مائة اليمنين ومائة الحوثي
نعى اليمنيون في كافة ربوع الوطن أهم العملات التي عاشت معهم ردحًا من الزمن زهاء خمسين عامًا ، مثَّلت لهم حالة الرخاء ، ورمز للبركة ، ليطالها مؤخرًا ما طال بقية ابناء اليمن من عدوان سافر على يد جماعة قادمة من العصور الوسطى ،
أخذت في دفنها بعد دخولها في موت سريري دام حوالي تسع سنوات .
ال 100 ريال الورقية مائة اليمنين والاحب الى قلوبهم كسيدة للعملة اليمنية ،لانها تذكرهم بالزمن الجميل . لقد قضت في مناطق شطر من الوطن ، ليكون موتها في العشر الاواخر من هذا الشهر العتيق ليسدل الستار حولها،
شهدت اول طبعة لها في العام 1976م ،لتتوالى طباعتها خلال ثمانينيات القرن المنصرم ،حتى نافستها الفئات الاعلى.. مثلت جوهرة العصر الذهبي لليمن ، وربيع الثورة والجمهورية ، كشاهد على حالة الانتعاش الاقتصادي، والطفرة التنموية وما رافقها من زهو سياسي وبناء مؤسسي.
الحوثيون قرروا التخلص من تلك الفئة النقدية في اطار تصفيتهم لكل ما يمت بصلة للثورة والجمهورية في اطار تجريفهم لبُنى الدولة المؤسسي والاقتصادي .
ظل الحوثي يرفض التعامل مع الفئات المطبوعة والصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن بدعاوى أنها بلا غطاء وتفتقر للتأمين الكافي وعدها بحكم المزورة المستهدفة لاقتصاد البلاد في حين كان يستغلها لنهب اموال اليمنيين بمزاعم الفارق ،
بعد سيطرته على البنك المركزي في صنعاء ونفض خزائنه واستعاضتها بخزائن في جروف صعدة .. عمد لوقف الدورة المالية في البلاد من خلال مصادرة المرتبات ونهب البنوك والمصارف والسطو والاستحواذ على الارصدة واحتكار الانشطة الاقتصادية ،مع حركة محمومة لسحب القدر الاكبر من العملة القديمة ،واخضاعها للإتجار لضمان بقائها في نطاق سيطرة المليشيات .
بقيت خلالها فئة المائة وفئات قريبة منها الاكثر اهلاكا ، بفعل الزمن وعدم التجديد ، حتى وافتها المنية مطلع الاسبوع الحالي، قي اطار الحرب الاقتصادية التي تشنها مليشيات الحوثي على الشعب اليمني .
خطوة التحول الغير شرعي أشبه ما تكون بحالة التحول الجنسي ، المحكوم بالحرمة القطعية .
وهي ليست مجرد استعاضة لحاجة السوق ، بل إعلان عن مشروع جديد يتجاوز ذلك ، يبدأ بانفراط عقد الاقتصاد الوطني وتهديد السيادة ، ما قد يقود إلى انفصال اقتصادي يعمّق الأزمة ، تتبعه مزيدًا من الخطوات في ذات الاتجاه تهدد وحدة الوطن الجيوسياسية .
المليشيات تدعي بأنها عملت استبدال للتهرب من المسؤولية في التأمين اللازم ، وفي ذلك مغالطة كبرى ، لأن العملة الورقية مسجّلة تحت رقم ووفق مواصفات فنية عالية الدقة ولا يتأتى ذلك للعملة المعدنية ، لأن هناك متطلبات موضوعية لابد من الأخذ بها لكل نمط .
إن حق الاصدار للعملة حصرًا على البنك المركزي اليمني المعترف به دوليًا ، صاحب الامتياز في التحكم بالعملة خفضًا ورفعًا لقيمتها ، وتحديد فئاتها وأنماطها ورقية كانت ام معدنية .
سحب هذا الحق من قبل جماعة ليس بالأمر السهل ولن يتأتى ، والا لتحولت العملية الى فوضى في معظم البلدان التي تشهد نزاعات وحركات انفصالية .
اكبر حركة انفصالية في الوطن العربي، الأكراد لم يفكروا في فك ارتباطهم بالدينار العراقي رغم وصولهم الى حكم ذاتي واستفتاء بلغ نسبة غير معهودة للاستقلال ..
لعل البنك المركزي راهن على انتهاء العمر الافتراضي للفئات النقدية القديمة حتى تتحول الى حالة التلف جراء الاهلاك ، لتتورط المليشيات في التعدي على صلاحيات البنك ، ساعتها يجدها فرصة لحظر تلك الفئات باعتبارها مزورة كما هو الحال مع المائة الحوثية ..
كان بوسع البنك منذ نقله وفقدانه للكمية الأكبر من السيولة النقدية الإعلان عن إنزال عملة جديدة ، ونقل الغطاء او التأمين لها مع إلغاء العملة القديمة ،
وكان هناك من قد ذهب لذلك رغم المخاطر إلا أنه لم يفعل ، ربما مخافة ان يهدد سيادة البلد او يضعها على مفترق طرق .