التجارة بمعاناة الشعوب

12:51 2022/06/26

قد يستغرب البعض من عنوان هذا المقال. وقد يظن البعض أن فيه شيئا من المبالغة، لكن للأسف الشديد هذا العنوان يحمل بين حروفه الكثير من الحقيقة المؤلمة؛ فهناك العديد من السلطات والجهات والأفراد يتاجرون بالفعل بمعاناة الناس وخصوصاً في زمن الأزمات والحروب، حيث يزدهر هذا النوع من التجارة بشكل كبير جداً، وتزدهر أوضاعهم المادية ويبنون امبراطوريات مالية كبيرة من معاناة ومآسي الشعوب المغلوبة على أمرها والواقعة تحت براثن كارثة الحروب والصراعات أو تحت سطوة سلطات قمعية واستبدادية وارهابية، لا تراعي ظروف شعوبها ولا تهتم بأحوال معيشتها ولا تلقي بالاً بما تعانيه من صعوبات وسلبيات.
ففي حين يعيش غالبية أفراد تلك الشعوب وهم لا يجدون ما يسد رمقهم ويخفف عنهم بعض جوعهم، ترى قلة قليلة من التجار والقائمين على السلطة وهم يستغلون تلك الأوضاع المأساوية للتجارة والتربح والكسب غير المشروع ، فتراهم وهم يديرون العمليات التجارية المشبوهة بكل حرفية ومهنية، وتراهم وهم يبتكرون الوسائل الكثيرة والمختلفة التي لم تخطر على بال إبليس ذاته لتحصيل الأموال والجبايات وإخراجها من جيوب الجوعى والمحتاجين والمحرومين، لتتكدس الأموال والثروات في مخازنهم وحساباتهم، على حساب المزيد من الفقر والمعاناة والفاقة لتلك الأغلبية المسحوقة.
نعم، إن التجارة بمعاناة الناس وآلامهم وأحزانهم تزدهر أحوالها وتتطور أوضاعها في ظل الفتن والفوضى وفي ظل غياب الدولة العادله والمسؤولة، وفي ظل ضعف الإيمان بالله وموت الضمير الإنساني، وفي ظل سيطرة قانون الغاب وتعالي صوت الباطل وخفوت صوت الحق، وعندما تكون الصولة والجولة لمصلحة الطغاة والمستكبرين والظلمة، لتصبح حريات وحقوق الشعوب المنكوبة مستباحة لكل طامعٍ وناهب ومجرم وفاسد وقاتل، فلا شرع يردعهم ولا قانون يزجرهم، خصوصاً إذا كانوا هم الشرع والقانون والسلطة، وهم التجار ورجال الاقتصاد وهوامير الفساد. وكلما زادت معاناة ومآسي الشعوب زادت شراهتهم في جمع الثروات وتطورت أفكارهم في طرق سلب واستخراج ما في حيوب الناس.
إن هذا النوع من البشر ليس لهم من الإنسانية إلا الاسم، فلا يطيب لهم المقام ولا يهنأ لهم عيش إلا على أنين الجوعى وآلام الثكالى ودموع اليتامى، ويمكن التعرف عليهم بكل يسر وسهولة، فهم من تزدهر أحوالهم وتنمو تجارتهم وتتعاظم ثرواتهم وتزداد أموالهم، في وقت تتعرض شعوبهم ومجتمعاتهم للمحن والفتن والحروب والصراعات والأزمات والفقر والجوع، وذلك لأنهم يستغلون تلك الأوضاع الكارثية والاحوال المأساوية للمتاجرة والتكسب غير المشروع. والمحزن أنهم يمارسون كل ذلك برعاية ومباركة السلطات الحاكمة، التي توفر لهم كل صور الحماية والدعم والتسهيل ، وبدلاً من أن تتحمل السلطات مسؤولياتها وتقوم بواجباتها تجاه شعوبها بشكل حازم في ظل هكذا ظروف استثنائية، تقوم بعكس ذلك تماماً لتمارس الابتزاز والسلب والنهب وحماية الفاسدين والمتاجرين بمعاناة ومآسي الشعوب، ولتتحول إلى أداة قمع وبطش لكل من يرفض سياساتها أو ينتقد فسادها وظلمها. وعلى كل حال، لا يمكن المتاجرة بمعاناة الشعوب إلا برعاية وحماية سلطوية، فهذه التجارة لا يمكن أن تزدهر بدون رضى السلطات الحاكمة، ولا يمكن أن تنشأ من حيث المبدأ في ظل سلطة حاكمة عادلة ومسؤولة، نقطة آخر السطر.