Image

تراجع الطلب على السلع الاستهلاكية العالمية في الصين يثير قلقاً

تراجع إقبال المستهلكين على العلامات التجارية الأجنبية واحتدام المنافسة المحلية يفاقم آثار التباطؤ الاقتصادي. دقت شركات عالمية، مثل «فولكسفاغن» و«إيه بي إنبيف» و«لوريال»، ناقوس الخطر بشأن ضعف الطلب في الصين، بينما يفاقم آثار التباطؤ الاقتصادي تراجع الإقبال على العلامات التجارية الأجنبية وزيادة حدة المنافسة المحلية.

وفي النتائج المعلنة هذا الأسبوع، أشارت عملاقة الإعلانات «دبليو بي بي»، المدرجة في بورصة لندن، إلى انخفاض المبيعات في الصين بما يقارب الربع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فضلاً عن ضعف التوقعات في البلاد ومؤشرات على حذر المستهلكين.

وقال مارك ريد، الرئيس التنفيذي لدى «دبليو بي بي»: «يتوقع الناس أن تمر الصين بتحول أكثر حدة مما شهدته بعد الجائحة». وكان ضعف الطلب في الصين سمة مميزة في تقارير أرباح نصف العام لدى غالبية الشركات في قطاع السلع الاستهلاكية العالمي.

وبالنسبة لشركة «لوريال» التي تبيع منتجات تجميل إما فاخرة أو جماهيرية في الصين، فتشير تقديراتها إلى انخفاض نمو المبيعات في البلاد بما يتراوح بين 2% و3% تقريباً في النصف الأول من العام، بينما أعلنت «بورشه» المملوكة لـ«فولكسفاغن» عن تراجع مبيعاتها في الصين خلال الأشهر الستة المنتهية في يونيو بمقدار الثلث على أساس سنوي.

ويمر قطاع العقارات الصيني المثقل بالديون بتباطؤ مطوّل منذ أواخر عام 2021، وتراجعت أسعار المنازل بوتيرة أسرع في الأشهر الأخيرة. ورغم تخفيف القيود ذات الصلة بفيروس كورونا في أواخر عام 2022، لكن سوق العقارات الضعيفة تسببت في تقويض الثقة، وكذلك الطلب على السلع الاستهلاكية.

وعقب الجائحة، توقعت كثير من الشركات المنكشفة على الصين، سواء المحلية أو الأجنبية، أن تؤدي المحفزات التي تركز على المستهلكين إلى تعزيز النمو. وبينما لم يحدث ذلك، يعتقد خبراء اقتصاديون أن بكين ربما تتخذ إجراءات بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وأشار محللو وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إلى البيانات التي أظهرت تباطؤ نمو قطاع المطاعم في الصين خلال النصف الأول من العام إلى ما دون 8% للمرة الأولى منذ 2010، باستثناء فترة كورونا.

وأوضح المحللون أن «عدم اليقين الذي يكتنف آفاق الدخل المتاح، مع استمرار انكماش ثروات الأسر بسبب انخفاض أسعار المنازل، أديا إلى تقليص الإنفاق غير الضروري أو إلى تحول المستهلكين نحو المنتجات التي تحمل قيمة مقابل المال»، لافتين إلى امتداد الاتجاه إلى ما هو أبعد من تناول الطعام إلى «الفئات الأساسية في الإنفاق الاختياري»، بما في ذلك الملابس ومستحضرات التجميل والمجوهرات.

ويرى نيكولاس هيرونيموس، الرئيس التنفيذي لدى «لوريال»، أن «الصين هي الجزء الوحيد من العالم الذي تظل فيه ثقة المستهلكين شديدة الانخفاض»، وقال: «إن سوق العمل ليست مزدهرة، كما أن كثيراً من الصينيين وضعوا مدخراتهم في العقارات التي فقدت الكثير من قيمتها».

وفي حين تظل الصين سوقاً لنمو المبيعات لكثير من الشركات متعددة الجنسيات، إلا أنها تواجه تهديداً كبيراً من المنافسين المحليين في بعض القطاعات، مثل السيارات. وفي خضم التحول السريع نحو تبني السيارات الكهربائية، شكلت العلامات التجارية الأجنبية 38% من مبيعات المركبات خلال النصف الأول من العام، بانخفاض من 64% في 2020، بحسب شركة «أوتوموبيليتي» في شنغهاي.

وتعرضت شركات تصنيع السيارات الألمانية على وجه الخصوص لضغوط شديدة نتيجة تباطؤ المبيعات في الصين، أكثر أسواقهم أهمية. وأشار أوليفر بلومه، الرئيس التنفيذي لشركتي «بورشه» و«فولكسفاغن»، إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان الطلب على السيارات الكهربائية الرياضية مثل «بورشه تايكان» سيتعافى. وقال: «نحن لا نعلم شيئاً اليوم»، مضيفاً أنه «لا يوجد حالياً قطاع للسيارات الكهربائية الفاخرة في الصين».

أما «مرسيدس بنز»، التي حولت تركيزها في الأعوام الأخيرة إلى الموديلات الأكثر تكلفة، فقد تراجعت مبيعاتها بنسبة 9% خلال النصف الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي. وقال رئيسها التنفيذي، أولا كلينيوس، إن سوق السلع الفاخرة في الصين بصدد التباطؤ، وألقى باللوم على أزمة قطاع العقارات الصيني، وتابع: «لا نعرف إلى أي مدى سيدوم هذا الوضع، أو ما تتطلبه استعادة المستهلك الصيني للثقة».

ويعتقد بيل روسو، الرئيس السابق لدى «كرايسلر» في الصين ومؤسس «أوتوموبيليتي»، أن صانعي السيارات الأجانب، باستثناء «تسلا»، «فشلوا جميعاً في التكيف عندما جابهوا تغيراً في تفضيلات المستهلكين الصينيين» نحو السيارات الكهربائية.

رغم ذلك، تبنت جوي وات، الرئيسة التنفيذية لدى «يام تشاينا»، نظرة أكثر تفاؤلاً في حديثها مع المستثمرين هذا الأسبوع، بعدما أعلنت الشركة المشغّلة لفروع «بيتزا هت» و«كيه إف سي» بالصين نتائج فاقت التوقعات للربع الأول، فازداد صافي الدخل بواقع 8% إلى 212 مليون دولار.

وقالت: «يبدو التشاؤم إزاء الصين شائعاً هذه الأيام، لكن ما زالت الصين تشكل نحو ثلث النمو السنوي العالمي حتى في ضوء معدلات النمو الحالية»، لافتة إلى وجود «تحوّل في النمو» بالمدن «الأدنى مستوى» في البلاد.

وأضافت: «افتتحت الصين في واقع الأمر 400 مركز للتسوق في العام الماضي وحده، غالبيتها من الدرجة الثانية أو أقل. كم عدد البلدان حول العالم التي افتتحت 400 مركز تجاري هذه الأيام؟». واعترفت وات بأن «الأعمال ليست سهلة في الوقت الراهن»، منوهة بأنها لا تتوقع أن تطرأ تغييرات على السوق هذا الربع.

أما مجموعة «أنهايزر-بوش إنبيف» للمشروبات، فألقت باللوم في انخفاض مبيعاتها داخل الصين بمقدار 15% خلال الربع الثاني على ضعف الطلب وسوء الأحوال الجوية في بعض أنحاء البلاد. ورغم ضعف الإنفاق الاستهلاكي، أشار مايكل دوكيريس، الرئيس التنفيذي للشركة، إلى استمرار توجه المستهلكين في الصين نحو شراء كميات أقل من المشروبات الكحولية، لكنها ذات أسعار أعلى. وقال: «أعتقد أن الأساسيات طويلة الأجل لا تزال قائمة».

كما حذر مسؤولون تنفيذيون ومحللون من التهديد طويل المدى الناجم عن ازدياد عدد العلامات التجارية الصينية الأكثر تنافسية. ورغم بصيص الضوء، أشار شون رين، المدير الإداري لمجموعة بحوث السوق الصينية في شنغهاي، إلى أن علامات تجارية أجنبية عديدة تواجه منافسين محليين أقوياء. وأضاف: «تتفوق العلامات التجارية الصينية في المنافسة على كثير من العلامات الغربية».