهم الدنيوية وانتماءاتهم السياسية، ويجب أن تظل الحكمة والجدال والحوار بالتي هي أحسن هي الوسيلة التي يجب أن نلتزم بها في كل حواراتنا ومناقشاتنا وخلافاتنا السياسية والدنيوية. ويجب أن يظل احترامنا للتعدد والتنوع السياسي سبيلنا الأفضل في نظرتنا للمخالف لنا، كجزء من معتقداتنا التي تجعل من هذا التنوع والتعدد والاختلاف سُنة من سُنن الله تعالى، فنحن عندما نحترم ذلك التنوع والتعدد والاختلاف، فإننا بذلك نؤكد إيماننا بسُنة من سُنن الله تعالى، وإيماننا بسُنن الله تعالى هو جزء من إيماننا بعقيدتنا.