القفز من فوق القوارب المتهالكة ..!!
طبيعة البشر منذ القدم وحتى اليوم ما إن يشعروا بأن القوارب التي يبحرون بها قد بدات تظهر عليها علامات التهالك والغرق حتى يسارعوا في القفز منها واحداً تلو الآخر طلباً للنجاة ، نعم إنها غريزة الحياة من تدفعهم للقيام بذلك ، فالقوارب هنا مجرد أداوات للركوب عليها والإبحار بها فوق الماء ، وتحقق لهم العديد من المصالح والمنافع ، من أجل ذلك تراهم وهم يصعدون عليها ويركبون فوقها ، فالمسألة هنا مسألة مصالح وفوائد ومنافع ، وهكذا هي حياة الإنسان وتحركاته في كل زمان ومكان ، تحكمها المصالح والفوائد والمنافع ، وعلاقته بكل من حوله محكومة بنظرية المصلحة ، سواء كان إنسان أو جماد أو حيوان أو آلة أو حتى نظام سياسي أو سلطة حاكمة ، فعلاقة الكثير من البشر مع السلطات الحاكمة علاقة مصالح وفوائد ومنافع ، ودعمهم لها وتأييدهم لها يتوقف على حجم ونوعية المصالح والفوائد التي يحصلون عليها منها ، وكلما زادت تلك المصالح والفوائد كلما زاد دعمهم لها ووقوفهم إلى جانبها وتأييدهم لها ، والعكس صحيح ..!!
وكلما كانت السلطة الحاكمة تنعم بالأمن والاستقرار والقوة والسيطرة ، وتغدق على أتباعها والمؤيدين لها المزيد من الأموال والثروات وتوزع عليهم المناصب والألقاب ، كلما تجمع الكثير من الناس حولها خصوصا أصحاب المصالح والنفوذ وأصحاب رؤوس الأموال وعشاق المناصب ، الذين تراهم دائماً يقفون مع من غلب ، ليس حباً فيه ولكن حباً في كسب المزيد من المصالح والمناصب ، والعجيب في الأمر أن القائمين على السلطات الحاكمة في كل زمان ومكان يصدقون أنفسهم ويظنون أن لهم مؤيدين وجماهير ومحبين ، وأنهم فلتة زمانهم وسوبرمانات عصرهم ، ما يدفعهم للغرور والتعالي والتكبر ، والقيام بسلوكيات سياسية وسلطوية سلبية تجاه الغالبية من ابناء شعوبهم وصولاً إلى ممارسة الاستبداد والقمع والظلم والطغيان ضدهم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، وهم يشاهدون أصحاب المصالح والمنافع والمناصب وعبيد من غلب وهم يلتفون حولهم يمجدونهم ويعظمونهم ويمدحونهم ، ويظهرون لهم بأن الشعب راضٍ عنهم وسعيد بهم ويقف إلى جانبهم وعلى استعداد للتضحية من أجلهم والدفاع عنهم ..!!
وما أن تتعرض السلطات الحاكمة لأول اختبار حقيقي يهدد وجودها واستمراريتها ، وما أن يدرك أصحاب المصالح والمنافع والمناصب بدنوا أجل تلك السلطات وظهور علامات تهالك قواربها ، سرعان ما يبتعدون عنها ويتبرأون منها ويبحثون عن قوارب نجاة جديدة للقفز عليها ، بل إن العديد منهم على استعداد لطعن وخيانة قيادات وطواقم ورجال تلك السلطات من الخلف ، ومساعدة الوافدين الجدد أصحاب القوارب الجديدة القوية والمتينة ، لكسب ودهم ورضاهم ولكي يسمحوا لهم بالقفز على قواربهم ، ليجد أصحاب السلطات المضطربة أنفسهم وهم وحدهم فوق قواربهم المتهالكة والمشارفة على الغرق وقد تركهم الجميع وتخلى عنهم الجميع ، ليواجهوا مصيرهم المحتوم وحدهم ، وليدركوا ولكن بعد فوات الأوان بأن أحدا لم يكن يحبهم أو يؤيدهم ، وأن كل ذلك الحب والتأييد هو للمصالح والمنافع التي كان يحصل عليها من كانوا يركبون فوق قواربهم ويستغلون سلطتهم ونفوذهم ، وليشعروا بالندم والحسرة وهم يشاهدون من كانوا يمجدونهم ويعظمونهم وهم يتقافزون من جوارهم ويتخلون عنهم ليواجهوا النهاية المأساوية المحتومة فوق قواربهم المتهالكة ، وهذا هو مصير كل السلطات الحاكمة عبر التاريخ البشري ، فما أن تبدأ علامات تهالك سلطاتها ، يقفز الكثير من حولها تاركين تلك السلطات تغرق وحدها مع قواربها وقياداتها وطواقمها ، وهذه هي طبيعة البشر الذين تحركهم وتتحكم بهم غريزة حب الحياة والمصالح والمنافع والفوائد ..!!