Image

كتابات ثورية تؤكد .. هوية وواحدية الثورة اليمنية بفلسفة فريدة يجسدها الحاضر ..

ثورتيّ سبتمبر وأكتوبر صنعتا تاريخًا مختلفًا لليمن 

سطر العديد من الكُتَّاب اليمنيين، على مدى العقود الستة الماضية، العديد من المقالات والكتابات، التي أجمعت كلها دون استثناء واحدية الثورة اليمنية شمالًا وجنوبًا، بل أكدت امتزاج دماء الثوار في جميع المناطق اليمنية، لرسم هوية  الثورة وملامح اليمن الواحد.

وتوكد تلك الكتابات التي نقتبس جزءً بسيطًا منها لإعادة نشرها في الذكرى الـ 60 لثورة 14 اكتوبر 1963م، بأن النضال الثوري تَشارَك فيها أبناء الشمال والجنوب على حدٍ سواء، واتخذوا من الأراضي اليمنية في محافظات اب وتعز والبيضاء شمالًا، وعدن ولحج وشبوة جنوبًا، مناطق لخوض النضال الموحد ضد الإمامة والاستعمار، ونجحوا في تحقيق أحلامهم في التحرر والحرية، فلا جدال يجب أن يُخاض في هذا المجال.

 

خواطر أكتوبرية

تحت هذه العنوان يكتب السياسي البارز ورئيس مجلس الشورى الحالي الدكتور احمد عبيد بن دغر، في حائطه بموقع التواصل "فيسبوك" رصدها "المنتصف نت"، قائلا :"لن تتكرر ظروف الستينيات التي تخلّقت في رحمها ثورتيّ سبتمبر وأكتوبر رغم اختلاف الواقع وطبائع الاستبداد في بيئتيهما، لقد جرت مياه كثيرة في نهر الحياة، لكن بقي هناك على أرض اليمن شعب تتوارث أجياله روح المقاومة، وتسكن وعيه قيم الحرية، سبتمبر وأكتوبر ثورتان مفصليتان في تاريخنا الحديث والمعاصر، ترسمان ملامح الحاضر وسمات المستقبل". 

"في شماله كان الشعب اليمني يثور رافضًا أعتى الأنظمة الثيوقراطية الكهنوتية في تاريخ الأمة، أكثرها تخلفًا ودموية، فكانت ثورة سبتمبر، وفي جنوبه قاوم الشعب اليمني بشراسة أعتى النظم الاستعمارية، وأشدها بطشًا، سلمًا فلم يحقق هدفه في الحرية والاستقلال، فكانت ثورة أكتوبر". 

ويتابع "بعد أيام سنحتفل بالذكرى الستين لثورة أكتوبر، الثورة التي قوضت ما عُرف في التاريخ الاستعماري بسياسة شرق السويس، وكانت عدن ركيزتها وقاعدتها بعد رحيل البريطانيين من مصر. كانت هي آخر المواجهات العربية الكبرى مع المستعمرين في العالم العربي إذا استثنينا القضية المركزية".

"بانتصار ثورة أكتوبر أدرك البريطانيون أنهم مضطرون بل مرغمون على إسدال الستار على تلك المرحلة بمفاهيمها السياسية، والرحيل عن الجنوب اليمني.  أدركوا أنهم يحتاجون إلى سياسات مختلفة، تعطيهم النفوذ ذاته والمصالح ذاتها دونما الحاجة لمواجهة عسكرية مباشرة مع شعوب المنطقة". 

"حينها كان ثوار الجبهة القومية ومعهم كل القوى الوطنية يصنعون تاريخًا مختلفًا لليمن وللمنطقة ويعطونه وجهة أخرى، ومسارًا مختلفًا عما أراد له المستعمرون الذين تشبثوا بوجودهم في مستعمرتهم عدن ومحمياتهم، لكنهم أدركوا الفشل وأدركهم. لقد تأثر اليمن وعيًا وثقافة بثورات التحرر العربية والعالمية، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولا شك أن التأثير الأكبر جاء من ثورة يوليو المصرية". 

"سيقف المؤرخون والمفكرون طويلًا أمام ثورتيّ سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، وما أحدثتاه من تحول في تاريخ اليمن لازالت توابعه تتوالى وتترى ولم تتوقف، فما جرى ويجري في بلادنا اليوم هو امتداد لتلك المرحلة، وذلك الصراع بجذوره الثقافية والاجتماعية، مضافًا إليه تراكمات العقود الستة الماضية من النجاح والفشل".

14 أكتوبر ثورة الهوية اليمنية

من جانبه يرى الكاتب عبدالخالق عطشان، في هذا المجال ويقول :" بينما كان الإمام الناصر عبدالله بن الحسن يخمد ثورة القبائل اليمنية ضد استبداده، والتي زحف بعض رجالها من برط، والبعض من أرحب لحصاره في صنعاء، ثم ذهابه إلى (إب) لإخماد ثورة القبائل التي حاصرته وهزمته، واضطرته للهرب إلى صنعاء، وهلاكه بعد ذلك على ايدي الثوار من قبائل همدان، كان السلطان محسن العبدلي سلطان لحج وعدن يقود مقاومة باسلة مع قبائله ضد القوات البريطانية الغازية في 19/1/1839 مبدياً صمودًا اسطوريًا أمام كثافة النيران الاستعمارية في معركة غير متكافئة انتهت بهزيمة الثائر اليمني العبدلي ورجاله وبداية احتلال البريطانيين للجزء الجنوبي من اليمن.

ويتابع الكاتب " مع اشراقة شمس يوم 14من اكتوبر 1963م كان هنالك فجر ثورة يشرقُ ضحاها من فوهة بندقية الشهيد راجح بن غالب لبوزة والذي مازالت قدماه وأقدام رفقاء دربه مغبَرة من آثار تراب المحابشة وتعز وإب حين كانوا ثوارًا وأبطالًا في ثورة 26 سبتمبر يطارِدون فلول الملكيين، وينهون مع إخوانهم في شمال اليمن حِقبة حكم كهنوتي كان سببًا رئيسًا في تقسيم اليمن وتشطيره".

ويرى الكاتب، بأن ثورة ال26 من سبتمبر، لم تكن إلا إيذانًا بانطلاق ثورة ال14 من اكتوبر، ولم تكن الفترة الزمنية القصيرة بينهما إلا فترة تخطيط وترتيب و إعداد ما استطاع الثوار ( في شمال اليمن وجنوبه)، من قوة لبدء ساعة الصفر وانهاء حكم المستعمر البريطاني، والذي كانت بداية نهايته على يد البطل راجح بن غالب لبوزة، والذي كان علماً بارزا على علم ردفان، فأطلق شرارة الثورة الأولى وافتتح تضحياتها بروحه وكان دمه الطاهر هو أول دمٍ سُكِب على ابواب ثورة 14اكتوبر فكان وقودًا ابقى شعلة الثورة متوهجة حتى أجبرت  المستعمر على حمل عصاه والرحيل.

ويشير إلى انه على الرغم من كل المؤامرات، إلا أن اليمن تظل بحرًا لا يقبل الجيفة وستتحطم على امواجه العاتية سفن قراصنة الاستبداد والاستعمار، فالرحم التي أنجبت علي عبد المغني، وراجح لبوزة، انجبت اليوم أبطالًا يسيرون على نهجهما الوطني والثوري سيبددون ظلام الرجعية الجديدة بضحى شمس سبتمبرية وأكتوبرية يستحيل طمسها بأكف الضلالة والاستبداد.

وعي بمعنى الوطن 

أما الكاتب القدير (قادري أحمد حيدر)، فقد خط قلمه كلمات وسطور جاء فيها :"إنّ ما يحدث في اليمن اليومَ، شمالًا وجنوبًا، من تطورات مأساوية على الأصعدة كافة، يجعلنا، بل يفرض علينا فرضًا أن نعيد قراءة وفهم ذلك التاريخ بصورة أعمق وأشمل، لندرك ونعي ونفهم القيمة السياسية والوطنية والاجتماعية (التاريخية) لمعنى ودلالات ثورة 14 أكتوبر 1963م، وثورة 26 سبتمبر 1962م".

ويتابع :" وسيكون مفيدًا ومهمًّا، بل وضروريًّا العودة قليلًا إلى الخلف (فلاش باك)، لنرَ واقع وخلفية ما كان، لندرك المعنى والقيمة والوزن النوعي؛ السياسي والوطني والتاريخي للثورة اليمنية كلها، ولندرك أكثر ونرى الصورة بشكل أوضح وأعمق، ليس على طريقة قياس الحاضر بالماضي، أو "قياس الشاهد على الغائب"، وفقًا للمقولة الفقهية/ والفلسفية، وإنّما لنبحث عن قصورنا وأخطائنا، باتجاه تصويب ما كان، وإعادة قراءته بصورة أشمل، ونحن نكتب حضور الذات في التاريخ، حضورها في الفكر، وفي الممارسة السياسية (العملية)، هذا من جهة أولى، وهي دعوة للاعتراف بعظمة ونبل المنجز على ما رافق ذلك من قصور، بل وحتى خطايا، وبهذا المعنى هي ليست دعوة لتصفية حساب مع تاريخنا السياسي والوطني، بل لتعميقه وتأصيل معناه أكثر في وجداننا وعقولنا، وهذا من جهة ثانية". 

"ولنفهم، ونتفهم بعقل تاريخي، قيمة ما أنجز في أصعب وأقسى الظروف والتحديات، في صورة مقاومات عظيمة دُفِعَ ثمنها من أقدس الأرواح التي أعادت، بتضحياتها، إلينا الوعي بمعنى الوطن، وبمعنى الحرية والسيادة والاستقلال والتحرير، فقط من لا يعمل هو من لا يخطئ".

ويواصل الكاتب السرد التاريخي للواقع الثوري اليمني :" لم يعرف الجنوب اليمني الهُوية السياسية والوطنية الواحدة، في صورة الدولة الواحدة المستقلة، خاصة وتحديدًا من بعد الإسلام، ففي اليمن القديم عرف الجنوب اليمني (اليمن السعيد/ يمن جنوب الجزيرة العربية)، أكثر من دولة مركزية في أكثر من مكان: أوسان وقتبان وحضرموت، دخل بعدها في تاريخ تشكُّل ونشوء الدويلات الصغيرة المختلفة، إمارات وسلطنات ومشيخات، جاءت تعبيرًا عن هُويات سياسية قبلية وعشائرية ومناطقية وجهوية، حتى وقوعها تحت حكم دول أجنبية، وتحت حكم الإمامة لفترات قصيرة ومحدودة جدًّا".

"لقد تأخّر سؤال الدولة الوطنية الواحدة والمستقلة للجنوب اليمني كثيرًا، حتى كانت اللحظة الإمبريالية/ مع تحول الرأسمالية، إلى حالة استعمارية، في احتلال عدن، وبعدها العديد من مناطق الجنوب اليمني، وهي اللحظة التي تبلوَرت وتشكّلت وانطلقت منها، ومن خلالها، وبالتدريج، سؤال الهُوية السياسية الوطنية الموحدة والواحدة، للجنوب اليمني (الدولة والأرض والإنسان)، وهو سؤال بدأ مع وضع الاستعمار البريطاني أقدام سُفُنه الاحتلالية الاستعمارية على مياه البلاد، ومنها، وبالتدريج، في تقديري، بدأ تبلور وتشكُّل سؤال الهُوية الوطنية الواحدة والمستقلة للجنوب اليمني، تاريخ امتدّ من 19 يناير ١٨٣٩م، حتى تاريخ المفاوضات العظيمة من موقع الندّ، والتي كان ثمرتها السياسية والوطنية إعلان دولة الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، وبين لحظتَي الاحتلال، والاستقلال الوطني الكامل والناجز، تاريخ طويل من الكفاح ومن التضحيات الذي خاضت غماره جميع قوى المجتمع والشعب في جنوب البلاد؛ الانتفاضات القبلية والفلاحية الممتدة على طول ذلك التاريخ، نضالات مختلفة وأشكال مقاومة متنوعة ضد الاستعمار، فلم يكن الاحتلال البريطاني للجنوب اليمني، سهلًا وبدون ثمن".

ويقول "وبين الاحتلال، والاستقلال تاريخٌ طويل، وبشع من العنف والعدوان الاستعماري الذي اشتغل على واقع "التجزئة"، وعلى واقع تشتُّت وتبعثر المقاومات الوطنية له، وعدم انتظام وتنظيم تلك المقاومات في إطار سياسي تنظيمي قائد لها، مقاومات كان يخترقها المستعمر وينفرد بها سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا وماليًّا، من خلال شعاره "فرق تسد"، ومن خلال الاتفاقيات، والمعاهدات، والاستشارات، التي عقدها الاستعمار مع معظم رموز هذه السلطنات والإمارات والمشيخات".

تاريخ من النضال 

ويسرد تاريخ النضال خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي فيقول :" وفي هذا الاتجاه، تشكّلت رابطة أبناء عدن (الجمعية العدنية)، للمطالبة بحقوق أبناء عدن في مواجهة أبناء الجاليات الأجنبية المرتبطة بالمشروع الاستعماري مباشرة، "عدن للعدنيين"، وفي مواجهة هذا المشروع الانفصالي الصغير، نشأت وتشكّلت "رابطة أبناء الجنوب العربي" 1951م، ويقال في 1950م، وعلينا هنا أن نعترف أنّ ظهور "رابطة أبناء الجنوب العربي"، كان قفزة سياسية وطنية نوعية متقدمة في ذلك الحين، خطوة متقدمة على مستويين: مستوى الفكر السياسي الوطني، وعلى مستوى التنظيم، والأهمّ أنّها كانت بمثابة جبهة وطنية عريضة، ففي داخل تنظيم رابطة أبناء الجنوب العربي، حضرت وانتظمت قوى سياسية واجتماعية مختلفة، بمن فيهم قوى التيار الماركسي، كأسماء: مثل (عبدالله باذيب وآخرين)، وفي قيادة الرابطة أسماء من الجنوب ومن الشمال اليمني، وفي العام 1956م تشكّلت "الجهة الوطنية المتحدة"، بقيادات وطنية يمنية كذلك من الجنوب ومن الشمال، وبعدها ظهرت الأحزاب الوطنية المعاصرة (البعث 1956م)، و(حركة القوميين العرب 1959م)، والتيار الماركسي في أكتوبر 1961م، وقد تضافرت في مواجهة ومقاومة الاستعمار، جميعُ أشكال النضال: السياسي المدني (المظاهرات، الإحتجاجات، حتى العصيانات المدنية المحدودة)، وفي هذا الكفاح السياسي المدني برز دور الحركة العمالية (النقابات)، (المؤتمر العمالي، وبعده النقابات الست)، والكفاح السياسي المدني للنساء، وللطلاب، الذين كانوا منخرطين في قلب الفعل السياسي الوطني التحرري".

أول من مارس الكفاح المسلح 

ويتابع الكاتب "وهنا لا بدّ من أن أشير إلى أنّ أول من مارس الكفاح المسلح بالفعل، هي خلايا فردية غير منظمة، قبلية ووطنية يمنية، من العديد من قبائل جنوب البلاد، والتي بدأت في العام 1957م/ 1958م، (قوات العاصفة)، ومنها رموز قيادية شمالية، والعديد من الرموز السياسية القبلية الجنوبية، وأسمت نفسها "هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل"، منهم الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي، السلطان محمد بن عيدروس العفيفي، الرائد محمد أحمد الدقم، الشيخ علي بن أبوبكر بن فريد، الشيخ محمد صالح المصلي، مهدي عثمان المصقري، ومجموعة أخرى معروفة ومدونة في الوثائق والمصادر التاريخية المختلفة، على أنّ أول من نبّه إلى ضرورة تبنّي خيار الكفاح المسلح، كخيار سياسي وطني في وثيقة مكتوبة وضمن رؤية تنظيرية وفكرية وسياسية وتاريخية، هي وثيقة أصدرتها "حركة القوميين العرب"، بعنوان: "اتحاد الإمارات المزيف مؤامرة على الوحدة العربية" في العام 1959م، وهي في تقديري من أعمق وأهم الوثائق في التنظير السياسي والوطني لمعنى جدل الوحدة الوطنية اليمنية، بين الشمال والجنوب، والتي رأت أنّ نقطة الانطلاق والانتصار للثورة في الجنوب، هو تشكُّل ووجود نقطة انطلاق "القاعدة"، للثورة، وذلك من خلال نجاح الثورة في شمال البلاد، وهي نبوءة مبكرة احتوتها الوثيقة، التي أنتجت لاحقًا. ميلاد "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل".

وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، اندفع أبناء الجنوب للدفاع عن الثورة من جميع مناطق الجنوب، مثلما كانوا حاضرين في الدفاع عن صنعاء خلال سنوات الحصار (السبعين يومًا)، إنّها جدلية الوطني اليمني في السياسة والاجتماع والتاريخ.

ولم يمرّ على قيام ثورة 26 سبتمبر، سوى أقل من خمسة أشهر حتى كان اجتماع القيادات الجنوبية في صنعاء في "دار السعادة"، بتاريخ 24 شباط/ فبراير 1963م، والذي تشكّلت فيه "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل"، من مجموعة من الأسماء (١١ اسمًا)، على رأسهم القائد الوطني الكبير قحطان محمد الشعبي.

وخلال بدايات الأشهر والسنوات الأولى من إعلان انطلاقة ثورة 14 أكتوبر 1963م، كانت المدينة "تعز"، هي نقطة أرض إمدادهم بالسلاح، وميدان تدريب وتأهيل الكوادر الفدائية المسلحة، كما كانت الملجأ الآمن لهم في فترات المطاردات الأمنية الاستعمارية، ونقطة انطلاقهم للسفر إلى خارج اليمن، فمعظم قيادات الصف الأول والثاني للجبهة القومية، كانت "تعز"، هي المكان الآمن لاجتماعاتهم وتشاورهم، جميعهم احتضنتهم "تعز"، ضمن الوعي السياسي الاستراتيجي بجدلية الوطنية اليمنية.

جردة حسابية

ويتناول الكاتب ما اسماها جردة حسابية للاسماء القيادية العليا للثورة فيقول " في جردة حسابية بسيطة للأسماء القيادية العليا والوسطى لجميع الأحزاب والنقابات والاتحادات المختلفة، في الشمال والجنوب، بما فيها قيادة الجبهة القومية، ولاحقًا الحزب الاشتراكي اليمني، والقيادات البعثية، والناصرية، سنجد أنّ الخارطة البشرية لتلك القيادات تحتوي كلَّ الجغرافيا الوطنية اليمنية.

وبمثل ما احتضنت المدينة "تعز"، القيادات الجنوبية من كافة الاتجاهات والتيارات، كانت المدينة "عدن"، هي السباقة -تاريخيًّا- في احتواء وصهر أبناء تعز، وأبناء كل اليمن، المحميات الشرقية، والغربية، في بوتقتها الثقافية المدنية والوطنية، فعدن، هي التعدد في واحد، هي الكل في واحد، ولن تكون غير ذلك، وهو ما أهّلها لتكون القوة القاهرة في كسر هيبة ومكانة الاستعمار البريطاني، حين أسقطت "الجبهة القومية"، المستعمرة، عدن "كريتر"، ولمدة عشرين يومًا في أيدي فدائيي "الجبهة القومية"، في ٢٠ يونيو ١٩٦٧م، وكان ذلك عنوانًا لميلاد الاستقلال الوطني، الذي شارك في صناعته كل قوى المقاومة التحررية، تحت قيادة "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل"، كان رئيس الوفد المفاوض حول قضية الاستقلال، القائد قحطان الشعبي (أول رئيس للدولة)، ومن أعلن وقرأ بيان الاستقلال هو الفدائي عبدالفتاح إسماعيل، عضو المفاوضات في جنيف، لنيل الاستقلال الوطني، في الثلاثين من نوفمبر ١٩٦٧م، إنّها جدلية الوطنية اليمنية، التي كانت هي هُوية ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣م".

معنى جدلية وطنية

وهنا نقرأ بعمق معنى جدلية ووطنية ثورة 14 أكتوبر في علاقتها بالداخل في جنوب البلاد، وفي امتدادها الوطني إلى شماله، ضمن جدلية الوحدة والتعدد، الخصوصية والتنوع، وليس على قاعدة واحدية وأحادية الثورة القاتلة، "الضمّ والإلحاق"، و"التوحيد بالحرب والدم"، ومفاهيم "الثورة الأم"، و"الثورة البنت"، والثورة "الأصل"، والثورة "الفرع"، حسب مفاهيم وأيديولوجية رموز "الدولة العميقة"، من بقايا منظومة الإمامة، والمشيخ القبلي، و"العكفة الجدد"، الذين دمّروا بأفكارهم وسياساتهم وممارساتهم الثورة والجمهورية، والدولة، والوحدة، وهم عمليًّا من أوصلونا إلى هذا المآل الذي نعيشه اليوم.

ويواصل الكاتب " لقد أقامت ورفعت ثورة 14 أكتوبر 1963م، عبر الكفاح المسلح، والأعمال السياسية، والنضالية المشتركة المختلفة علَم الاستقلال الوطني الكامل والناجز في 30 نوفمبر 1967م، على أنقاض دويلات للسلطنات والإمارات والمشيخات، ولأول مرة –بعد قرون- تُبنى وتقام الدولة الوطنية اليمنية الواحدة والمستقلة في جنوب البلاد، وما أن نجحت الثورة وقامت، وبعد الاستقلال مباشرة، حتى بدأنا نسمع خطاب "الوحدة اليمنية الفورية"، والذي رُفض في حينه، لأسباب سياسية ووطنية عديدة؛ منها أولًا: انتكاسة الثورة في شمال البلاد، بعد انقلاب الخامس من نوفمبر 1967م، وعودة "ورثة الإمامة"، للتحكم بكل السلطة، ومعهم –بعد ذلك- بقايا الإمامة، وهم الذين لا همّ لهم من الوحدة سوى التمدّد الجغرافي والثروة، على حساب الثورة والجمهورية والدولة، وهو ما تحقّق بعد انقلاب نوفمبر 1967م، ولا أقرأ حرب 1972م، وحرب 1979م، والحروب الصغيرة المختلفة، سوى باعتبارها تحركات سياسية وعسكرية لتنفيذ أجندة رجعية واستعمارية، وكان الذهاب للوحدة الفورية، بعد ذلك، دون رؤية سياسية تاريخية لمعنى الوحدة هو الفخ الذي استثمرته القوى الرجعية في الداخل للانقضاض على كل المعنى السياسي، والجمهوري والوطني للدولة اليمنية الحديثة، وليست حرب 1994م، سوى الخطوة السياسية والعملية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من تداعيات سلبية، في الشمال والجنوب، أتت على كل المنجز الوطني والجمهوري لكلّ الثورة اليمنية، وما نشاهده اليوم ليس سوى امتداد لسياسات "الضمّ والإلحاق"، و"الانفصال"، التي تتخذ اليومَ الأشكالَ الأكثر بؤسًا وانحطاطًا". 

واخيرا طالب الكاتب "بضرورة إعادة قراءة ما جرى، وما يجري بصورة عقلانية ونقدية جديدة، لنرى أين أصبنا وأين أخفقنا..كل التحية والإجلال لثورة 14 أكتوبر 1963م، ولشهداء الثورة اليمنية في كل الأرض اليمنية".

تحضيرات وكفاح منظم لثورة أكتوبر.

وتحت هذا العنوان كتب الدكتور علي محمد الزنم عضو مجلس النواب (البرلمان)، قائلا:" بنجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ضد الحكم الإمامي في شمال الوطن بدأت التحضيرات الجادة والمنظمة لثورة 14 أكتوبر، حيث انطلق الشعب اليمني شمالاً وجنوباً يحمل السلاح دفاعاً عن ثورته الشعبية السبتمبرية في الشمال، والتفكير بعمل دفاعي ضد الاعتداءات العسكرية التي بدأت تشن في مناطق الجنوب بدعم من الاستعمار والسلاطين وبالذات في منطقة بيحان، حيث كانت تنطلق العمليات العسكرية لدعم الملكيين في مأرب تحت إشراف السلطان الهبيلي شريف بيحان آنذاك.

صنعاء تحتضن الثوار

ويتابع " لتحديد أساليب المواجهة والكفاح ضد الاستعمار وعملائه، فقد تم دعوة ممثلين عن الأحزاب والقبائل والشخصيات الوطنية في الجنوب للاجتماع في صنعاء في شهر فبراير عام 1963م، حضره حزب الشعب الاشتراكي وحركة القوميين العرب والتنظيم الناصري وتنظيم القبائل وممثلين عن المناطق في الجنوب، وخرج هذا الاجتماع بميثاق وطني حدد شكل الجبهة وتسميتها بالجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل، ولكن الإعلان عن البداية للكفاح المسلح الذي أقر في هذا الاجتماع كأسلوب رئيسي للنضال قد تأخر نتيجة الخلاف الذي برز حول تشكيل القيادة وضرورة توسيع التحالفات مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى. وقد بادرت حركة القوميين العرب إلى تنظيم هذا اللقاء وتقديم مشروع الميثاق الوطني ومن ثم مواصلة الحوار مع القوى الشعبية السياسية الأخرى، ولم تصل إلى نتيجة مع حزب البعث، وانسحب حزب الشعب الاشتراكي من صيغة الجبهة، وقررت حركة القوميين العرب مع بقية المنظمات والشخصيات الأخرى إعلان البداية للكفاح المسلح في 14 أكتوبر 1963م باسم الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل".

ولابد من الإشارة إلى أن قيادة ثورة 26 سبتمبر في الشمال والقيادة المصرية قد ساعدت على تبني الأحزاب والقوى السياسية والقومية في إيجاد إطار سياسي لها لتشديد عملية المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب وإتباع شكل النضال المسلح كشكل رئيسي في عملية المواجهة، خاصة وأن الجماهير اليمنية في كل مناطق الجنوب قد انتقلت بحماس إلى مدينة تعز والعاصمة صنعاء تطالب بحمل السلاح ضد الاستعمار وحماية الثورة السبتمبرية من الأعداء الذين تكالبوا عليها في الشمال ومن الاستعمار وعملائه في الجنوب.

الكفاح المنظم في الجنوب

وفي هذا الإطار يقول الكاتب: "كانت البداية للعمل المسلح قد أخذت بالعمل المنظم وكان لحركة القوميين الدور الرئيسي في ابتكار الأشكال التنظيمية لتجنيد طاقة الجماهير على كل المستويات في الكفاح ضد الاستعمار والسلاطين العملاء.وتشكلت قيادات محلية للجبهة في كل المناطق التي كان الاستعمار يتواجد فيها من خلال قواته العسكرية أو من خلال نشاطه الإداري المكثف، وفي إطار هذه القيادات المحلية كانت هناك أشكال قيادية للعمل السياسي وأخرى للعمل الطلابي والمرأة والنقابات والجيش والأمن حيثما يتواجد، وكذا للعمل الفدائي العسكري وتجمع هذه التشكيلات قيادة واحدة في المنطقة".

"ومن ثم هناك من يمثل هذه القيادات المحلية في القيادة المركزية الداخلية على صعيد الجنوب كله وتتحرك اليومية المباشرة وتتوزع حسب الظروف. بهذا الأسلوب المنتظم والدقيق وبإعطاء الصلاحيات للقيادات المحلية في المبادرة وإتخاذ القرار لمواجهة المصاعب والمهام اليومية، استطاعت الثورة التعامل مع الأوضاع في السلطنات والمشيخات حسب أولوية كل منطقة".

 نشاط جبهة عدن

ويتابع السرد " لقد بدأت جبهة عدن تنشط عسكرياً في النصف الثاني من عام 1964م، وهكذا توالت عملية فتح الجبهات في ردفان والضالع ورثينة وأبين والعوالق والشعيب وحالمين ويافع وغيرهما من المناطق الأخرى، إلا أن الكفاح لم يكن مكثفاً في شبوة وحضرموت والمهرة كما كان عليه الحال في ردفان وعدن والضالع وحالمين والشعيب في عشية الاستقلال عندما تم إسقاط تلك المناطق وهروب السلاطين منها.

ويؤكد " بأن ثورة 14 أكتوبر 1963م ستظل شأنها شأن ثورة 26 سبتمبر 1962م حدثاً بارزاً في حياة الشعب اليمني وستبقى ذكراهما خالدتين في ذاكرة الشعب حتى وإن لم يتم تدوين أحداثهما بالشكل المطلوب، وكذا الأجيال التي تتطلع إلى معرفة هذا التاريخ، وسيبقى كذلك حتى تكتمل الكتابة بالصورة الطبيعية والواقعية. وبما أن الشخصيات الوطنية التي شاركت وأسهمت بدور بارز في النضال الوطني وانتصار الثورة اليمنية في اعتقادي لاتزال هي المرجع الوحيد عن تلك الثورتين والنضال من أجلها، فكان علينا أن نتتبع ماذا يقول الرعيل الأول الذين شهدوا وشاركوا في صنع الانتصار لإرادة وحرية وكرامة الشعب اليمني من ظلم الإمامة والاستعمار، والجميع يؤكدون واحدية الثورة اليمنية"..

"كنا قد تحدثنا عن الثورة الأم 26 سبتمبر، وجاء دور ثورة 14 أكتوبر لنصحب القارئ عبر إطلالة قصيرة عن أهم الأحداث والمؤثرات لنجاح هذه الثورة وما رافقها من انعكاسات على اليمن أرضاً وإنساناً بشكل عام".

لتحديد البعد الزمني لهذه الثورة منذ وقت مبكر من الخمسينيات بالذات بعد قيام ثورة يوليو 1952م في مصر العربية واشتداد نضال حركات التحرير في الوطن العربي وخارجه ضد الوجود الاستعماري، وقد كانت اليمن تزخر بالانتفاضات والتمرد ضد الحكم الإمامي في الشمال والوجود الاستعماري في الجنوب وشكّلت عدن التي فيها القيادة المركزية للاستعمار البريطاني وقواعده العسكرية، مركز تجمع لكل اليمنيين شمالاً وجنوباً، ومنها كانت البداية للانطلاقة المنظمة لحركة الثورة اليمنية ضد الإمامة والاستعمار، ولذلك شهدت نهاية الخمسينيات النشاط النقابي والسياسي العلني داخل مدينة عدن وبعض المدن اليمنية الأخرى.

"وكان من الطبيعي أن يفكر الاستعمار البريطاني بأشكال سياسية جديدة ليتعامل من خلالها مع المتغيرات التي حدثت، ولاحتواء المشاعر التحررية التي تحركت في وجدان الجماهير اليمنية من جراء ثورة مصر القومية بقيادة الزعيم الراحل عبدالناصر، فقام الاستعمار بإنشاء مجالس بلدية محلية دعا لأول مرة أبناء مدينة عدن لانتخاب من يمثلهم في هذه المجالس مع اشتراطات حرمان أبناء المناطق المحميات الجنوبية، وأبناء الشمال من حق الترشيح والانتخاب في هذه المجالس، ومن ثم عمل الاستعمار البريطاني بحق التكوين النقابي للعمال في عدن وأصدر قوانين تنظم حرية التكوين للنقابات، وهكذا تطورت أساليب السياسة البريطانية في عدن والمناطق الأخرى، فيما كانت تُسمى بالمحميات، وكلما تطور وعي المواطن زاد من تفاعله مع الحركات الثورية والقومية في الوطن العربي كلما ابتكر الاستعمار أسلوباً جديداً لاحتواء هذه التطورات".

مواكبة للمتغيرات

ويتابع الكاتب السرد " مواكبة للمتغيرات وتعامل السياسة الاستعمارية البريطانية معها، فقد بدأ في هذه المرحلة البريطانيون يعملون على إيجاد صيغة اتحاد فيدرالي يجمع أولاً جميع السلطنات والدويلات في المحميات الغربية، ومن ثم صيغة اتحادية مع مدينة عدن والمحميات الشرقية حضرموت والمهرة، وترافق مع هذا النشاط البريطاني إنشاء مجلس تشريعي لمدينة عدن لإشراك المواطن العدني فقط وأبناء الجاليات الأجنبية في صنع القرارات الإدارية لمدينة عدن وحرمان أبناء المحميات الأخرى وأبناء الشمال من حق الترشيح والانتخاب إلى هذا المجلس. وهنا برز النفس الاستعماري الخبيث من خلال محاولة شق الصف بين أبناء اليمن، حيث قام البريطانيون بإشراك أبناء عدن وحرمان أبناء المحميات الأخرى أبناء المناطق الشمالية وحاول الاستعمار مواجهة كل الحركات الثورية بأساليب مختلفة ومتصاعدة لمواجهة المد التحرري في الجنوب اليمني، وخاصة بعد أن بدأ نشاط النقابات يتوسع تأثيره في أوساط الجماهير والتبني الواضح ليمنية عدن والمحميات الغربية والشرقية، واعتبار حق المواطنة في عدن لكل أبناء اليمن".

رافق هذه المرحلة نشاط نقابي واسع بعد عام 1958م، وقد برز النشاط الموسع لحزب البعث العربي وحركة القوميين العرب إلى جانب نشاط رابطة أبناء الجنوب التي شُكِّلت في نهاية الأربعينيات، وقد شكلت الجبهة الوطنية المتحدة عام 1956م، مع العلم أن نضال الرابطة كان هدفه من أجل دولة الجنوب العربي عدن والمحميات الغربية والشرقية لدولة عربية لا ترتبط باليمن ولا تعترف بيمنية هذه المناطق الجنوبية، وهكذا تصاعد النضال التحرري في الجنوب وبرزت احزاب أخرى كحزب اتحاد الشعب الديمقراطي (الماركسي) في عام 1962م، وغيرها من الأحزاب".

بين الماضي والحاضر

وفي الأخير قارَن الكاتب بين الماضي والحاضر قائلا "وفي ضوء ماسبق، ندعوكم للمقارنة والتأمل بما جرى في الماضي وأساليب الأستعمار البريطاني وأدواته في الداخل لتمزيق اليمن، ومايجري اليوم بأيادٍ لاتقل قبحًا عن الماضي، لكن المشكلة فينا لم نستفد من التأريخ وأحداثه التي تتكرر وإن أختلف الزمان والمكان والوجوه لكن الأهداف تلتقي عند نقطة تمزيق الوطن اليمني الكبير، وخلق الحروب والصراعات تحت مسميات عده لتحقيق أهدافهم الدنيئة التي تُفرّق ولا تجمع، فهل نعي ذلك جيدًا" .

ذكرى ثورة سرقتها الشعارات الزائفة

من جانبه كتب  المثقف "سعيد صالح بامكريد" حول سرقة الاحتفال بذكرى الثورة اليمنية بشعارات زائفة ، قائلا :" كانت اليمن السعيد على موعد مع ثورته الشعبية في جزءه الجنوبي ليلة الثالث عشر من أكتوبر عام 1963م، وأستمرت لعلعلة رصاص الثورة وزقزقة بنادقهم حتى صباح الرابع عشر، ليتم الإعلان عن انطلاقة ثورته لدحر الاستعمار، وطرد جلاوزته دون رجعة...تأتي هذه الثورة بعد عام واحد من نجاح ثورة سبتمبر الأم عام 1962م، لتؤكد واحدية الثورة اليمنية، وهذا ما أكده بعض ثوار 14 أكتوبر بأنهم تحركوا من مدينة "تعز" نحو الجنوب، بل ونحو عدن، وكانت تعز بالنسبة لهم هي القاعدة الأساسية لهذه الثورة.

جميع اليمنيين على مختلف مشاربهم تجمعهم الالفة والمحبة والأخوة ،ولم تفرقهم وتبعدهم عن بعض سوى الأفكار الشيوعية الزائفة...

في بلادنا "الجنوب " كانت البداية خاطئة، بل بشعة وشنيعة فبدلًا من تكريس الحس الوطني معادلا موضوعيا لما سموه "الاستقلال الوطني"، بدأت الجبهة القومية خطواتها الثورية ب "اللحس الوطني" و "الإخفاء القسري وملحقاته". فصار الخوف يصول ويجول في شوارع المدن الكبيرة في الجنوب، خصوصًا في عدن وحضرموت و...و...لقد رأينا بوضوح تام الجزع والرعب يغطي وجوه وملامح المواطنين خلال سبعينيات القرن الماضي، ويكفينا شهادة ما أطلقوا عليه " الأيام السبعة المجيدة وتخفيض الراتب واجب" ..

ويتابع قائلا :" نعم لقد حصل في تلك المرحلة تدمير ممنهج لمعنى الهوية الوطنية –المواطنة الصالحة-في النفوس والدواخل والضمائر، وبسبب ذلك صار الهروب من الوطن هو أقرب الخيارات للنائهين من أبنائه.. نعم صار الوطن بيئة طاردة لأبنائه من أصحاب المؤهلات والمواهب والمهارات، أصحاب القيم والأفكار النبيلة والانتماء المدني ..نعم داهم الرعب أهل العقول الناضجة والمشاعر الإيجابية الصادقة، فلم يعد أمام هؤلاء الشباب الرائعين من أبناء عدن وحضرموت وغيرهم سوى الرحيل والخروج والهروب من ذلك السجن الكبير الذي اطلقوا عليه " اليمن الديمقراطي الشعبي".

ظواهر سيئة 

ويرى الكاتب بأن حقبة السبعينيات من القرن الماضي وجزء من الثمانينيات شهدت ظواهر اجتماعية وسياسية سيئة ، فيقول :" شهدت سبعينيات القرن المنصرم وجزء من ثمانينياته ظواهر اجتماعية وسياسية سيئة جدًا جدًا، حيث سادت "المحسوبية" حياتنا العامة الوظيفية والمهنية والتي تواطأ بداخلها المناطقي والقبلي والحزبي الخبيث والعائلي الاناني، وتداخل ذلك مع الأفكار المناهضة للوطنية والمدنية والحريات العامة والحقوق الإنسانية بهدف ترسيخ العنصرية والطائفية ومحاربة عقيدة الشعب وموروثه الثقافي، فصعدت بسبب ذلك "الكراهية" الى سطح المجتمع فكانت "مذبحة يناير" الذي لم يتم التحقيق القضائي والحقوقي العادل في ملابساتها الى يومنا هذا ، ولم يتم محاسبة القائمين عليها رغم أن بعضهم ما زال يعيش بين ظهرانينا".