
سفن الأسلحة الأذرية تثير "أزمة مكتومة" بين إريتريا وإثيوبيا
كشفت مواقع إخبارية إريترية نقلاً عن مصادر مطلعة أن السفن الأذرية الثلاث التي أُوقفت من قبل قوات خفر السواحل الإريترية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، كانت تحمل معدات عسكرية ثقيلة ومتوسطة تتضمن رادارات وذخيرة لطائرات من دون طيار، إلى جانب شحنات رصاص كانت إثيوبيا قد اشترتها من جمهورية أذربيجان، حيث أبحرت السفن الثلاث نحو ميناء جيبوتي قبل أن تقع في قبضة القوات البحرية الإريترية بعد اختراقها المياه الإقليمية بنحو 20 كيلومتراً.
وبحسب المصادر ذاتها فإن السلطات الإريترية أوقفت السفن التي تحمل العلم الأذري وطاقمها المكون من نحو 27 شخصاً لدخولهم المياه السيادية من دون إذن.
وأضافت المصادر المقربة من النظام الإريتري أن احتجاز السفن الأذرية تم قرب المنطقة الجنوبية الشرقية من ميناء "بيلول" القديم شمال ميناء "عصب" الإريتري، مؤكدة أن السفن المحتجزة التي تحمل أسماء CMS Pahlia وCMS İgid وCMS-3 تُشغل من قبل الفرع الأذري لشركة Caspian Marine Services BV.
أزمة صامتة وحرب محتملة
وكانت السلطات الأذرية اتصلت بالسلطات الإريترية بغرض إطلاق سراح السفن، لكنها فشلت في الوصول إلى حل، وبحسب المصادر الإريترية فإن من المرجح أن التحقيقات التي أجريت مع الطاقم كشفت عن أن السفن لم تكن في طريقها إلى منطقة الخليج العربي كما ُروج لذلك من قبل الإعلام الأذري، بل إلى الجارة الجنوبية لإريتريا، لا سيما أن علاقات البلدين تشهد أزمة صامتة تنذر بحرب محتملة.
وأوضحت المصادر أن السلطات الإريترية قررت الاستيلاء على المعدات العسكرية وإخضاع طاقمها للتوقيف إلى حين تقديم إيضاحات كافية من الطرف الأذري .
وفي حين أرسلت باكو مذكرة دبلوماسية إلى الحكومة الإريترية عبر سفارتيها في كل من أديس أبابا وموسكو، ولا تزال إثيوبيا تلتزم الصمت حيال الأمر.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية في أذربيجان أيخان حاجي زاده، ذكر أن بلاده قدمت احتجاجاً لدى إريتريا في شأن احتجاز ثلاث سفن ترفع علم أذربيجان وأطقمها.
وقال المتحدث إن "العمل جارٍ لحل القضية والإفراج عن السفن وأطقمها وتقديم المساعدة القانونية القنصلية اللازمة". مضيفاً لوسائل إعلام محلية أن إريتريا احتجزت السفن الثلاث وأفراد أطقمها وعددهم 18 فرداً جميعهم من مواطني أذربيجان بعد دخولهم المياه الإريترية، بسبب سوء الأحوال الجوية، بينما كانت السفن في طريقها إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي عبر قناة السويس.
تأميم المعدات العسكرية
من جهتها نقلت مواقع إخبارية إثيوبية أن السفن كانت تحمل معدات عسكرية موجهة إلى إثيوبيا اتفق عليها في مايو (أيار) 2024 بين نائب رئيس الوزراء الإثيوبي تمسغن طرونه ورئيس وزراء أذربيجان علي أسدوف، أثناء زيارة الأول للعاصمة الأذرية باكو.
وذكرت وكالة أنباء إثيوبية مقرها الولايات المتحدة أن الوجهة المقصودة كانت ساحل جيبوتي، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السفن قادمة مباشرة من أذربيجان أم من مكان آخر.
ونقلت "قناة أتيو فوروم" عن مصادر إثيوبية قولها إن السفن الثلاث اخترقت المياه الإريترية نتيجة سوء الأحوال الجوية مما عرضها للتوقيف منذ ثلاثة أشهر، مؤكدة أن أديس أبابا تحاول التوصل إلى حل عبر طرف ثالث، ومشيرة إلى أن زيارة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد للعاصمة الإريترية أسمرة في الـ30 من الشهر الماضي جاءت في هذا الإطار.
وأوضحت المصادر الإثيوبية أن أديس أبابا تحاول تجنب المواجهة مع الطرف الإريتري، بخاصة أن العلاقات بين البلدين تشهد توتراً ملحوظاً على مستويات عدة، من بينها تجميد الاتفاقات التي توصل إليها أثناء تحالف الطرفين في حرب تيغراي الأخيرة، إذ أسهمت إريتريا بوحداتها العسكرية في الحرب، إلى جانب اتفاقها مع أديس أبابا لتقديم معدات عسكرية مختلفة تصل قيمتها إلى 16 مليون دولار على أن تلتزم أديس أبابا سدادها لاحقاً، مما تنصلت منه إثيوبيا بعد توقيعها اتفاق "بريتوريا للسلام" مع جبهة تحرير تيغراي في نوفمبر 2020.
وتضمنت المعلومات التي بثتها القناة المستقلة أن أسمرة قررت الاستيلاء على كل المعدات العسكرية الأذرية مقابل الديون المستحقة على إثيوبيا، مما وضع الأخيرة في موقف تفاوضي ضعيف، كما أن كلاً من أسمرة وأديس أبابا تنشطان الآن في تحالفات سياسية وعسكرية متباينة مما يصعب معه التوصل إلى حل منظور في شأن أزمة السفن .
إثيوبيا ليست طرفاً
بدوره رأي المتخصص في الشأن الإثيوبي غيداون بيهون أن أديس أبابا لم تتحدث رسمياً عن حيازتها حمولة السفن الأذرية، لكن وسائل إعلام مقربة من النظام أكدت تلك المعلومات، مشيراً إلى أن من حق إثيوبيا إبرام صفقات سلاح من أي جهة دولية ما دامت غير معرضة لأي عقوبات تتعلق باستيراد الأسلحة، وأن أزمة السفن الأخيرة تتعلق بالأساس بالطرفين الإريتري والأذري، إذ إن الصفقات غالباً ما تعتمد على تسلم الحمولة في أقرب ميناء بحري للدولة، لذا فإن الطرف الأذري مسؤول عن تسليم الصفقة في ميناء جيبوتي.
ويضيف غيداون "في القانون الدولي، الدولة التي تحمل السفن علمها الوطني مسؤولة بصفة أساس عن حل مثل هذه المشكلات"، موضحاً أن الصمت الإثيوبي تجاه هذه الحادثة يتسق مع القانون الدولي، فإذا كان ثمة مخالفة تتعلق بالمرور البحري فإن الأمر ينبغي حله في إطاره القانوني بين الطرفين الإريتري والأذري.
وينوه بأن قرار التأميم في حال صحته يعد مخالفة واضحة لـ"قانون البحار"، إذ إن ثمة إجراءات قانونية لأي خرق قد تقع فيه السفن أثناء مرورها في المياه الاقليمية، سواء لسوء الأحوال الجوية أو لأي سبب تقني.
ويدحض المتخصص الإثيوبي الخلط المتعمد بين الاتفاقات الثنائية الموقعة بين إريتريا وإثيوبيا، والمرور المخالف للقواعد الذي وقعت فيه السفن الأذرية، إذ لا يصح أن تضع السلطات الإريترية يدها على حمولة السفن بخاصة إذا كانت مملوكة لطرف ثالث.
ويتوقع غيداون حلحلة الأزمة بين الطرفين بعيداً من الطرف الإثيوبي حتى ولو كان معنياً بحمولة السفن الثلاث، إذ لا يمكن اعتبار الحمولة مملوكة لإثيوبيا إلا بعد رسوها في المرفأ الجيبوتي، موضحاً أن العلاقات المتوترة بين أسمرة وأديس أبابا أسهمت بصورة واضحة في تفاقم أزمة السفن الثلاث، ومؤكداً أن مثل هذه الحوادث معتادة في الملاحة الدولية، وتُحل في إطار القواعد المعروفة من دون اللجوء إلى تفريغ الحمولة أو إيقاف الطواقم لفترات طويلة.
غموض الوجهة
من جهته يرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي حسن الأمين، أن هناك تضارباً واضحاً في معلومات الطرف الأذري، إذ روجت وسائل الإعلام الأذرية، بما فيها المملوكة للدولة، في البدء أن السفن تنشط في إطار تجاري خاص، وأنها كانت في طريقها إلى ميناء أبوظبي الإماراتي، وادعت أنها تحمل بضائع تجارية، فيما ذكرت بعض المواقع الأذرية لاحقاً أنها تحمل معدات عسكرية في إطار تعاون قانوني بين باكو وإحدى الدول الأفريقية من دون ذكرها بالاسم.
ويضيف الأمين "حتى اللحظة لم تذكر السلطات الرسمية في باكو أن السفن تحمل معدات عسكرية، أو أنها كانت في طريقها إلى ميناء جيبوتي الذي تستخدمه إثيوبيا ميناء رئيساً لاستيراد البضائع فضلاً عن المعدات العسكرية، ولكن طبيعة التعامل الإريتري تكشف عن وجود أزمة تتجاوز حادثة خرق القواعد البحرية نتيجة سوء الأحوال الجوية، مؤكداً أن التعاطي الحذر والسرية التامة في معالجة الحادثة من الطرف الإريتري يرجحان أن الأمر يتعلق بحمولة عسكرية متجهة إلى إثيوبيا" .
ويربط المتخصص في شؤون القرن الأفريقي بين التوترات القائمة بين أديس أبابا وأسمرة على خلفية تباين الرؤى حول ملفات إقليمية تتعلق بأمن البحر الأحمر وسعي إثيوبيا إلى إيجاد منفذ بحري، وبين تعقد أزمة السفن الأذرية، مشيراً إلى أن هناك حالاً من الحذر بين العاصمتين تشي بإمكانية قيام حرب محتملة، ومن الطبيعي أن تتخذ السلطات الإريترية إجراءات قوية تجاه أي شحنة سلاح تصل إلى إثيوبيا، بخاصة أنها اخترقت المياه الإريترية من دون إذن.
وينوه الأمين بتسريب خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في لقائه بكوادر الحزب الحاكم في أديس أبابا، وحديثه عن أن حكومته قد وقعت صفقات سلاح استراتيجية ستحمي البلاد من المتربصين الذين حددهم بـ"إريتريا ومصر".
ويضيف "إن صح هذا التسريب الذي لم تنفه السلطات الإثيوبية حتى الآن، فإن اتفاق باكو قد يكون إحدى الصفقات المشار إليها في الخطاب"، موضحاً أن الخطاب المسرب تضمن نيات عدوانية تجاه إريتريا، إذ هدد آبي أحمد بتحويل العاصمة الإريترية إلى غزة جديدة في غضون أسابيع إذا ما أقدم النظام الإريتري على أي خطوة عدوانية تجاه إثيوبيا.
ويختم الأمين بأن امتناع الطرف الإريتري عن الإدلاء بأي تصريحات، ورفضه استقبال مسؤولين رسميين من باكو يؤكد أنه يسعى إلى استغلال هذه الحادثة ضد جارته إثيوبيا من خلال تحييد الطرف الذي تحمل السفن علمه.
من جهة أخرى نقل أحد المواقع الإخبارية الأذرية أن السفن تحوي معدات عسكرية تخص إثيوبيا وفقاً لصفقة وُقعت في مايو (أيار) 2024 بين نائب رئيس الوزراء الإثيوبي تمسغن طرونه ورئيس وزراء أذربيجان علي أسدوف، كاشفاً عن أن السلطات الإريترية لم ترد على طلب زيارة مسؤولين أذريين العاصمة الإريترية أسمرة.
ونقل الموقع عن إحدى عائلات الموقوفين أنهم فقدوا الاتصال بذويهم منذ توقيفهم بإريتريا في السابع من شهر نوفمبر 2024.