Image

اليمن ما بعد 11 فبراير.. تكالب عليها الحوثي والمنتفعين في وأد الحرية وتكميم الأفواه

يحق للإنسان أن يحلم بالتغيير ويحلم بالتجديد، ولكن حينما يصبح الحلم كابوسا، على المرء أن يصحو سريعا ويعيش واقعه ويتطلع نحو المستقبل. 

اليمن كأي دولة نامية حفرت في الصخر من أجل رخاء شعبها وتحقيق التنمية المنشودة والأمل بالغد القادم، وهذا ما كان عليه حال البلد في ظل قيادته الرشيدة بزعامة الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح رحمة الله عليه، قبل 11 فبراير 2011، يخطو إلى الأمام، ومهما كانت خطواته التي يعتقد البعض أنها بطيئة، غير أنها أسرع وأكبر من إمكانيات اليمن، ولا ينكر الخصوم أنها تصل في آخر المطاف إلى الهدف المنشود نحو يمن جديد. 

 كثيرة هي المنجزات التي تحققت على مدى سنوات قيام الجمهورية، وتسارعت المنجزات في كافة الأصعدة والمجالات على مدى 33 عاما من تولي الشهيد علي عبد الله صالح رئاسة اليمن وتحقق في كل يوم مشروع.

وفي عهده عرف ببشير الخير لليمنيين كافة، في شمال الوطن وجنوبه ومن شرقه إلى غربه. 

لن نتحدث عن نهضة التعليم أو الصحة والجيش والأمن والاقتصاد، بل سوف نأخد جزئية هامة تعكس إلى أي مدي وصل الحكم الرشيد قبل نكبة فبراير، وما آلت إليه اليمن بعد تلك النكبة التي كان قادتها من الاخوان وعصابات الحوثي الإرهابية.

ولما كان الإعلام وحرية الرأى والتعبير مقياس أي دولة تنشد التطور وتحقيق الرخاء وتقدم الشعوب، عرفت اليمن حرية الصحافة وحرية التعبير في 22 مايو 1990 حينما أعلنت الوحدة اليمنية المباركة والتى مثلت البداية الحقيقية للتعددية الصحفية لكل مكونات المشهد الصحافي من الإصدارات وتنوعها وغزارة أسمائها وعناوينها وكثرة عددها الكمي، يقف على ما وصلت إليه فكرة هذه التعددية كمنارة تضيء الطريق  للمسيرة الديمقراطية وحرية الفكر والتعبير لكل إنسان على امتداد الوطن اليمني. 

وأعطى قانون الصحافة والمطبوعات لعام 1990 للأفراد والمواطنين وكذا للأحزاب والتنظيمات السياسية حق امتلاك الصحف وإصدارها وإدارتها.

اما فيما يتعلق بحبس الصحافيين، فالرئيس الشهيد علي عبدالله صالح كان أول من أعلن رفضه حبس أي صاحب رأي أو كلمة حرة. وطالب أثناء زيارته لوزارة الإعلام مطلع يناير 2004 بشطب المادة الخاصة بعقوبات حبس الصحفي، وتبنى في برنامجه الانتخابي كذلك تعديل قانون الصحافة والمطبوعات بحيث يتضمن مواد تحمي حرية الصحافة وصون المهنة وتمنع حبس أي صحفي بسبب حرية الرأي أو اختلاف في وجهات النظر أو النقد المباح المعروف في الصحافة.

وبروز سجل سياسي إعلامي فكري كانت ساحته الأساسية القضاء الذي كان بمثابة مرجعية لفض الاشتباكات في تفسير القوانين أو تجاوزها بين الصحافة والجهات المسئولة عن تطبيق قانون الصحافة. ولقد قال القضاء كلمته الأخيرة وبشكل عام في مجمل القضايا الصحفية التي طرحت عليه. وأظهرت الوقائع الملموسة التي شهدتها العديد من المحاكم نزاهة وإخلاص القضاء. 

جاء 11 فبراير 2011 بكل ما يحمل من انتكاسة لليمن واليمنيين وقلب الحياة وبدد كل الآمال نحو المستقبل المنشود، وأصيبت حرية التعبير في مقتل. تلك الحرية التي استغلوها في التغرير بالشباب ودفعهم لاستعداء الدولة ومؤسساتها، وعملوا من خلال استغلال الحرية على تدمير وطن آمن ومستقر لا يخضع للتدخلات والتجاذبات الإقليمة والدولية.

وأصبح كل من يخالف جماعة (ارحل) مصيره السجون أو الإقصاء من الوظيفة العامة، خاصة في المؤسسات الاعلامية، واستبدلت الكفاءات بشباب من الساحات لا يفقهون شيئا سوى الشتم والتضليل. ووجدنا خطيب ساحات يصبح في يوم وليلة نائبا لوزير الإعلام لأنه يحمل بطاقة الإصلاح، ووضعوا في مجلس الرئاسة راجح بادي أشبه بالمشرف الذي يعرقل كل القرارات والتعيينات ممن يخالفهم الرأي أو الانتماء وتمرير قرارات الإخوان. 

لم تعد هناك حرية تعبير بعد 11 فبراير المشؤوم سوى حرية الإخوان وإعلام الإخوان، والذين قامت مليشياتهم بفتح سجون خاصة واعتقالات للمعارضين خارج القانون، شاركهم ذلك العمل الفاضح مليشيا الحوثي بعد انقلابها على الشرعية في 21 سبتمبر 2014. هنا عادت اليمن إلى زمن القمع وتكميم الأفواه، وأصبح كل من ينتقد الحوثي يختطف وتمارس عليه كل صنوف التعذيب والتنكيل في سجون عصابات الحوثي التي لم تكتف بذلك بل أصدرت أحكاما بالإعدام في حق صحفيين وعطلت وأغلقت كافة الصحف الحزبية ومارست للرقابة على المواقع الإكترونية والتواصل الاجتماعي، مما أدى إلى هروب كم كبير من الإعلاميين من مناطق سيطرة الحوثي والتوجه إلى مناطق سيطرة الحكومة. وهناك لم يجد الغالبية الملاذ الآمن. وجدوا الإخوان ومليشياتهم لا تقل فظاعة عن الحوثيين، بعد أن عمدوا على عرقلة عودة الصحف الرسمية كصحيفة الجمهورية وقاموا بتدميرها ونهب مطابعها بشكل منظم بعد تحرير الجحملية في مدينة تعز، تلك الصحيفة التي تذكرهم بممارساتها في قمع الحرية التعبير حينما قاد شيخهم عبد المجيد الزنداني حملة على "الثقافية"، وأراد إغلاقها وحبس من كان مسؤلا عليها. 

بعد فبراير المشؤوم، أراد الحوثي و الاخون تحويل الإعلام من منصة للنقد البناء القائم على حرية التعبير،  منصات للتدمير وقصف الآخر بوابل من قذائف التهم والتخوين والشتم والتجريح، ودفعوا بذباباتهم الإكترونية لمهاجمة كل شريف أو ممن يختلف معهم بالرأي، واستخدموا مواقعهم الإكترونية في إثارة النعرات المناطقية والطائفية والمذهبية وإثارة الحرائق والفتن ونشر الاكاذيب والشائعات وإعاقة التحرير من مليشيا الحوثي، ليظهرا بعد أكثر من ثمان سنوات حرب أنهما وجهان لعملة واحدة في قمع الحريات ومصادرة الرأى في واقع مرير يواجهه الصحفيون من فبراير 2011 وحتى فبراير 2023 في عدم احترام حرية التعبير، والتوجّس من الصحافة والصحفيين، والذي أدى إلى اعتبار اليمن منطقة غير آمنة للعمل الصحفي لتحتل مرتبة متقدمة في كونها من أسوأ بيئات العمل الصحفي حول العالم في التصنيف الدولي.