معوقات تطور الفكر السياسي الإسلامي ..!!

08:42 2024/02/17

هناك العديد من المعوقات التي كان لها دور بارز في أعاقت الفكر السياسي الإسلامي عن التطور والنمو والحداثة والابتكار ، والتي ساهمت بشكل كبير في حالة جمود وركو هذا الفكر خلال اربعة عشر قرن الماضية من تاريخ نشأته ، وسوف أحاول في هذا المقام أن أتطرق لأهم هذه المعوقات ، مستدلاً بأراء العديد من المفكرين والباحثين في الفكر السياسي الإسلامي ، وأول تلك المعوقات وأهمها ، ظهور فلسفة القوة والغلبة والتسلط ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد الموصللي " لقد خضع علماء كبار لمفهوم القوة والتسلط ، على أساس ضرورة حفظ وحدة المسلمين ،ومنع الفتنة الداخلية داخل الجماعة الإسلامية ... إلى درجة أن بعض الفقهاء أباحوا اغتصاب السلطة ، ونبذوا فعلاً المفاهيم الأساسية للفكر السياسي ، واستُبدِلت فلسفة الحق والشورى والعدل كمشروعية سياسية ، بفلسفة القوة والتسلط والظلم كمشروعية عملية " وترتب على ذلك ظهور نظام الحكم الوراثي والذي يعتبر واحد من أهم معوقات تطور الفكر السياسي الإسلامي ، وفي ذلك يقول الدكتور محمد سيف عبدالله العديني " بدأ الإنحطاط منذ أن تدهور نظام الحكم ، من خلافة على منهاج النبوة ، إلى ملك عارض وراثي ، بمقتضاه يعين الوالد ولده ويعهد إليه بأمر المسلمين ، يورثه إياه كبعض ما يورث المتاع ، وبعض الآباء قسموا الحكم بين أبنائهم ، فدمروا أنفسهم ، ودمروا الأمة من خلفهم ، وأصبحت الشورى معطلة ، وانفصلت الدعوة والعلم عن الحكم ، وأصبح الحكم جباية شبيه بالحكم القيصري من بعض الوجوه ، وإن كان المضمون إسلامياً ، وما زلنا نعاني من هذا الأسلوب من الحكم حتى اليوم " ..!!

وترتب على ذلك ظهور الإستبداد والقهر السياسي والذي يعتبر من أهم معوقات تطور الفكر السياسي الإسلامي ، ويقول في ذلك الدكتور محمد خاتمي " لقد قضى الاستبداد اللانهائي على مجال التفكير في شأن السياسة ، وكان بوجهه المعلن هو القاعدة الأساسية للسياسة السائدة في عالم الإسلام ، واعتبر البعض أن النظر في أمور الدنيا ، والتفكير فيها من الأشياء المكروهة ، وبدلاً من التصدي لشرح ماهية السياسة ، كان التبرير للواقع الموجود ... وتبدلت الأبحاث الكلامية حول السياسة بالأحاسيس ، واقترن المنطق والفكر بالحقد والنفور بين الفِرق الإسلامية ، وسطحية الكثير ممن يدعون رعايتهم للدين والشريعة ، كان ذلك كله من أهم العوامل التي سطرت المصير المر للأمة الإسلامية " ، وترتب على ذلك القضاء على إرادة الشعب ، يقول الدكتور محمد خاتمي " إن الهدف من ذكر الحوادث التاريخية منذ عصر استيلاء الأمويين ومن جاء بعدهم على الحكم ، حتى زمن صدام العالم الإسلامي مع الثقافة والحضارة والسياسة الغربية ، هو توضيح هذه الحقيقة ألا وهي ، إنه في جميع هذه العصور كانت الحكومات رغم إختلافاتها الظاهرية جميعها استبدادية ، وتعتمد على القوة بكلمة موجزة ( القهر الاستبدادي ) هو أساس الحكومات ، ولم يكن هناك أي تأثير لإرادة الشعب ، التي هي العامل الأساسي والدائم في استقرار الحكومات وإنهيارها " ..!!

وتلقى الفكر السياسي الإسلامي صفعة قوية بظهور نظرية الحق الإلهي في الحكم ، والتي تعتبر من أكبر العوائق التي اعترضت مسيرة تطور ونمو هذا الفكر ، وفي ذلك يقول الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور " في العصر العباسي تطور نظام الخلافة ، فأصبح الخليفة العباسي تتسم سلطاته بالقداسة ... وتغيرت نظرية الخلافة وأصبحت تشبه نظرية الحق الإلهي في الحكم " ، ويقول في ذلك الدكتور أحمد الموصللي  
" لم يعد الخليفة العباسي قائداً للنخبة أو القبيلة أو حتى الجماعة بل هو فوق كل هؤلاء ، وقام الخليفة العباسي بمحاولة تحطيم التركيبة القبلية ، واستبدالها بفئة عسكرية محترفة ، لا تشكك بمشروعيته وتنفذ سياساته ، وتمكن السلاطين والخلفاء العباسيون ومن خلالهم من إحكام السيطرة على المجتمع والدولة والاقتصاد " ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل إنه وفي عصور لاحقة تم إضفاء صبغة الألوهية على الحاكم ، يقول الدكتور أحمد الموصللي " في مصر قامت الخلافة الفاطمية الشيعية على الحكم الوراثي ، وكان يتم أخذ البيعة الشعبية بعد تولي الخلافة ، وقد حوّر الفاطميون مفهوم الخلافة أكثر من العباسيين والأمويين ، حيث إدعوا الألوهية لأئمتهم ، وأجبروا القضاة وموظفي الدولة على تبني العقائد الفاطمية الشيعية " ..!!

ومن أهم معوقات الفكر السياسي الإسلامي تغيير قاعدة السياسة إلى قبلية وشعوبية ، واستحواذ عقلية الشعوذة والخرافة والعرقية على العقل الاسلامي والثقافة الإسلامية ، يقول الدكتور عبدالحميد أبو سليمان " على الرغم من الطاقة الإيمانية ، والحضارة السامية العظيمة ، التي فجرها الإسلام ، فإن رواسب التقاليد والثقافات والفلسفات ( الفارسية والرومانية والإغريقية والهندية ) وتغيير قاعدة السياسة ، إلى قبلية وشعوبية ، قد عملت على تشويه الرؤية الإسلامية ، وتدمير منهجية الفكر والمعرفة الإسلامية ، وتلويث ثقافة الإسلام ، مما أفقد الأمة بُعدها العام ، ومكَّن لعقلية الشعوذة والخرافة والعرقية ، من أن تستحوذ عليها ، وانتهى ذلك الغبش العقدي الفكري والتشوه الثقافي إلى الجمود والتخلف الذي أورث قيادات الأمة الضعف والعجز ، مما نتج عنه التأخر والإرهاب السياسي والديني ، وأورث الأمة نفسية العبيد التي تتسم بالفردية والخوف وعدم المبادرة. ، وجعل من الأمة جسداً خامداً يخلوا من روح الوحدة والتكافل ، ومن روح الشجاعة ، ومن طاقات القدرة والإبداع ، وأصبحت الأمة مطية لكل راكب ، وصدى لكل ناعق ، وفريسة لكل عدوٍ وطامع "

وكانت النتيجة الطبيعية لكل ذلك هي غياب الحرية الفكرية والبحثية في حياة المجتمع الاسلامي والتي تمثل عائق كبير من عوائق تطور الفكر السياسي الإسلامي ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمد أمين " إن النظام الاستبدادي الذي ساد معظم فترات الحكم الإسلامي ، بعد عهد الخلفاء الراشدين ، والفكر الدستوري أو السياسي بوجه عام لا تزدهر أوراقه ، ولا تنبت بذوره ، إلا في أجواء تسودها الحرية ، ويغيب عنها القهر والاستبداد " ، وترتب على ذلك عدم قيام الفقهاء المسلمين بالتعمق والبحث والدراسة في مجال الأحكام والأفكار السياسية ... يقول الدكتور أحمد محمد أمين " اتجهت عناية الفقهاء إلى أحكام العبادات ، وعلوم الحديث ، والتفسير ، وآصول الفقه ، ومسائل الأحوال الشخصية ، أما المسائل المتعلقة بنظام الحكم ، فقد كانوا قليلي العناية بها ، اللهم إلا إذا استثنيت الأحكام المتعلقة بالخلافة " ويقول في ذلك الدكتور علي خليفة الكواري " لذلك هبط حكم المسلمين تدريجياً ، إلى براثن الاستبداد ، عندما سخر الحكام الفكر السياسي السائد في كل عصر من العصور ، لتبرير نظم حكمهم ، وكان من نتائج ذلك أن الفقهاء لم يتصدوا للجانب الدستوري بما يُمكّن المسلمين من تحقيق مقاصد الشريعة ، وتطبيق مبادئها التي تراعي اختلاف الزمان والمكان ، ومن هنا ابتعد المسلمون بعامة عن التطور السياسي " وفي ذلك يقول الدكتور عبدالرزاق السنهوري " بقي شطر الفقه الإسلامي ( الفقه السياسي ) المتعلق بالقانون العام في حالة طفولة بسبب عزوف الفقهاء المسلمين عنه " ..!!