
نذر حرب جديدة بين إريتريا وإثيوبيا... السيناريوهات المحتملة
ذكرت مصادر إعلامية أن حكومتي إثيوبيا وإريتريا قد حركتا قواتهما في الحدود المشتركة بين البلدين، وذلك استعداداً لحرب محتملة في أعقاب إطلاق البلدين حملات إعلامية معادية.
ونشرت مواقع إخبارية إثيوبية مقاطع فيديو تظهر حشوداً عسكرية إثيوبية تتجه إلى المناطق الحدودية مع إريتريا، تشمل دبابات ومضادات طيران إضافة إلى عربات تحمل وحدات من الجيش الإثيوبي.
يأتي ذلك بعد أيام من احتفالات الجيش الإثيوبي بذكرى انتصارات "موقعة عدوة" ضد التوغل الإيطالي في الأول من مارس (آذار) 1896.
وكان قائد الأركان الإثيوبي المشير برهانو جولا قد ذكر في خطابه بالمناسبة أن بلاده تعمل على استعادة موانئها التاريخية، حتى تعود كقوة ضاربة في استراتيجيات البحر الأحمر، وذلك في إشارة إلى سعيها لاستعادة الموانئ الإريترية التي فقدتها في عام 1993 بعد إعلان استقلال إريتريا، إثر استفتاء شعبي رعته الأمم المتحدة.
وجاء خطاب جولا متسقاً مع استراتيجية رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي أعلنها أمام البرلمان الإثيوبي عام 2023 حول أحقية إثيوبيا للمطالبة بمنفذ بحري سيادي، معتبراً أن "حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ملس زيناوي ارتكبت خطأ تاريخياً باعترافها باستقلال إريتريا"، مشيراً إلى أن ذلك أفقد بلاده "ميزات استراتيجية".
من جهة أخرى، أعلن آبي أحمد الأسبوع الماضي افتتاح شركة لتصنيع الطائرات من دون طيار للاستخدام المدني والعسكري، وقال إن هذا التطور يمثل علامة فارقة لتحقيق أهداف إثيوبيا العسكرية، موضحاً أن الشركة تستهدف إنتاج مسيرات تنفذ المهام بدقة بما يحفظ لبلاده التفوق العسكري في المنطقة، ويسمح بانتقالها من مرحلة استيراد المعدات العسكرية إلى تصديرها.
بدوره، حذّر الجنرال صادقان جبرتنسائي نائب رئيس حكومة إقليم تيغراي، أن الحرب بين إثيوبيا وإريتريا باتت على وشك الاندلاع، مؤكداً أن الاستعدادات العسكرية بلغت مراحل متقدمة.
وأشار الجنرال الذي سبق أن شغل منصب قائد أركان الجيش الإثيوبي، في مقال نشره موقع "أفريكان ريبورت"، إلى أن الحرب في حال اندلاعها قد تمتد إلى دول الجوار، ولن تبقى جغرافية الدول كما نعرفها الآن، بل ستشهد منطقة القرن الأفريقي بأكملها، وما وراءها، إعادة تنظيم سياسية كبرى في منطقة البحر الأحمر ككل، وذلك في إشارة إلى إمكانية احتلال إثيوبيا لميناء "عصب" الإريتري.
ولفت إلى أن قادة إقليم تيغراي يسعون جاهدين لتجنيب البلاد ويلات الحرب وتعزيز السلام، لكن الخيارات المتاحة تضيق بسرعة، مما يجعل النزاع المسلح احتمالاً مرجحاً.
حذر إريتري
من جهته، قال وزير الإعلام الإريتري يماني قبرى مسقل إن هناك هوساً بالحرب يجتاح بعض الدوائر السياسية في إثيوبيا، واصفاً التصريحات الصادرة من مسؤولين إثيوبيين حول الحرب بأنها "حالة غريبة حقاً".
وقال يماني في تدوينة على منصة "إكس"، "نشهد يومياً تقريباً تصاعداً في التشويه والمراجعات للتاريخ القديم والوسطي والحديث للمنطقة، والرفض الصارخ للأحكام ذات الصلة بالقانون الدولي، وإعادة التدوير غير المسؤول للدعاية التحريضية".
ورأى أن ذلك يأتي في إطار التبرير للحرب بغرض تحقيق أهداف غير قانونية لامتلاك موانئ وأراض سيادية، مؤكداً أن هذا المسعى لن يؤدي إلا إلى زعزعة استقرار المنطقة ككل"، وحذر الوزير الإريتري عن مغبة الانجرار لتلك الدعوات.
ميدانياً، ذكرت إذاعة "صوت أميركا" الناطقة باللغة التغرينية، أن الحكومة الإريترية أصدرت تعليمات النفير العام في أوساط الجيش ومنتسبي الخدمة العسكرية. ونقلت الإذاعة عن شهود عيان تحركاً كبيراً للآليات العسكرية الإريترية نحو الحدود المشتركة للبلدين، فيما شوهدت طائرات الاستطلاع في منطقة زالمبسا الحدودية.
أهداف عدة لحرب واحدة
من جهته، رأى المحلل السياسي الإثيوبي بيهون غيداون أن الخلافات السياسية بين أسمرة وأديس أبابا طفت على السطح منذ توقيع اتفاقية "بريتوريا" للسلام بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا و"جبهة تحرير تيغراي"، إذ رأت أسمرة أن الاتفاق أحبط خطتها الهادفة للقضاء كلياً على "جبهة تيغراي".
ويُقدر غيداون أن ثمة تفاصيل أخرى تتعلق بكلفة الحرب في تيغراي التي تحالف فيها الجيش النظامي الإثيوبي مع الجيش الإريتري، إذ ترى أسمرة أن أديس أبابا لم تلتزم بالاتفاقات العسكرية بما في ذلك تلك المتعلقة بتعويض خسائر الجيش الإريتري، إذ دعمت أسمرة الحرب بعتاد عسكري كبير كلفها ما قيمته 160 مليون دولار بجانب الخسائر البشرية.
ويوضح المحلل الإثيوبي أن أسمرة ترى بضرورة التزام الحكومة الإثيوبية بسداد كافة الخسائر التي تكبدتها في حرب تيغراي.
ويضيف ثمة أمور أخرى تتعلق بمزاعم دعم أسمرة للجماعات الإثيوبية المسلحة بخاصة في إقليم أمهرة، فضلاً عن استيلائها على معدات عسكرية ثقيلة كانت على متن ثلاث سفن شحن أذرية في طريقها إلى ميناء جيبوتي.
ويُقدر بيهون أن "أسمرة استولت على الشحنة العسكرية بذريعة دخول تلك السفن المياه الإريترية في البحر الأحمر، إلا أنها وعوض التفاوض حول موجبات ذلك الاختراق نتيجة سوء الأحوال الجوية، قررت تحويلها إلى مخازن السلاح التابعة للجيش الإريتري واعتقال طاقم تلك السفن، مما أدى إلى تصعيد خطير للعلاقات بين البلدين".
وفي رده على سؤال يتعلق بمسعى أديس أبابا لاحتلال الموانئ الإريترية، يرى غيداون في حال اندلاع الحرب للأسباب المذكورة أعلاه فإن "كل شيء وارد، بما في ذلك احتلال ميناء ‘عصب‘ والتفاوض حول الأحقية التاريخية لإثيوبيا"، مشيراً إلى أن الحرب لا تقوم لهدف واحد بل لتحقيق عدة أهداف، بخاصة وأن المطالب الإثيوبية المتعلقة بالمنافذ البحرية أضحت تكتسب تفهماً دولياً كبيراً، فضلاً عن أن أديس أبابا ظلت تقود جهوداً دبلوماسية وقانونية على المستوى الدولي من أجل الوصول الآمن للبحر.
ويتصور المحلل الإثيوبي أن تكون أديس أبابا قد أعدت استراتيجية واضحة للمعركة بخاصة أنها طورت من قدراتها العسكرية بإنتاج مسيرات قتالية محلية الصنع، إضافة إلى إبرامها صفقات سلاح خلال العامين الماضيين، وبالتالي تتوقع تنفيذ خطة خاطفة بأقل كلفة ممكنة.
وبخصوص الروح المعنوية للجيش الإثيوبي المنهك في الحروب الداخلية، يرى غيداون أن الحملات الإعلامية التي اتبعتها أديس أبابا خلال العامين الماضيين حول الحصول على المنافذ البحرية، تحظى بتأييد شعبي كبير، مما يعزز من القدرة القتالية والروح المعنوية للجيش الإثيوبي، إذ تعد مسألة المنافذ البحرية موضع إجماع وطني واسع، كما أن الدخول في حرب خارجية قد يعزز من اللحمة الوطنية ويسهم في تسكين الأزمات الداخلية ولو بشكل مؤقت.
ويتابع المحلل الإثيوبي "على رغم ذلك نتائج الحرب غير محسومة بشكل مطلق، بخاصة في ظل الأزمة الداخلية في إقليم تيغراي، إذ ثمة مزاعم عن ارتباط بعض قيادات الجيش في تيغراي بالنظام الإريتري وبالتالي لا يمكن القطع بأن الحرب ستحقق كل أهدافها بذات الوتيرة المتوقعة".
السيناريوهات المحتملة
بدوره، يرى المتخصص في شؤون منطقة القرن الأفريقي عبد الرحمن أبو هاشم أن "ثمة مساراً معروفاً في السياسة الإثيوبية تاريخياً يتمثل في إثارة الحروب الخارجية لتسكين الأزمات والاستحقاقات الداخلية للشعب الإثيوبي، وإطالة عمر الأنظمة التي حكمت أديس أبابا منذ نشوء الدولة الإثيوبية الحديثة".
ويضيف أن "النخب الإثيوبية الحاكمة تسعى للتوسع على حساب الدول والشعوب المجاورة، وظلت مصدراً رئيساً للتوترات وعدم الاستقرار الداخلي والإقليمي لمئات السنين. ومن ثم من غير المستبعد أن تلجأ أديس أبابا إلى إشعال حرب جديدة مع إريتريا، بخاصة في ضوء التصريحات الصادرة من آبي أحمد وقائد الجيش وآخرين، عن عزمهم احتلال موانئ تابعة للصومال وإريتريا".
ويرى أبو هاشم أن "القادة الإثيوبيين يعتقدون أن امتلاك ميناء على البحر الأحمر سيسهم في توحيد الشعب الإثيوبي حولهم، ولذلك لا يبالون بالمخاطر الناتجة من انتهاك سيادة الدول المجاورة والاعتداء عليها واحتلال أراضيها، على غرار ما حدث بين روسيا وأوكرانيا عندما ضمت الأولى شبه جزيرة القرم وبعض مناطق شرق أوكرانيا".
ويقدر المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن "التحركات الإثيوبية تهدف إما إلى دفع إريتريا وإجبارها على التفاوض بشأن ميناء ‘عصب‘، أو التدخل العسكري المباشر لاحتلالها وضمّها إلى السيادة الإثيوبية ومن ثم التفاوض حول الأحقية التاريخية لإثيوبيا بامتلاكه".
ويتصور أبو هاشم "في حال صمدت أسمرة وألحقت الهزيمة بالجيش الإثيوبي، فقد يؤدي ذلك إلى الإطاحة برئيس وزراء إثيوبيا وإعادة تشكيل الدولة الإثيوبية أو حتى انهيارها كلياً وتفككها إلى دويلات عدة".
ويقول إن "رئيس الوزراء الإثيوبي يخوض حرباً مستمرة ضد معارضيه في أقاليم أوروميا، وأمهرة، وبني شنقول، إضافة إلى إقليم تيغراي المتاخم للحدود الإريترية. وقد تجد الحركات المسلحة في هذه الأقاليم فرصتها لتوسيع نطاق نفوذها وربما الإعلان عن الانفصال عن إثيوبيا، مستندةً إلى المادة 39 من الدستور الإثيوبي، التي تسمح بممارسة ‘حق تقرير المصير حتى الانفصال‘".
وأضاف أن اندلاع الحرب مع إريتريا قد يمهد لإطلاق الشرارة الأولى للحرب في إقليم تيغراي، فقد يسعى قادة "جبهة تحرير شعب تيغراي" للإطاحة بحكومة الإقليم المؤقتة الموالية لآبي أحمد، مما قد يدفع الأخير إلى إرسال جيشه لحماية الموالين له هناك، وفي المقابل، قد تتحالف "جبهة تيغراي" مع النظام الإريتري وبعض فصائل المعارضة المسلحة في إقليمي أمهرة وأوروميا ومناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى إشعال الحرب داخل إثيوبيا وإرباك الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.
حرب متخلية لأهداف سياسية
من جهته، يرى المتخصص الصومالي في قضايا القرن الأفريقي عيدي محمد، أن "التحركات الأخيرة عند الحدود الإريترية- الإثيوبية، وعلى رغم خطورتها، فإنها قد لا تؤدي إلى حرب تقليدية بين البلدين، بخاصة أن حملات الحرب صادرة من جهة واحدة، مشيراً إلى أن أسمرة في ما يبدو تتجاوب فقط مع التطورات ولا ترغب في خوض حرب جديدة".
ويقدر عيدي أن "تحركات أديس أبابا تهدف بالأساس إلى إعادة بناء التوازنات الإقليمية والمحلية من خلال الإيحاء بإمكانية قيام حرب مع أسمرة"، مشيراً إلى أن أديس أبابا ليست في وضع يؤهلها لخوض حرب جديدة بخاصة في ظل الوضع الدولي والإقليمي الرافض للحروب، لا سيما مواقف الولايات المتحدة الأميركية في عهد ترمب".
ويقول المحلل الصومالي "لا أتصور أن تتخذ أديس أبابا قرار الحرب بمفردها من دون العودة للحلفاء الدوليين، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية، موضحاً أن إدارة ترمب التي تسعى إلى إنهاء حرب أوكرانيا والتقارب مع روسيا، لن تكون مستعدة لدعم قيام حرب أخرى ضد موسكو في القرن الأفريقي، إذ تُعد إريتريا الدولة الأفريقية الوحيدة التي صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب روسيا بسحب قواتها العسكرية من أوكرانيا.
ويضيف عيدي أن الجيش الإثيوبي منهك في حروب داخلية بخاصة في إقليمي أمهرة وأروميا، ومن ثم لا يتمتع باللياقة الكافية لخوض حرب خارجية، فضلاً عن التحديات المالية والاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا بعد توقف المساعدات الأميركية الموجهة لها، وانهيار سعر العملة المحلية.
ويرى المحلل الصومالي أن نذر الحرب الجديدة لا تتجاوز أهداف جلب الاهتمامين الدولي والداخلي، وتقليص حجم التدخلات الإريترية في الشؤون الإثيوبية، بخاصة المزاعم المتعلقة بدعم "الفانو"، فضلاً عن تحجيم الإسهام الإريتري في الأزمات السياسية التي يشهدها إقليم تيغراي بين فصيلي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".