صنعاء بعد 11 عاما من الموت؟!

02:31 2022/06/08

كمية الخراب التي لحقت باليمن ليست بالهينة، ليس على مستوى البنية التحتية وتوقف البناء منذ العام ٢٠١١ فحسب، ولكن على كافة المستويات. والمشكلة الأكبر أننا لا زلنا في مرحلة الهدم، ولا نعلم متى سنتوجه إلى مرحلة البناء، أو على الأقل التوقف عن هد ما تم بناؤه سابقا. صورة لصنعاء من الجو دار جدل حولها بشكل واسع واختلف المختلفون: هذه صنعاء؟! ودخلت المقارنات السمجة والتي لا تتوافق لا مع المنطق ولا مع الواقع. زرت بغداد في العام ٢٠١٤، أي بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين رحمة الله عليه بأحد عشر عاما. كانت بغداد قبل هذا التاريخ أجمل العواصم بالنسبة لي، زرتها بعد أن تركتها إبان الاحتلال الأمريكي في العام ٢٠٠٣. كيف كانت بغداد في ذلك الوقت؟ كانت زهرة تتفتح كل يوم وتكبر وتنتشر في الأرجاء رغم الحصار والعقوبات الاقتصادية. الحقيقة التي لمسته بنفسي منذ أول زيارة لي لها في بداية التسعينيات عندما انعدم كل شيء، من الغذاء إلى الدواء إلى كافة مستلزمات الحياة والمواد الأولية للصناعات المحلية والغذائية. حتى المشروبات الغازية كانت معدومة! الدواء تذهب إلى الصيدلية ويتم تحضيره لك من الاعشاب، حليب الأطفال معدوم، الدقيق، السكر... لا شيء مستوردا على الإطلاق، وكل الصناعات المحلية متوقفة، حتى جاءت اتفاقية النفط مقابل الغذاء بعد أعوام من القحط. مع ذلك، كانت عجله البناء تسير، بناء ما تضرر خلال حرب الخليج، افتتاح مدن سكنية جديدة، جسور، شق طرق، أبراج وحدائق ومتنزهات. والحقيقة أنني زرت العراق لأول مرة في العام ٩٢، أي بعد أقل من عامين من انتهاء الحرب، ولم يعد هناك أي آثار للبنايات التي تعرضت للقصف. فقد تمت إعادة إعمارها بشكل كامل باستثناء وزارة العدل في شارع حيفاء، كانت في اللحظات الاخيرة من إعادة بنائها، وملجأ العامرية الذي تعمدت السلطات تركه على حالته بعد القصف. كانت بغداد إلى يوم إعلان الحرب الأخيرة في العام ٢٠٠٣ تبني وتعمر في البنية التحتية ومحاولة اللحاق بركب العواصم الكبيرة. خرجتُ منها في اليوم الثاني عشر من بدء الحرب عام ٢٠٠٣، وعدت إليها في العام ٢٠١٤ وكلي شغف وشوق لبغداد. ياااا إلهي .. هل هذه بغداد ؟ وجدتها كما كانت عليه قبل أحد عشر عاما ولكنها لم تعد تلك المدينة الجميلة التي كنت أعشقها. لم يتغير فيها شيء سوى نقاط التفتيش في كل كيلومتر والتي لم تكن مألوفة، لم يتغير فيها شيء فعلا، إلا أنها لم تعد بغداد التي عرفتها وأحببتها منذ طفولتي. بانت كوجه عجوز تقدمت بالعمر وظهرت التجاعيد على وجهها وتكاد تستطيع استعادة أنفاسها. قال لي سائق التاكسي الذي رافقني طوال اليوم بعد أن تآلفنا، إنه لا يوجد شارع واحد تم شقه بعد رحيل الرئيس صدام حسين. ماذا تريدون من صنعاء بعد أحد عشر عاما من توقف البناء فيها، بل وهدم كل ماتم بناؤه ولا زلنا مستمرين في ذلك ولا نعلم متى سنتوقف.