التعصبات السلبية .. والتخلف الفكري والتراجع الحضاري ..!!
من المسلم به أن التعصبات السلبية بكل أنواعها سواء الدينية أو المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو العنصرية أو القبلية أو الحزبية ..الخ ، هي البوابة الرئيسية للوقوع في مسالك الكراهية والعنف والتطرف والتشدد والغلو والارهاب بكل مسمياتها وأنواعها ، وهي الأداة التي تعمل على تشويه الصورة الجمالية والإنسانية والآخلاقية والمعرفية لأمور كثيرة نعيشها ونشاهدها ونتفاعل معها ، وأهمها الدين والأخلاق والعلاقات الإنسانية والاجتماعية والعلاقات السياسية الإيجابية والحوار والتعايش السلمي ..الخ ، مهما كانت تحتوي تلك الصورة من جماليات وروائع وإيجابيات ، يمكن أن يكون لها آثار حسنة وطيبة وايجابية في حياة البشر وتعاملاتهم ، لأن تلك التعصبات للأسف الشديد تجعل العقل والفكر البشري محصور في مساحات ضيقة ومحدودة ، وهو ما يجعله ينظر إلى أي فكرة أو نظرية من زاوية حرجة ، وقد تكون تلك الزاوية هي الزاوية السلبية لتلك الفكرة أو النظرية ، فكل فكرة أو نظرية لها ايجابيات وسلبيات ، وبالتالي فإن الإنسان بذلك يحرم نفسه وعقله وتفكيره ، من رؤية جماليات وإيجابيات تلك الفكرة أو النظرية لو رآها من منظور كامل ..!!
وهذا هو الحرمان الذي يعيق العقل البشري ، والفكر الإنساني من الإبداع والابتكار ، وبالذات العقل والفكر الإسلامي ، الذي تسيطر عليه التعصبات بشكل كبير ، نتيجة الشحن الديني والمذهبي والطائفي البعيد عن منهجية الإسلام الصحيحة ، القائمة على الوسطية والاعتدال والانفتاح على كل الثقافات والأفكار الأخرى ، بهدف دراستها وتقييمها والإستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها ، لذلك كم هو محزن أن نشاهد الكثير من الناس وتعصباتهم السلبية ، تحرمهم من النظر إلى جماليات الحياة ، وجماليات الإبداع الإنساني ، وجماليات التعدد والتنوع الفكري والثقافي والحضاري ، التي تظهر للعقل البشري عظمة وقدرة خالق الكون ، وتزيده إيماناً ويقيناً به ، تاركين أفكارهم وعقولهم ، رهينه لفكر مذهبي أو حزبي أو مناطقي أو طائفي محدود وضيق يتحكم فيها ، ويسيطر عليها ليحرمهم من نعمة عظيمة منحها لهم الله تعالى ، وهي نعمة التفكر والنظر والتأمل والتبصر والتدبر لكل ما في هذا الكون من آيات وعلامات وأفكار ونظريات ..!!
والطريق الوحيد أمام الإنسان لكي يتمتع بجماليات الحياة وبجماليات التعدد والتنوع ، هو بتحرير عقله وأفكاره من كل التعصبات الضيقة ، التي تقود العقل والفكر نحو الإنحصار والإنغلاق والإفلاس الفكري والثقافي والإنكفاء السلبي وكراهية الآخر والعداوة للآخر ، والتي تحرمه من إطلاق العنان لعقله ، بالتفكر والتدبر في الآفاق الكونية ، والآيات القرآنية ، والقصص والعبر والعظات التاريخية ، والإبداعات والنظريات والأفكار البشرية ، التي دعى الله تعالى إلى التفكر فيها ، والتدبر بشآنها ، والنظر في أحوالها ، والتأمل في مآلاتها ، من خلال البحث والدراسة والتحليل الشرعي والعقلي والمنطقي ، ففلسفة الإسلام العقلية والفكرية تقوم على إطلاق العنان للعقل للتفكر والتدبر والبحث والدراسة في آفاق الكون الواسعة ، بينما التعصبات بمختلف أنواعها تقيد العقل وتضيق الخناق عليه في مساحات ضيقة ، ولا وجه للمقارنه بين التفكير الواسع واللامحدود على مستوى الكون والافكار والنظريات والثقافات العالمية ، وبين التفكير الضيق والمحدود في حدود المذهب أو الطائفة او الحزب ، وفي ذلك ظلم ما بعده ظلم للعقل والفكر الإنساني ..!!
لذلك على الإنسان الحصيف أن يدرك خطورة التعصبات السلبية الضيقة بكل صورها على دينه ودنياه ، وما يترتب على ذلك من مخالفه لدعوة الله تعالى له بالتدبر والتفكر والبحث العلمي الواسع والشامل، وما يترتب عليه من آثار سلبية على مسيرة الحضارة البشرية ، بسبب ما ينشأ من التعصبات السلبية الضيقة من الفتن والحروب والصراعات ، والتي تعمل جميعها على تقويض عملية التقدم والبناء والرقي الحضاري ، وعلى الإنسان أن يدرك حقيقة مهمة جداً ، وهي أنه لا يمكن لأمة من الأمم التطور والتقدم الحضاري ، في ظل وجود التعصبات الدينية والمذهبية والطائفية الضيقة ، كونها تعمل على تعطيل العقول والأفكار ، وتعمل على أسرها وحبسها في زوايا التخلف والركود والجمود ، وتعمل على صناعة الكراهية والبغضاء بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد ، وعليه أن يدرك أن التراجع والتخلف الحضاري ، الذي تعيشه أي أمة من الأمم هو المنتج الحصري والوحيد للتعصبات السلبية الضيقة المهيمنة على تفكير وعقول أفرادها ، فهي أكبر عائق أمام التعايش السلمي الانسجام الاجتماعي والإبداع والإنطلاق والبحث والنهوض والتقدم الحضاري ..!!