مشاهد مؤثرة في حياة اليمنيين.. المحطة التالية .. فشل المرحلة الانتقالية والحوار والانحدار نحو الحرب
شهدت الفترة من 2011 الى 2017، العديد من المشاهد المؤثرة في حياة اليمنيين، أبرزها عندما رفع الرئيس الشهيد الصالح المصحف الكريم مناشدًا علماء اليمن بالعمل وفقًا لكتاب الله في المحافظة على البلاد وصون دماء اليمنيين، مناشدًا إياهم بأن يظل اجتماعهم الذي عقد في صنعاء حينها منعقدًا حتى يخرجون برؤية لحل الأزمة.
وبعد انتهاء اجتماعه بالعلماء، خرج الشيخ عبدالمجيد الزنداني وعبدالله صعتر وعدد ممن يدعون انهم علماء دين من تيار الاخوان المسلمين، وتوجهوا مباشرة الى ساحة الفوضى معلنين تأييدهم للفوضى، في موقف جعل اليمنيون يفقدون ثقتهم بهؤلاء الشيوخ المزيفين الذين يباعون ويشترون بالمال.
ـ وفي موقف آخر، عمد عضو شورى الاصلاح المدعوة توكل كرمان على التغرير بالشباب المنظمين في ساحة الجامعة بصنعاء، وتحريضهم على تجاوز المناطق المتفق على عدم اقتحامها، كما حدث في جولة كنتاكي بشارع الدائري، وحادثة الزراعة التي ادت لوقوع صدام بين الشباب وقوات الأمن على خلفية تحريض كرمان الشباب على مهاجمة رجال الأمن ومحاولة اقتحام المنشآت الحكومية.
ـ تجسد أهم مشاهد تلك الفترة في مقولة الزعيم الصالح عقب الجريمة الارهابية باستهداف جامع دار الرئاسة في يونيو 2011 حينما خرج بعد الواقعة ليؤكد لليمنيين قائلا " ما دام انتم بخير ،، أنا بخير"، ووجه بعدم الانتقام وصون دماء اليمنيين، أي عظمة كان يمتلكها ذلك الرجل جعلت منها رمزا واسطورة حياة في حياة اليمنيين حتى قيام الساعة؟!.
ـ ومن مشاهد الحرب، تمكنت المقاومة الشعبية في الجنوب مسنودة بقوات اماراتية من تحرير عدن وابين ولحج وأجزاء من الضالع وصولًا الى راس العارة على الطريق الساحلي المؤدية الى غرب تعز والحديدة، كما تم تحرير اجزاء من مدينة مأرب الواقعة شمال شرقي العاصمة صنعاء في اغسطس من نفس العام.
ـ استغلال عناصر الارهاب المتمثلة بعناصر القاعدة وداعش الفوضى وقامت بالانتشار في محافظات ابين وشبوة وحضرموت واتخذت من الاخيرة مقرا لها، قبل ان تتمكن المقاومة الشعبية مع القوات الاماراتية في يناير 2017 من تحريرها.
ـ بداية عملية تحرير الحديدة ووصول القوات المشتركة الى محيط الى مديرية نهم في محيط العاصمة صنعاء بعد تحرير اجزاء من الجوف ومارب والبيضاء، في العام 2017، قبل ان تتم خيانة التحالف من قبل عناصر الاخوان المتصدرين للمشهد الميداني حينها، وتسليم تلك المناطق للحوثيين بعد انجاز اقذر مؤامرة شهدتها البلاد والعالم العربي التي طالت الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017.
فشل المبادرة والحوار وهادي
قادت ما عرف حينها بـ "المبادرة الخليجية وآلياتها" التي تقدمت بها دول الخليج لحل الازمة اليمنية عقب فوضى 2011، الى ما سمي "المرحلة الانتقالية"، الهدف منها تذليل العقبات أمام التوصل الى حلول سياسية مرضية تجنب البلاد والعباد مزيدًا من الخسائر والفوضى.
لكن بعض الأخطاء في الاتفاقية ادت الى استغلالها من قبل قادة الفوضى والخيانة والعمالة والتآمر، لتحويلها الى مطية لتحقيق مصالحهم واهدافهم بالوصول الى السلطة والاستحواذ عليها واقصاء الاخرين منها، مع ان الاتفاقية كان هدفها الاول جمع الفرقاء اليمنيين على طاولة الحلول.
وادت ممارسات الفاشلين سياسيا مع المجتمع الدولي إلى فشل مستفحل للعملية الانتقالية في اليمن بدلالة الحرب الشعواء التي شهدتها البلاد عقب تلك المرحلة والمستمرة حتى اليوم.
وارجعت مصادر يمنية اسباب فشل المبادرة الخليجية إلى الضغوط الدولية التي مورست على اطراف الصراع، من اجل انجاز أي شكل من اشكال التوافق ، ما ادى لفقدان المبادرة اهدافها وتحويلها الى مبادرة رمزية استغلتها قوى الفوضى للحصول على تقاسم جسد الدولة اليمنية عبر "المحاصصة" ووضعت الكثير من المسؤوليات في يد الرئيس عبدربه منصور هادي الذي عجز عن ممارستها بينما تضاءل مع الوقت الدعم الشعبي للعملية الانتقالية التي كانت تجري.
عقب وصول هادي الى السلطة برفقة عناصر الاخوان تحيط بهم عصابة الامامة الحوثية، مصحوبة بحسابات الربح والخسارة لتلك القوى، حيث مكن هادي اطراف سياسية ومراكز الفوضى من التحكم بالسلطة والادارة، بحجة ان تلك القوى هي من اوصلته الى الرئاسية، الامر الذي تسبب في فشله الذريع في ادارة تلك المرحلة وما تلاها من مراحل حتى تم إخراجه من المشهد في ابريل 2022 وإعلانه عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي ونقل صلاحياته إليه "لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الإنتقالية
وكان هادي خلال تلك الفترة قد فشل فيما يتعلق في ادارة ما سمي "مؤتمر الحوار الوطني" من خلال رفع التوقعات العالية على ذلك الحوار في حل كل القضايا العالقة في البلاد منذ عقود، رغم ان المتحاورين غير مؤهلين او لديهم افكار ومطامع واهداف اخرى، الأمر الذي ادى لفشل الحوار رغم الدعم الدولي والاقليمي الذي تمتع به.
لقد كان السياق السياسي الذي تم خلاله الحوار الوطني ملغماً ومليئاً بالصراعات بين الأطراف المختلفة. على سبيل المثال، فإن المعارضة التقليدية الرسمية (أحزاب اللقاء المشترك) نصبت نفسها في الحوار الحديث ليس فقط نيابة عن أجندتها السياسية، بل و أيضا الحديث باسم الشعب الرافض لها اصلا، وحاولت تلك المعارضة الفاشلة اختطاف الشراكة من جميع الاطراف التي نصت عليها المبادرة الخليجية، ما اتاح لبعض فصائل الحوار للذهاب نحو تنفيذ مخططها كعصابة الحوثي الايرانية التي انقلبت على الجميع تحت مظلة مطالب معيشية وسعرية.
وبسبب غياب الحقيقة في التوافق بخصوص الوثيقة النهائية، لمؤتمر الحوار، ادى ذلك لانحدار البلاد على ايدي الاماميين الجدد وقوى الرجعية و الاخوان نحو ما تعيشه البلاد اليوم من انهيارات في الاقتصاد والمعيشة والعملة والعملية التعليمية والصحية والثقافية والاجتماعية وعلى جميع المستويات، بداية من إسقاط العاصمة والمدن اليمنية من قبل عصابة الحوثي الايرانية في سبتمبر 2014.
الزعيم الصالح طوّع الواقع ورسم خطوط المستقبل للأجيال
في تلك الفترة، بدأ بأن التسوية السياسية في البلاد، لم تكن لمصلحة قوى الفوضى والدمار المعارضة لعدم تمتعها بأي اغلبية برلمانية او قبول لدى الشعب اليمني، فهي غير قادرة على التأثير في المجتمع باي الطرق لعجزها عن ادارة شؤونها اولا وضعفها في صياغة مبادرات تخدم المصلحة العامة، حيث اقتصر دور المعارضة في البلاد على حياكة المؤامرات، ووضع العراقيل والازمات امام السلطات الرسمية، التي كانت تؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين.
وفي ظل فشل القوى السياسية المتمثلة باللقاء المشترك حينها، وبروز قوى التخلف والرجعية المؤدلجة مثل الحوثيين والاخوان ، التي تتلبس الدين للحصول على مآرب أخرى، ظل المؤتمر الشعبي العام وزعيمها الصالح يحتكران حب الشعب لما يتمتعان به من وسطية واعتدال وقدرة على طرح الحلول للقضايا عبر "الحوار والحوار فقط"، مع التعامل بشراسة مع القضايا التي تمس سيادة اليمن ودماء اليمنيين.
ومن خلال تلك الرؤية التي رسمها الزعيم في التعامل مع مجمل القضايا في البلاد منذ اللحظة الاولى لتوليه الحكم في البلاد في نهاية السبعينات من القرن الماضي، ظل المؤتمر يمارس ذلك النهج تحت قيادة الحكمة والدهاء والفطنة السياسية بل الحنكة في الاداء التي يمتع بها الصالح، وهي ما زالت نبراس تضيء للمؤتمر واليمنيين طريقهم حتى اليوم.
لقد أخذت مؤامرة الفوضى والدمار بعدا اخرا في تلك الفترة فيما يتعلق بالحصول امكانية للوصول الى تسوية رغم ما طرح من مبادرات وافكار وحلول من قبل الرئيس الصالح وحزب المؤتمر والقوى الوطنية، والتي لم تترك شيئا الا وتطرقت اليها، وهي نفس المفردات التي يتم الاستعانة بها حاليا من قبل مبعوثي الامم المتحدة والوسطاء الدوليين والاقليميين في جهودهم للوصول الى حل دائم وشامل للازمة اليمنية، فتلك المبادرات والحلول التي اطلقتها الزعيم خلال فترة الفوضى وما بعدها وحتى اخر يوم في حياته، ستظل هي المرجع الأول والوحيد لأي حل في اليمن، لم لا؟، وهو من يعرف بواطن الامور في بلد تعددت فيه الولاءات، وارتهن العديد من ابنائه للخارج، فضلا عن التدخلات الخارجية لدول حاقدة ومعادية وكيانات ارهابية وجماعات فكرية متخلفة.
ظل الرئيس الصالح حتى وهو خارج السلطة اللاعب الوحيد الذي لديه القدرة على حل الأزمة، حتى انه تنازل عن سلطته الشرعية وحصته لقوى المعارضة ، الا ان التعنت والرفض المتكرر من قوى الفوضى والدمار والعمالة، قاد البلاد الى ما هي عليه اليوم.
لقد قرر الصالح حينها، أن يمنح الآخرين فرصة للعب أدوار مختلفة، إلا أن اللاعبين المعارضين فشلوا في ادارة البلاد لمدة لم تتجاوز العام الواحد لتجد البلاد والمواطنين انفسهم في هاوية لم تستطيع الخروج منها بعد مرور اكثر من 13 عاما من الفوضى.
لقد ردد الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، كثيراً دعوته للمعارضين للمشاركة في حكومة وحدة وطنية، حكومة تكون قادرة على إيجاد مخرج حقيقي للأزمة التي يعاني منها اليمن منذ فترة طويلة، لكن المعارضة ترى نفسها ان لديها القدرة في تحقيق أهدافها لكنها لم تكن قادرة على إحداث اختراق جدي في اللعبة السياسية والاقتصادية ولا الخدمية، رغم انها تولت الحكم بنفس العوامل التي كانت في عهد الرئيس الشرعي المنتخب صالح.
وبعد مضي اكثر من عقد من الزمن فشلت جميع ادوات الفوضى في اللعب على رؤوس الثعابين، كما كان اللعب الفريد والبارز في تاريخ اليمن الرئيس صالح، الذي يتحدث اليمنيون اليوم على فترة حكمه وكيف استطاع تطويع كل هذه النتوءات التي ظلت في جسد الأمة من بعده، والتي اثبتت فشلها في إدارة ابسط المرافق الخدمية مثل الكهرباء، بل وأدت لوقوع كارثة بقطعها صرف مرتبات الموظفين التي كانت تصرف قبل انتهاء الشهر في عهد الزعيم.
أن الأمر لا يحتاج إلى "ترقيع سياسي، او زيادة في المقاتلين، والاموال، والحلفاء في الداخل والخارج"، بل يحتاج الى قدرة فريدة في إدارة توازنات الحكم وفقا لقدرات البلاد، وحسب رؤية نوعية لبواطن الأمور. فاليوم نحن بحاجة الى إعادة بناء بنية سياسية كاملة وشاملة تكون خالية من أية ارتباطات بالخارج اولا، وبالمصالح وقوى الفساد الداخلية ثانيا، وتكون مخلصة للوطن والمواطن ثالثا.
لقد ظلت المعارضة الفاشلة ومن خلفها القوى الجديدة التي تشكلت خلال فترة ما بعد الفوضى والانقلاب، تنتظر من الاخرين ان تشكل لها عقدا اجتماعيا وسياسيا كي تتمكن من خلاله السيطرة على الامور المنفلتة والمتدهورة والتي تقود البلاد والعباد نحو الهاوية.
تلك القوى اثبتت انها تعتمد على اطراف اخرى في تلبية متطالبتها في ادارة الحكم، فهي تميل دائماً لمصلحة الطرف المهيمن على صناعة القرار، في حين ترفض تلك القوى اشراك اطراف اخرى في العمل السياسي والاقتصادي والتنموي في البلاد، فهي فشلت في تمدين حياة اليمنيين وحولتهم الى كتلة قتال وصراع ستؤثر بشكل كبير في مستقبل البلاد، كما عمدت الى اضاعة العمل بالدستور والقوانين النافذة ما جعلها تتخبط في شتى المجالات، وكان بامكانها العودة الى قواعد الادارة والحكم التي خلفها الرئيس صالح ورائه والمنتشرين في جميع المرافق ومفاصل الدولة.
يرى كثيرون أن الطرفين المتصارعين معنيان بإيجاد أرضية لاتفاق يؤدي في نهاية المطاف إلى الخروج من النفق المظلم الذي يسير فيه اليمن، اليوم، وهذه الأرضية تتمثل في العودة إلى طاولة الحوار، الذي بالتأكيد لن يكون بشروط السلطة وتقاسم الثروة بل في خدمة المصلحة الوطنية أولا وبعيدا عن أي ارتباطات خارجية، وهو ما كان طرحها في مرات عديدة الرئيس المحب لليمن، الذي قدم حياته رخيصة من اجلها ومن اجل اليمنيين.