هل يدفن المشروع الحوثي بالحديدة؟
إن أكبر عمل حقوقي وإنساني يمكن تقديمه لليمنين هو تخليصهم من الحكم الكهنوتي العنصري للحوثيين
وليس هناك أقبح من ادعاء الإنسانية والبكاء تحت يافطة الوضع الإنساني، إلا السكوت عن الجرائم بحق الإنسانية التي ترتكبها المليشيات الحوثية بحق اليمنيين عامة، وأبناء الحديدة بشكل خاص.
* لقد ارتفعت الأصوات عالياً باسم الإنسانية بعد أن طرقت القوات المشتركة أبواب الحديدة، ومع صوتها المرتفع لم نسمع أنها راحت تقدم المساعدات والإغاثة للمدنيين التي تدعي أنها تدافع عنهم، ولكنها راحت تستخدم معاناتهم لتوظيفها سياسياً في صراعها مع دول التحالف من جانب، وبين الأطراف اليمنية المختلفة من جانب آخر.
إنها نظرة سياسية من باب الإنسانية لعدة أسباب:
الأول: أن الحديدة قبل عام دخلت في ماسأة إنسانية مرعبة، وصلت إلى المجاعة، قبل أن تبدأ العمليات العسكرية الحالية، ولم نر العالم المتسلح بالإنسانية وقتها، بل ظلت دول التحالف هي من تحمل على عاتقها الأمر، وقدمت الإغاثة والدعم حتى تم تجاوز جزءاً كبيراً من المأساة.
الثاني: إن الحوثيين لم يكتفوا بالتسبب في تلك المأساة الإنسانية لأبناء الحديدة، بل قاموا بالاستيلاء على المساعدات الإنسانية المقدمة من دول التحالف بعد دخولها، ومنعوا 19 سفينة من الدخول إلى ميناء الحديدة، رغبة منهم في استثمار هذه المأساة، بل واستعجال تفاقمها لتوظيفها سياسياً وهي طريقة كان ييتبعها أمراء الحرب بالصومال بعد انهيار الدولة مطلع تسعينات القرن العشرين.
الثالث: اجتاحت الكوليرا والأمراض الحديدة، وكل ما قام به دعاة الإنسانية أن كتبوا التقارير وروجوا لها إعلامياً، حتى تدخلت دول التحالف دون سواها لتقديم العلاج وتجاوز المأساة.
الرابع: قدمت دول التحالف دعماً مالياً بالمليارات لتجاوز المشكلات المختلفة في اليمن والتي كان الحوثيين سبباً فيها، وتجاوز إجمالي ما قدمته لليمن 17 مليار دولار، وأعلنت قبل أيام عن جسر جوي وبحري وبري لإيصال المساعدات إلى الحديدة.
الخامس: لم ألحظ في كل المواجهات التي تمت بمعظم الجبهات مراعاة للجانب الإنساني وتجنيب تعريض المدنيين للصراع كما رأيت الآن في العمليات العسكرية التي تتم بالساحل الغربي، ولعل رؤية ذلك سهلاً من خلال الاطلاع على ماجرى بالمدن والقرى المحررة، حيث تمت العمليات بشكل عسكري مدروس كشف عن وجود استراتيجية تراعي الجانب الإنساني وأن من يقودها عسكريون لهم خبرة ومراس.
السادسة: أن الحوثيين فقط من كانوا يستخدمون المدنيين كدروع في كل المواجهات بالساحل الغربي، وعندما تتم هزيمتهم يعاودون القصف على تلك المدن بشكل انتقامي ودموي، دون مراعاة للقانون الدولي الإنساني وكل المواثيق الدولية الانسانية.
السابع: أن من يحفر الخنادق ويستعد لحرب الشوارع بالحديدة، ويعتلي أسطح الفنادق والمباني، ويلغم الأرض والمنشآت المدنية، بما فيها المطار والميناء، ويحارب بطريقة الأرض المحروقة هم الحوثيون.
الثامن: أن من قام باقتحام المزارع الخاصة، وحول المدنيين وممتلكاتهم إلى مواقع عسكرية، بعد أن قام بالنهب والسلب وفرض الجبايات وقطع مرتبات الناس وأرزاقهم طوال الفترة الماضية هم الحوثيين، وهم أنفسهم من يتحدثون الآن عن الكارثة الإنسانية باعتبارها متراس يقفون خلفه، لإيقاف تقدم القوات المشتركة، وخوفاً من هزيمة باتت وشيكة وأقرب إليهم من حبل الوريد.
التاسع: صرح قادة حوثيون ومن على قناتهم المسيرة أنهم يريدون استدراج القوات المشتركة إلى حرب شوارع طويلة داخل الحديدة، وأنهم أعدوا العدة لذلك، وحتى إن كان ذلك من باب إخفاء هزيمتهم، فإن ذلك يكشف غياب أي اعتبار للمدنيين في قاموسهم وتاريخ حروبهم.
ذلك القيادي الذي كان يتبجح برجولته الزائفة قال إن القوات المشتركة المسنودة بدعم التحالف لو كانوا رجالاً لما ختاروا المواجهة في أرض مفتوحة بل الدخول إلى المدينة لقتالهم.
العاشر: أن أغلب المساعدات المالية المقدمة من الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الأممية من أجل العمل الإنساني باليمن -إن لم يكن كلها- مقدمة من دول التحالف، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
لم يعد هناك لَبْس في الأمر، فالتمترس خلف المأساة الإنسانية ليس أكثر من تكتيك سياسي يراد منه تحقيق أطماع بقاء سلطتهم جاثمة على أنفاس وأرواح أبناء الحديدة، والحفاظ على مصالحهم التي يجلبها لهم مينائها وإيراداتها، وما تفرضه من جبايات غير قانونية على أبناء هذه المحافظة المقهورة بسلطتهم الكارثية.
في ذات السياق، فإنني أرى أن تركيز الجميع على العمليات العسكرية التي تجري هناك على المطار والميناء، فيه اجتزاء وعدم إنصاف لعدة أسباب:
الأول: أن معظم تعزيزات الحوثيين ومقاتليهم تم الدفع بهم خلال اليومين الماضين إلى الساحل الغربي بهدف قطع الإمداد عن قوات العمالقة، التي تحكم منذ هذا الصباح سيطرتها على المطار، وتقوم الان بتمشيطه .
الثاني: سطرت قوات حراس الجمهورية بطولات فاقت كل التوقعات عندما أفشلت هذا الاختراق، بل وحولت المعركة إلى محرقة لتلك المليشيات، التي دفعت بكل قواتها لتحقيق نصر يعيد لها توازنها وثقة أنصارها بها.
الثالث: خسرت الميلشيا أبرز قادتها في هذه المواجهات، وبلغ عدد أسراها بالمئات، وهي تحاول باستماتة الزحف للوصول من مفرق العدين والجراحي والفازة وزبيد وبيت الفقيه وغيرها إلى الساحل، فكان مصيرها الموت والأسر على يد أبطال حراس الجمهورية، وباءت كل وعود قادة المليشيات بالمفاجآت بالفشل ومنيت كل طموحاتها بالهزيمة.
لقد أصبحت معركة الساحل الغربي هي أم المعارك بامتياز وهناك يدفن الأبطال المشروع السلالي الطائفي العنصري.
وباعتقادي أن معركة الساحل تضع الحوثيين بين سيناريوهين:
الأول: أن يعودون إلى النشأة الأولى، مليشيات تتمركز في أعالي الجبال، تحفر الكهوف وتقوم بعمليات بين الحين والآخر، وقد بشر بهذا زعيمهم في خطابه الذي أقر فيه بالهزيمة بالحديدة.
الثاني: أن تحدث عمليات انشقاق داخل الحركة الحوثية، شق يدعو للسلام والحوار والمشاركة السياسية، وشق ينحصر في الحوثية كأسرة ومنهج مسلح ومتطرف، على شاكلة داعش والقاعدة وبوكوا حرام وطالبان، لتكون في مواجهة مع الدولة اليمنية والإقليم والعالم.
وفي كل الحالات فإن ما يظهر على السطح أن اليمنيين، ومن الحديدة تحديداً، يشيعون المشروع الحوثي إلى مثواه الأخير