Image

بدأت في 2015 واستغلت أحداث غزة لتوسيعها.. دراسة تكشف الدوافع والأهداف الحقيقية لإيران والحوثيين من استهداف الملاحة الدولية

مما سبق يتبين أن المتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية ساهمت في تطور مراحل الاعتداءات الحوثية على حركة الملاحة الدولية مع ما صاحبها دوافع سياسية وأمنية واقتصادية.
ونتيجة لهذه التغيرات قامت إيران بتسييس وتجييش «جماعة الحوثي» في شمال اليمن، وتبنّت دعمهم لتنفيذ خططها في الجزيرة العربية، وإمدادهم بالمال والسلاح. 
 
تداعيات الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية

عبر البحر الأحمر شكّلت القارّة الإفريقية في السياسة الإيرانية، مركزًا هامًّا للسياسات الخارجية الإيرانية الطموحة، فخلال العقد الأخير ازداد نشاط القوّات البحرية الإيرانية في البحر الأحمر وقناة السويس، وكثفت إيران من وجودها في ميناء بور سودان، فضلًا عن تعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وقبالة السواحل الصومالية تحت ذريعة مكافحة القرصنة البحرية. 
نجد إيران تجتهد في تنفيذ مشروعها "العالمي" في جميع الاتجاهات.
وفي هذا الصدد تحدّث وارن كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، عام 1995 عن النشاط الإيراني الرامي إلى تنفيذ مشروعها العالمي، بقوله: "انظر إلى حيث تشاء وستجد يد إيران الشريرة في هذه المنطقة". 
وتأتي الأهمية الاستراتيجية الرئيسية لإيران في موقعها الجغرافي الذي تتقاطع عنده خطوط المواصلات العالمية بالهند الشرق الأوسط التي تربطها شرقا وجنوبًا بالخليج العربي والجزيرة العربية والمحيط الهندي وإفريقيا، وغربًا بجنوب غرب آسيا والبحر المتوسط وأوروبا، وشمالاً بروسيا ومنطقة بحر قزوين ورشق أوروبا.
وتستند سياسات إيران الإقليمية إلى العمق التاريخي والجغرافيا السياسية التي تقع ضمنها، وعرب التاريخ ّ القديم كان التوسع الإيراني متعدد الاتجاهات، يذهب صوب إقليم الهلال الخصيب، والقوقاز، وإقليم آسيا الوسطى، وجنوب شبه الجزيرة العربية، لكن في المرحلة الراهنة بعد أن اصطدمت خطط التوسع الإيراني بالقوة النووية في الشمال ممثلة في روسيا، والقوى النووية في ّالشرق ممثلة بباكستان والهند، تحولت خطط التوسع الإيرانية غربًا باتجاه الدول العربية المجاورة. 
الدور الإيراني 
ويتلخص الدور الايراني في اعتداءات الحوثيين، في سعيها للهيمنة على اقليم البحر الأحمر، والتحكم في ممرات البترول الحيوية، وتطويق الخليج العربي ودوله من الجنوب.
وتشير تقارير استخباراتية غربية إلى أنَّ إیران وضعت بالفعل خطة من أجل الاسـتیلاء على مضيق هرمز وأغلاقه في أقصر وقت ممكن إذا ما نشـبت حرب ضدها، معتمدة في ذلك على امتلاك الحرس الثوري الإیراني لعشرات (إن لم یكن المئات) المواقع التي تتراوح بین موانئ ومراسي وجزر ونقاط مختلفة على طول الضـفة الشرقية للخليج لاعتراض السفن الحربیة والتجاریة وناقلات النفط ومنعها من المرور في المضیق.
وقال الأمیرال حبیب الله سـیاري قائد القوات البحرية الإيرانية: "إنَّ إغلاق إیران مضيق هرمز أمام ناقلات النفط سيكون "أسهل من شربة ماء" إذا رأت الجمهورية الإيرانية ضرورة لذلك، لكن في الوقت الحالي لسـنا بحاجة لإغلاقه لأن بحر عُمان تحت سيطرتنا ونستطيع أن نسيطر على الممر".
وهذا الأمر سیولِّد ضغوطاً هائلة على الاقتصادات العالمية، ناهيك عن أنَّ إغلاق مضيق هرمز واسـتمراره لمدة طويلة ستكون لهما انعكاسـات مباشـرة وخطيرة على الاقتصادیات الخليجية، فإلى جانب توقف صادرات النفط فإنَّ الواردات الخلیجیة من السلع والبضائع ســوف تتوقف هي الأخرى. 
وتفادیاً لمثل هذه العواقب الاستراتیجیة الوخیمة، ما على الدول الخلیجیة إلا البحث عن بدائل أخرى تعوض المرور عبر مضیق هرمز. 
التحديات 
مضیق هرمز اليوم محور اهتمام العالم نظرا لأهمیته الجیوسـیاســیة والاستراتيجية والاقتصادية، حیث أصـبح الشریان الحیوي الذي یمد العالم بالطاقة، ویعود بالازدهار والثراء على كل الدول المطلة علیه والتي لها منافذ علیه كدول الخلیج العربي، والمشـرفة على أكبر مسـاحة من مضـیقه كالجمهوریة الإسـلامیة الإیرانیة التي تسـتخدمه الیوم كورقة ضغط على الدول الكبرى في حال تعرضت لعقوبات اقتصادیة ومهدّدة كل دول الخلیج والعالم في حال تعرضـها لأي حرب على منشـآتها النوویة التيتمدّ بلادها بالطاقة، أو فرض مزید من العقوبات الاقتصادیة الدولیة في حال أقفلت السلطات الإیرانیة مضـیق هرمز.
قد لا تفكر إیران في إغلاق مضیق هرمز، من منطلق أنها تستفید منه بدرجة كبیرة، أو تجنبا للإشـكالیات القانونیة المرتبطة بهذا الإغلاق، ولكنها یمكنها أن تعوق حركة المرور في المضیق، من خلال المبالغة في الإجراءات الرقابیة والتفتیشیة للناقلات النفطیة، الأمر الذي من شأنه أن یؤدي إلى اختناق الحركة ویعطل تدفق النفط.
تداعيات الهجمات 
أسفرت الهجمات الحوثية الأخيرة عن مجموعة من التداعيات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، وأبرزها "إغلاق بابي المندب ومضيق هرمز".
إن التحدي قائم أمام دول الخلیج العربیة، في حالتي الإغلاق والتعطیل لمضيق هرمز، ومن هنا فالتفكیر الاسترتيجي لإيران يتمثل في زعزعة البدائل الاســتراتیجیة المتمثلة في باب المندب وقناة السويس، مع اهتمامها بدرجة أولویة بالبحر الأحمر في سبيل رفع تكالیف نقل صـادرات هذه الدول، لاسيما النفط؛ لأن النفط وصـادراته هو عصـب الحیاة في هذه الدول، وأي تهدید له هو تهدید لوجودها واستقرارها وفرض حصار مطبق على الدول العربية.
فمثلا المملكة العربیة السعودیة، لديها خط الأنابیب السعودية، والبالغ طوله 1200 كلم، بديلا ممتداً من مدینة أبقیق على الخلیج إلى مدینة ینبع على البحر الأحمر، وتبلغ سعة هذا الخط 5 ملایین برمیل یومیا، وبذلك یصـل إجمالي القدرة التصدیریة للسعودیة والإمارات القادرة على تجاوز مضیق هرمز، 6.5 ملایین برمیل یومیا تقوم الخطوط الملاحیة العالمیة بتفریغ حمولاتها، من السـلع والمنتجات الواردة إلى الدول الخلیجیة، في موانئ المملكة الممتدة على طول البحر الأحمر، على أن یتم نقل البضائع برًّا أوجوًّا إلى دول الخلیج، بالإضافة إلى تزوید السفن بالوقود اللازم لإكمال رحلاتها إلى الشرق أو الغرب.
ففي حالة تعطيل الملاحة الدولية في البحر الأحمر فإن المملكة ستكون في حالة حصار مطبق من كلا المضيقين ( هرمز وباب المندب). 
دول مجلس التعاون الخلیجي عامة، والكویت وقطر خاصة، هي الأكثر تضررا،ً أما بقیة الدول، فهي أقل تضررا،ً إذ یمتلك العراق خطوط أنابیب تمكنه من تصـدیر النفط عبر الشـمال، وإیران تمتلك موانئ تصـدیر على المحیط. 
لكن من الملاحظ أن قدرة إيران على اعتراض السفن في البحر الأحمر محدودة بسبب ضعف إمكانات أسطولها السطحي المدعوم بعدد صغير من الغواصات والصواريخ التي يمكن أن تنتشر في المجرى المائي. 
وعلى الرغم من اهتمام إيران المتزايد بتوسيع نفوذها في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر كوسيلة لتأمني قوتها الإقليمية، فإن قواتها البحرية الحالية مكلفة في المقام الأول بإغلاق مضيق هرمز.