ما يحتاجه اليمن واليمنيون

07:31 2020/03/09

من يتابع الواقع اليمني منذ 2011م، وما تمخض عنه من كوارث كان أبرزها ما حدث من اجتياح للعاصمة وإسقاط الدولة ومؤسساتها منذ مطلع 2015، فإنه قد يُدرك الأسباب العديدة وتشابكها وتعقيداتها، ولكن يبقى سبب رئيس فيها ويتمثل في حاجة اليمن للشخصية القيادية السياسية التي تُدير الدولة، بمفهوم الدولة الحقيقية والقوية، والدولة الجامعة لكل أبناء الشعب وليس لفئة بحد ذاتها أكانت حزبية أو مناطقية أو سلالية، وعند الحديث عن شخصية من يقود الدولة تحديداً لا نقصد بذلك التشهير لأي شخصية من الشخصيات التي لعبت دورًا في تلك الأزمة "رغم أنها شخصيات فاسدة مفسدة عاجزة لا يؤثر فيها نقد ولا تقذيع".
 
فالواقع المعاش والحال الذي وصلنا له في اليمن جراء "فشل" الشخصية السياسية القيادية وفساد بعض الشخصيات العسكرية وتحول الأمر من واجب وطني مقدس هو "استعادة الدولة" إلى مجرد بيع وشراء وتقدم وتقهقهر وفقاً لتوجهات حزبية وخضوعاً لمنطق "الربح والخسارة المادية" التي يتحرك وفقها قادة "الشرعية" من ساسة وعسكريين.
 
ومما لا شك فيه أن أية شخصية قيادية تقود الدولة في "كل دول العالم" أو لنقل في أي "حكومة تحترم نفسها" فإنها تضع خططها وتقديراتها بناءً على الشواهد والأدلة التي تراها بالبصيرة المتاحة، إضافة إلى امتلاكها الشعور والإحساس الوطني، ولديها المعرفة والدراية بقدرة شعبها على تحمل تكاليف إنجاز تلك الخطط والتطلعات، وهذا للأسف يغيب كلياً في شرعية الفندق وجماعة المقر وحكومة الفيسبوك اليمنية.
 
كما أنه لا يصح أن تكون خطط وتقديرات تلك القيادة السياسية مكشوفة دون التأكد من وجود نظام حماية داخلي ضد أي تدخلات خارجية، إلا في اليمن فالحكومة الشرعية مشكلة من "جهة حزبية" معروفة بارتباطها وولائها الخارجي وفقاً لما تفرضه أدبيات التنظيم الإخواني الإرهابي، ولذا فكل ما تخطط له ليس فقط مكشوفاً للخارج بل يُطرح للنقاش والإضافة والحذف وفق مصالح الدوحة وأنقرة، ولذا لا غرابة إن رأينا كل هذ االتخبط والخسران.
 
من المتعارف عليه أن أية قيادة سياسية في العالم بأسره تمثل وتستند على قوى اجتماعية، حيث تعمل تلك القوى على حماية شرعية تلك القيادة، وتعمل تلك القيادة في الوقت نفسه وبشكل حثيث نحو التأكد من كون القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي لا تزال كما كانت، فهي مبرر بقائها في السلطة، وعلى هذا النحو يتوجب استمرار الصلة بين القيادة السياسية التي تتولى إدارة الدولة والقاعدة الاجتماعية، وهنا لا بد أن تكون تلك القاعدة الشعبية مكونة من كافة أطياف الشعب وليس من جماعة متطرفة وحزب إقصائي، وإلا فهي ليست قيادة وطنية جامعة ولن تحظى بالقبول لأن همها الحقيقي ليس خدمة الوطن وتخليص الشعب مما يعانيه، بل مجرد "ارجوزات" تحركها المصالح الذاتية والحزبية مهما تشدقت بالوطن والدفاع عنه ولنا فيما حصل في "نهم" و"الجوف" عبرة وعظة.
 
يتوجب أن تكون القيادة السياسية التي تقود الدولة مؤسسة قوية واحدة وسلطة واحدة، وليس مجموعة قيادات، كل منهم يمتلك دويلة خاصة به، هكذا يقول المنطق والعقل، إلا أن ما نعيشه يثبت أي عاهات نمتلك فالرئيس "نائم" وابنه يحكم ويتحكم بأسلوب "كم العائد لي" الذي يجيده بامتياز، ونائب الرئيس يسهر الليالي ويوصلها بالنهار مكافحاً مناضلاً في سبيل تمكين الإصلاح وزرعهم في كل مفصل عسكري أو أمني أو مدني، وحاشية الرئيس مهتمة بالمعارك "الفيسبوكية" والاستثمارات الشخصية، وجميعهم "رئيس ونائب ووزراء وحاشية" يعملون بكل قواهم على استمرار وإطالة أمد الحرب ما داموا "مغتربين" ويأتيهم المال والدعم من كل حدب وصوب، وما دامت المملكة مصرة على تنظيرات سفيرها "آل جابر" ورهانها على العاجزين والفاشلين والانتهازيين فلا نقول إلا كما يقول المثل "رزق الهبل على المجانين".
 
لو أن النخب اليمنية غير المؤمنة بمنطق الحرب واستثمار المآسي، وكذلك دول الإقليم يبحثون صدقاً عن ماذا يريد الشعب اليمني للخلاص الحقيقي من كهنوت ذراع إيران في اليمن "الحوثيين" ومن "عملاء قطر وتركيا" الإصلاحيين، لوجدوا أن اليمن بأشد الحاجة إلى قيادات سياسية تمتلك مشروعاً وطنياً صادقاً وواضحا، ومعها قيادات عسكرية مؤهلة وشجاعة تعمل على فرض هيمنتها وسيطرتها على الأراضي اليمنية، فمن الظلم أن يظل مصير اليمن ومستقبل شعبه مرهونا بشخصيات جُربت ألف مرة وفشلت وأصبحت للعجز والخيانة والفشل عنواناً.