عالم الشركات يحتاج إلى تغيير في منهجية الاستدامة
تشغل الكاتبة منصب الرئيس التنفيذي المؤقت لمعهد جامعة كامبريدج للتنمية المستدامة. كما يوجد إسهام من جانب بول جيلدينج، الزميل في المعهد.
دراسة الجدوى الاقتصادية للاستدامة واضحة: لا يمكن أن تزدهر الشركات على كوكب يعاني أزمات متتالية ومخاطر لا يمكن السيطرة عليها. ورغم مرور عقود على تعهد الشركات بالالتزام البيئي، إلا أنها مستمرة في تدمير الكوكب وزيادة انبعاثات الكربون، وشركات الوقود الأحفوري مستمرة في مطاردة النمو.
ومن الواضح أن أجندة البيئة والمجتمع والحوكمة لم تتحقق، ولن تتحقق بشكلها الحالي.
نحن نحتاج، وبصورة عاجلة، إلى تغيير في العقلية، وإعادة تصميم جذرية للأسواق التي تشكل إطاراً لقرارات الأعمال.
إجراءات الاستدامة التي تتخذها الشركات الرائدة تظهر ما هو ممكن، وتولد زخماً. فهي تضع أهدافاً طموحة للوصول إلى الانبعاث الصفري، بتقليل انبعاثات الكربون، وتتعاون لجعل سلاسل التوريد أكثر عدالة واستدامة، وتقدم تقارير شفافة عن التقدم الذي تحرزه. رغم ذلك، هناك خطورة في أن الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة، أو الاستدامة المؤسسية على نطاق واسع، تساهم في تقدمنا الجماعي بشكل غير كافٍ، من خلال إعطاء انطباع بأننا نبلي بلاءً حسناً. وهذا يقلل زخم التغيير الهيكلي.
حان وقت مواجهة الحقيقة المزعجة: الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة بوضعها الحالي، القائم على الإفصاح، والإجراءات التطوعية في السوق، لن تحقق التغيير اللازم. والحل هو التحول الجذري نحو «الاستدامة التنافسية»، وهو مفهوم أطلقته أخيراً في ورقة بحثية شاركت في تأليفها مع بول جيلدينج، الناشط البيئي ومستشار الاستدامة.
القضية الجوهرية ليست النية وإنما التنفيذ. لقد كانت الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة، بشكل كبير، مجرد طبقة إضافية وضعت على نموذج الأعمال التقليدي لإدارة المخاطر وتحسين السمعة. لكن هذا يفشل في معالجة التوتر الأساسي بين الربحية والاستدامة. وطالما أن السوق يكافئ الأرباح السريعة على حساب المرونة طويلة الأجل، فإن الشركات ستضر الكوكب، وستدمر الأسواق الأسس التي تقوم عليها.
ليس لدينا الوقت الكافي لإعادة بناء مؤسسات وأنظمة اقتصادية قبل أن يتحول النظام البيئي العالمي إلى حالة من الفوضى. بدلاً من ذلك، يجب علينا الاستفادة من إمكانات السوق لتحقيق التغيير بسرعة وعلى نطاق واسع، من خلال إعادة تصميم الحوافز والعقوبات التجارية. وسيتطلب ذلك كتلة حرجة من الشركات تضغط من أجل تحركات حكومية، وتغيير في عقلية الشركات للنظر إلى الاستدامة على أنها مسألة تنافسية وليست مسؤولية. نحن بحاجة إلى دعم استباقي للأعمال التجارية لإعادة تصميم الأسواق.
تحتاج الشركات إلى إدراك أن حتمية العمل على القضايا البيئية ليست مسألة وازع أخلاقي أو تتعلق بمشاعر المستهلكين، وإنما بسبب قوانين الطبيعة.
إن التغير المناخي وخسارة التنوع البيولوجي ليست تهديدات مجردة، وإنما تهديدات حقيقية وقابلة للقياس وستقوض السير المعتاد للأعمال. وبدلاً من التساؤل «إلى أي مدى يمكننا تحمل الاستدامة؟»، يجب أن تتساءل الشركات «كيف يمكننا تسريع التحول والتعامل معه والاستفادة منه؟».
بعض الشركات تقوم بذلك بشكل صحيح، مثل شركات الصلب والتعدين والمرافق السويدية التي شكلت مبادرة «هايبريت»، للعمل على إعادة ابتكار صناعتهم من خلال حلول مثل الصلب الخالي من الوقود الأحفوري. إنها لا تستعد فحسب لمستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري، بل تشكله، وتضع نفسها على طريق الفوز. لكن هناك شركات أخرى تشبثت بإجراءات غير كافية. على سبيل المثال، دافع كثيرون في قطاع البلاستيك عن مزاعم إعادة التدوير، وركزت الشركات جهودها على استخدام المواد المعاد تدويرها. لكن ما ينبغي عليهم فعله هو جمع الكتلة الحرجة المطلوبة للدعوة إلى سياسات وإجراءات تدفع باتجاه جمع النفايات، وخفض استخدام المواد، وزيادة إعادة الاستخدام والتدوير.
تغيير العقلية وحده ليس كافياً. يجب إعادة تصميم السوق لوضع حد للتوتر بين الربحية والاستدامة. نحن بحاجة إلى أسواق مزدهرة بالمنتجات المحايدة مناخياً والإيجابية للطبيعة والاقتصاد الدائري. ويجب على الحكومات أن تخلق الظروف التي تجعل التخلص التدريجي من الأنشطة الضارة ضرورة اقتصادية. وإلا فإن الشركات التي تنتقل طواعية إلى هذه الأنشطة ستضعف عن منافسة الشركات التي لا تفعل ذلك. وتحتاج الشركات أن تكرر وتؤكد بشكل قوي على رسالة أن التحرك السريع في الاستدامة سيعود بالنفع على الاقتصادات والوظائف والأمن والصحة. وتدعو الشركات الرائدة بالفعل لهذه التحولات، بما في ذلك أعضاء داخل مجموعات قادة الشركات التابعة لمعهدنا. لكن بضعة أصوات تقدمية لا تكفي. إن التشريعات تخضع لتعديل ممنهج من خلال الضغط من شاغلي المناصب الحاليين، ولنتأمل دفاع صناعة السيارات الألمانية عن محرك الاحتراق الداخلي أو مقاومة الزراعة للقيود المفروضة على استخدام المواد الكيميائية أو أهداف الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
لقد انتهى أمر معايير البيئة والاجتماع والحوكمة كما نعرفها. يجب على الشركات أن تتنافس خلال العقد المقبل، ليس فقط على حصة في السوق، وإنما على المستقبل نفسه. ستكون المكافآت مجزية: مرونة طويلة المدى، وريادة السوق، والقدرة على النجاح في عالم يتمتع بالأسس البيئية والاجتماعية الضرورية.