الحكام الفعليون يبحثون عن قيادة جديدة.. كيف تعيش عدن والمناطق المحررة في ظل حكومات الفساد؟

"فشلوا حتى في المساواة بالظلم"، بهذه العبارة لخّص أحد الموظفين الحكوميين في مدينة عدن، حالة المجلس الرئاسي وحكومته المزرية، والتي يمقتها جميع اليمنيين.
ويتابع الموظف الذي رفض ذكر اسمه حتى لا يتم الاجهاز على ما تبقى له من فتات ما يسمى بـ "الراتب"، :" كيف تريد لموظفين أو مدنيين بسطاء أن يكنوا قدرًا من الاحترام أو الاعتراف بهذه الحكومة ومن خلفها مجلس المعاشيق، وهي لم تستطيع ان تساوي بين الموظفين الحكوميين في الظلم، حيث يتقاضى المعلم راتب لا يتجاوز 40 دولار بالشهر فيما يتقاضى (مفسبك) 5 ألف دولار، ويعيش في رفاهية وعائلته خارج البلادً".

تعيش عدن والمناطق المحررة حالة من البؤس المعيشي نتيجة التدهور الاقتصادي، وتراجع سعر صرف الريال أمام العملات الاجنبية، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، في ظل غياب أي دور للحكومة والرئاسي في معالجة تلك الاوضاع، والذين يكتفون فقط بالتصريحات الاعلامية.

عدن اشبه بقرية
ويتحدث المعلم، بأن عدن باتت اليوم اشبه بقرية نائية، نتيجة غياب جميع الخدمات، وتدهور الحالة الامنية والصحة والتعليم، والأفظع من ذلك كله حسب قوله "عدم مقدرة المواطن في توفير لقمة العيش له وأسرته"، نتيجة ارتفاع اسعار السلع والخدمات مقارنة بحجم الدخل للفرد والاسرة الشهري.
ويشير إلى ان من يعيش حياة شبه كريمة ومستقرة في عدن والمناطق المحررة اليوم، هم أولئك الذين يرتبطون بمراكز القوى، والموظفين الحكوميين المتواجدين في الخارج، اما الموظفين والمدنيين العاديين، فحياتهم عبارة عن معاناة يومية تبدأ بالبحث عن قيمة وجبهة الفطور وتنتهي بالنوم بدون عشاء في أغلب الاحيان.

زيارة رسمية
وفي هذا الصدد، يؤكد أحد الموظفين الحكوميين في عدن، بمن يأتون إلى قصر المعاشيق الرئاسي في المدينة من مسؤولين قادمين من مقر اقاماتهم الدائمة في الخارج، بأن زيارة المسؤولين الحكوميين بمن فيهم رئيس الحكومة معين عبدالملك او قيادات مجلس القيادة الرئاسي يأتي إلى عدن في زيارات رسمية، ولا يعدون انفسهم مسؤولين عن هذه البلاد الا امام الاجانب.

وأكد في حديثه لـ"المنتصف"، تقاضي المسؤولين الحكوميين والمرافقين لهم مبالغ بالعملات الصعبة تحت مسمى "بدل زيارة عدن"، كما يعشون خلال الايام القليلة التي يقضونها في المدينة كأنهم أجانب ينفقون ببذخ دون مراعاة حالة سكان المدينة، كما يتصرفون بتعالي وعنجهية في حال تمكنوا من مغادرة المعاشيق إلى بعض أحياء المدينة.
ويشير الموظف الحكومي، إلى ان زيارة اعضاء الحكومة ورئيسها ومن خلفهم قيادة المعاشيق إلى عدن، تأتي بأوامر من الحكام الفعليون للمدينة والمناطق المحررة والمتمثل بعدد من السفراء الخليجيين والاجانب، وهي تتزامن مع توقيع اتفاقيات مشاريع او تقديم مساعدات او منح مالية، يتم تحويلها مباشرة إلى حسابات خارجية.

من يحكم عدن ؟
سؤال دائمًا ما يتردد في جميع الأماكن والمناسبات حتى عندما تستقل وسيلة مواصلات بين المدن المحررة او في شوارع عدن نفسها، من يحكم المناطق المحررة وعدن؟ لتأتي الاجابة من أي شخص قد تصادفه أثناء طرح السؤال "السفراء  الفلاني والفلاني" ( نحتفظ بذكر الأسماء لأسباب دبلوماسية)، اما المسؤولين الذين يعتبرون انفسهم اعضاء في الحكومة او في الرئاسي او في الاجهزة التابعة لهم، فهم عبارة عن شلة تمارس الفساد لمعرفتها بأنها لا تستطيع ان تحكم، او كما يراد لهم ان يمارسوا ذلك الفساد بضوء اخضر من الحكام الفعليون، ولأسباب سياسية؟

يتحدث معظم ، إن لم يكن جل سكان عدن، عن الفساد الكبير الذي يمارس في المؤسسات الحكومية ومن أعلى راس هرمها رئيس وأعضاء الرئاسي والحكومة ورئيسها، والذين لا يبدون أي اهتمام بالمواطنين البسطاء، فقط همهم توفير مرتبات بالعملة الاجنبية لعناصرهم المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي لتلميعهم ليل نهار، وهم من تحدث عنهم المعلم في بداية التقرير.

من هادي إلى العليمي
عاشت وتعيش عدن منذ تحريرها من مليشيات الحوثي في العام 2015، وكذا المناطق التي تم تحريرها بمساندة التحالف العربي بقيادة السعودية، حالة من الانهيار في جميع الخدمات التي كانت تقدم من الجهات والمؤسسات الحكومية في عهد النظام السابق، فضلا عن غياب شبه تام للحالة الامنية التي ترتكز عليها بقية الأمور الحياتية.

وتتحدث الاوساط السياسية والاجتماعية اليمنية، عن فشل او تعمد من التحالف العربي بقيادة السعودية في اختيار حكام للمناطق المحررة منذ العام 2015، مشيرة إلى ان جميع من تعاقب على الحكم فيها، لم ينجزوا شيء واكتفوا بالنهب والسلب للأموال العامة والمقدمة من المانحين والقيام بعمليات توظيف مخالفة وبدراجات عليا، جميعهم يتقاضون مرتبات بالعملات الاجنبية.
ووفقا لتلك الأوساط فإن التحالف العربي خاصة السعودية تسعى اليوم إلى استبدال الحكام الذين تم اختيارهم قبل عامين وفقا اتفاق جديد ينص على تنصل التحالف عما يجري من فساد تم زرعه في تلك المناطق لسنوات، وللخروج مما تعيشه البلاد من حالة تدهور في شتى المجالات أسوائها الحالة المعيشية.

طابع الفساد
ويرى العديد من المراقبين ان جميع من تولى الحكم في المناطق المحررة عقب تحريرها من مليشيات الحوثي الإيرانية، تم اختيارهم بعناية ويتم تدويرهم واضافة شركاء جديد اليهم، يتحدون جميعهم في صفة رئيسية "الفساد" الذي طال كل شيء حتى لقمة عيش المواطن اليومية.
واوضحوا بأنه لم يعد يذكر أي مسؤول او قيادي الا وذكر الفساد قرينا جوار اسمه، وان تلك القيادات والمسؤولين السابقين والحاليين لا يمتلكون أي تأييد شعبي في أوساط المدنيين، على خلفية فشلهم في توفير ومعالجة أبسط الخدمات المتمثلة بالكهرباء،  فيما القائمة تطول في ذكر فشلهم والتي تبدأ بصرف المرتبات وعدم مساواة الموظف بالداخل مع الموظفين بالخارج.

وبالنظر إلى التقارير الدولية والمحلية حول الحالة التي تعيشها المناطق المحررة سيجد المتابع بأنها تزداد تدهور كل عام بل كل شهر، خاصة في الجوانب الغذائية والأمن الغذائي والطبي والتعليمي، والامني، إلى جانب تسجيل مزيد من الانتهاكات التي تمارس بحق المدنيين في جميع المناطق شمالا وجنوبا.

معاناة يومية 
يتحدث أحد سكان عدن البسطاء، عن كيفية كفاحه اليومي لتوفير متطلبات البقاء على قيد الحياة في ظل حكم الفساد، بأنه يبدأ يومه بالبحث عن قيمة الروتي للفطور والذي يكلفه 1000 الف ريال، وبعدها يبحث عن شيء يأكله مع الروتي والذي يغلب عليه الشاي دائما والذي يتطلب مبلغ 1000 ريال ايضا لعدد خمسة من افراد اسرته.


ويتابع، بعدها يبحث عن عمل من اجل توفير قيمة وجبهة الغداء والتي تحتاج إلى مبلغ 2000 ريال على أقل تقدير، ويضحك بعدها قائلا اعجز احيانا في توفير حق "الثلج" للحصول على مياه باردة في ظل الحمى الذي نعيشه نتيجة انقطاع الكهرباء لأوقات طويلة، فيما يحتاج حسبه قوله 1500 ريال حق العشاء.
خمسة آلاف ريال لتوفير احتياجات معيشية ضرورية للبقاء على قيد الحياة لأسرة لديها مسكن ملك، في عدن، أي بمعدل 150 الف ريال شهريا، غير بقية المتطلبات الخاصة بالعلاجات او المدارس او غيرها.. فيما مرتب الموظف العادي لا يتجاوز 75 الف ريال لا يصرف شهريا، فهل يعي القائمين والمسؤولين عن المواطنين في هذه البلاد المنكوبة بهم.

موظف خارجي
في المقابل يتحدث أحد الموظفين الحكوميين المرافق للحكومة والرئاسي في الخارج، بأن راتبه الشهري لا يتجاوز 15 ريال سعودي، وانه لا يكفي لتوفير تكاليف تدريس اطفاله بمدارس وجامعات خاصة، وللعيش بمستويات تناسب محيطه الاجتماعي من السعوديين!
وبالمقارنة وفقا لسعر صرف الريال اليمني مقابل السعودي البالغ 403 ريال، أي ان الموظف في الخارج يتقاضى بعملية حسابية بسيطة أكثر من 6 مليون ريال يمني شهريا، وما بين 75 الف ريال يمني بالشهر للموظف في الداخل والستة الملايين للموظف في الخارج الذي لا ينجز أي مهام ويعيش بأمن وأمان ورعاية وغيرها من متطلبات الحياة التي تتوفر فيها الكهرباء والخدمات الاخرى، يتضح حجم الفساد وعدم اللامسوؤلية التي تحملها هذه الحكومة وغيرها من المسؤولين الفاسدين فعلًا.