Image

ثورة 14 أكتوبر في ذكراها الـ 60 .. أيها التاريخ سجّل 

واحدية الثورة اليمنية شمالًا وجنوبًا ..
ـ بعد نجاح ثورة سبتمبر تحول المخاض الثوري جنوبًا 
ـ أفشل الثوار تحالف الشر الإمامي – الاستعماري وتحررت عدن
ـ التاريخ يسجّل تداخل حركة الثوار بين مناطق الشمال والجنوب

اشتعلت شرارة ثورة 14 من أكتوبر في جنوب الوطن قبل ستين عامًا، ضد الاحتلال البريطاني، وانطلقت من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة، الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة، إلا أن شراراتها إمتدت على مدى التراب اليمني من أقصاها إلى أقصاها، لتسجّل تاريخًا ناصع البيضاء. إنها ثورة اليمنيين جميعًا.

تاريخ الاستعمار 
سيطر البريطانيون على عدن عام 1839م، عندما قامت شركة الهند الشرقية بإرسال مشاة البحرية الملكية البريطانية إلى شواطئ عدن التي كانت تحكم كجزء من "الهند البريطانية" إلى سنة 1937م، عندما أصبحت مستعمرة بحد ذاتها تابعة للتاج البريطاني.
وعمدت قوات الإحتلال البريطانية على عقد معاهدات صداقة مع سلاطين القبائل المحيطة بعدن، وكعادتهم كانوا يدعمون من تبدو فيه بوادر التعاون معهم ضد الآخرين، وكانوا يرصدون النزاعات بين السلاطين دون تدَخلٍ مباشر.

تنامي مشاعر الثورة
وفي خمسينيات القرن العشرين تأثر أهالي المستعمرة من العرب بخطابات جمال عبد الناصر، والأغاني الثورية الصادرة عن إذاعة القاهرة، وكان لسياسات الإنجليز التعسفية والمتجاهلة لمطالب العرب في عدن دورًا رئيسيًا في تنامي تلك المشاعر،  وكان لوجود هيئات مجتمع مدني أثرًا كبيرًا على المطالبين بإسقاط حكم الإمامة في شمال البلاد، فتزايدت أعداد النازحين من الشمال، مما سبب قلقًا للمستعمر البريطاني فعرض إقامة ما عُرف "باتحاد الجنوب العربي" وهو اتحاد فدرالي يجمع خمسة عشر سلطنة منتشرة في أرجاء المستعمرة; أملًا في تخفيف حدة المطالب الداعية للاستقلال الكامل.

بداية المقاومة
مع بداية ستينيات القرن الماضي، ظهرت حركات مقاومة مثل جبهة التحرير القومية المدعومة من المصريين، وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل المختلفة في التوجهات عن السابقة، وأعلنت حالة الطوارئ في عدن في 10 ديسمبر 1963م، عندما ألقى عناصر من جبهة التحرير القومية قنبلة استهدفت المندوب البريطاني السامي. 
واستمرت هجمات الفصائل حتى انسحبت القوات البريطانية من عدن في 30 نوفمبر 1967م قبل الموعد المقرر من قبل رئيس الوزراء البريطاني حينها "هارولد ويلسون"، وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

أهداف الثورة
قامت ثورة 14 أكتوبر في جنوب البلاد لتحقيق الأهداف التالية: 
ـ تصفية القواعد وجلاء القوات البريطانية من أرض الجنوب دون قيد أو شرط.
ـ إسقاط الحكم السلاطيني والتي يُصنف بأنه رجعي.
ـ إعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيراً نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية.
ـ استكمال التحرر الوطني بالتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية.
ـ إقامة نظام وطني على أسس ثورية سليمة يغير الواقع المتخلف إلى واقع اجتماعي عادل ومتطور.
ـ بناء اقتصاد وطني قائم على العدالة الاجتماعية يحقق للشعب السيطرة على مصادر ثرواته.
ـ توفير فرص التعليم والعمل لكل المواطنين دون استثناء.
ـ إعادة الحقوق الطبيعية للمرأة ومساواتها بالرجل في قيمتها ومسؤولياتها الاجتماعية.
ـ بناء جيش وطني شعبي قوي بمتطلباته الحديثة تمكنه من الحماية الكاملة لمكاسب الثورة وأهدافها.
ـ انتهاج سياسية الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بعيدا عن السياسات والصراعات الدولية.

أحداث سبقت الثورة
شهدت عدن حوالي 30 إضراباً عمالياً في مارس 1956م، وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان محافظة شبوة بالهجوم على المركز الحكومي، وفي خريف عام 1956م أثارت الأحداث، التي شهدتها مصر، إثر العدوان الثلاثي على مصر من قبل إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، غضب الشعب اليمني، فازدادت وتيرة العمل الوطني، ضد التواجد البريطاني في مستعمرة عدن والمحميات الشرقية (السلطنة الكثيرية والقعيطية والمهرية) والغربية، فعمل المستعمرون على زيادة التوغل في المناطق الريفية، لا سيما المحاذية لأراضي المملكة المتوكلية في الشمال.
وشهدت المحميات الغربية في فبراير 1957م أكثر من خمسين حادثة معظمها إطلاق نار على المراكز البريطانية وعلى المسؤولين المحليين في كلٍ من ردفان وحالمين والضالع، وفي 24 فبراير 1957م، نصب (16) رجلاً من قبيلة الأزارق كميناً لدورية عسكرية بريطانية تتكوّن من 22 فردًا من أفراد قوات الكاميرون مايلاندر أسفر عن مقتل اثنين من الدورية وإصابة ستة بجروح. وفي أغسطس أو سبتمبر من العام نفسه بدأت انتفاضة قبيلة الشعار في إمارة الضالع، فتضامن معهم أبناء القبائل الأخرى، وعند مرور القوات العسكرية الخارجة من عدن عبر لحج لقمع تلك الانتفاضة وزعت منشورات في لحج، تدعو أفراد جيش الليوي والحرس الحكومي إلى الثورة والهروب من الخدمة العسكرية، وتمّ رمي تلك القوات أثناء مرورها بلحج بالحجارة، كما انتفضت قبائل بيحان ودثينة، وقامت القوات البريطانية باعتقال العديد منهم وصادرت الممتلكات.

وفي عام 1958م، رفض سلطان لحج علي عبد الكريم الانضمام إلى اتحاد الإمارات للجنوب العربي، فأرسلت بريطانيا في أبريل 1958م، 4000 جندي تدعمهم الأسلحة الثقيلة واحتلت السلطنة، تحت مبرر اكتشاف مخازن للأسلحة والذخائر، وإثر ذلك نزح جزء من قوات سلطان لحج إلى تعز وبلغ عددهم 45 ضابطاً و 300 جندي. 
وفي 22 أبريل 1958م، قامت قبائل الشاعري والدكام والحميدي والأحمدي والأزرقي والمحاربة وجحافة وبني سعيد وحالمين وردفان باحتلال مركز السرير في جبل جحاف بقصد السيطرة عليه، أما في يافع السفلى فقد نشب خلاف بين السلطان محمد عيدروس والبريطانيين على أسعار القطن الذي كانت تتحكم به السلطات البريطانية، فعملت بريطانيا على عزل السلطان محمد عيدروس الذي قاوم الإجراءات البريطانية، فاستمرت العمليات القتالية بين السلطان عيدروس وقوات الإحتلال البريطاني من فبراير 1958م إلى أبريل 1961م، واستخدمت القيادة العسكرية البريطانية كل وسائل التدمير ضد قوات السلطان، بما فيها الطيران الذي دمر تدميراً كاملاً معقل السلطان محمد عيدروس في قلعة (القارة) الحصينة في يافع وعلى إثرها نزح السلطان عيدروس إلى تعز.

انتفاضة 58
وفي 19 يوليو 1958م، اندلعت اتنفاضة قبائل سيبان والمناهيل في حضرموت، كما قامت قبائل الربيزي في العوالق في مارس 1959م، بإجبار القوات البريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق، فقامت القوات البريطانية بقصف مناطق تلك القبائل بواسطة الطيران، ما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وأُحرقت المزارع، وأُبيدت المواشي، وتشردت الأسر، ولجأ الثوار إلى الجبال لمواصلة المقاومة.
خلال الفترة من 1956 - 1958، شهدت الانتفاضة (الثورة) في المحميات الغربية والشرقية أطراداً في الكم والكيف نتيجة للمد الثوري العربي الذي خلفته الثورة العربية في مصرَ منذ قيامها في عام 1952م، وتنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر.

تنامي الوعي الوطني
لقد تنامى الوعي الوطني في الشمال والجنوب على حدٍ سواء ضد حكم الامامة شمالًا، وحكم بريطانيا جنوبًا، ما دفع الإمام احمد في شمال اليمن لعقد إتفاقيات مع البريطانيين، قام على إثرها بمحاولات التأثير على المقاومة الشعبية التي كانت تتشكَّل في مناطق شمالية ضد المستعمر وحكم الائمة، ونتاج ذلك، زيادة الهجمة العسكرية البريطانية ضد القبائل الثائرة التي لم تجد معظمها -وخاصة القيادات- من وسيلة سوى اللجوء إلى المناطق الشمالية أو الهجرة إلى دول عربية مثل الكويت والسعودية.

دور الشمال في ثورة أكتوبر
لقد لجأت القيادات والقبائل الجنوبية المعارضة للاستعمار إلى الشمال، قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وحاولت أن تتخذ من الشمال قاعدة لانطلاقتها النضالية ضد المستعمر، وتكوَّنت في عام 1957م، جبهة أُسميت (العاصفة العدنية) بقيادة محمد عبده نعمان الحكيمي، الأمين العام للجبهة الوطنية المتحدة، وكانت تذيع برنامجاً إذاعياً من إذاعة صنعاء باسم (صوت الجنوب)، لكن الإمام رفض أي نشاط لهم في صنعاء، فعملت مجموعة من المناضلين على تكوين تجمع جديد لهم في "محافظة البيضاء" الحدودية برئاسة محمد عبده نعمان الحكيمي، ومقبل باعزب وباشتراك عدد من رؤساء القبائل وأسسوا هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل، وحصلوا على بعض الأسلحة من مصرَ عام 1960م، لكن الإمام لم يسمح بخروج هذه الأسلحة من ميناء الحديدة.

مؤتمر دار السعادة بصنعاء
في 24 فبراير 1963م، عُقد في دار السعادة بصنعاء مؤتمر "القوى الوطنية اليمنية" حضره أكثر من 1000 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من فرع حركة القوميين العرب. 
وقد توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة، وجرى في المؤتمر استحداث مكتب تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله، وذلك على هيئة نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة، وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي، حيث استقر الرأي على تسمية هذه الجبهة باسم "جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل"، أخذت في أغسطس من نفس العام تسميتها النهائية "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل" على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوبًا وحيدًا وفعالًا لطرد المستعمر. 
وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية من الشخصيات والقيادات المشاركة فيه كان على رأسها قحطان محمد الشعبي، وبعد اجتماعات عدة عقدتها اللجنة التحضيرية.
وفي 8 مارس 1963م أقرّت نص الميثاق القومي الذي كان يتألف من مذكرة الميثاق نفسه، وبرز في صدر الميثاق شعار الجبهة "من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية". ونُشرت في مايو 1963م،الوثيقة الموضحة للخط السياسي لهذا التنظيم.
وفي 19 أغسطس 1963م، تم إعلان تأسيس "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل"، وتم تشكيل قيادة الجبهة من 12 شخصاً، وقد تكونت الجبهة من خلال اندماج سبعة تنظيمات سرية أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، وهي: حركة القوميين العرب، الجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، الجبهة الوطنية، التشكيل السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية (تشكيل القبائل)، ثم التحقت ثلاثة تنظيمات أخرى بالجبهة القومية، وهي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، منظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.
وفي أغسطس 1963م، استقبل أبناء ردفان الثوار العائدين من شمال الوطن بقيادة غالب بن راجح لبوزة، بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الوليدة.

ساعة الصفر 
انطلقت الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر في اليمن الجنوبي في 1963م ضد الاستعمار البريطاني، وذلك من جبال ردفان، بقيادة راجح لبوزة، وشنّت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة "الأرض المحروقة"، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللاإنسانية.

أول عملية فدائية
في 10 ديسمبر 1963م، نفّذ المناضل "خليفة عبد الله حسن خليفة"، أول عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن، في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، وأسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أُصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى إتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الإستراتيجية لها في عدن. وكانت هذه العملية الفدائية التي أعاقت هذا المؤتمر هي البداية التي نقلت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة.

قرار الأمم المتحدة
وفي 11 ديسمبر 1963م صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضى بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني. وفي عام 1965م اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أحداث 1964م
بدأت في 7 فبراير 1964م أول معركة للثوار اليمنيين استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان (لحج)، وفي 3 أبريل 1964م شنّت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية، لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنّها فدائيو الجبهة القومية من أراضيها. 
وفي 28 أبريل 1964م شنّت مجموعة من فدائيي حرب التحرير هجوماً على القاعدة البريطانية في الحبيلين (ردفان)، وقامت طائرات بريطانية في 14 مايو 1964م بغارات ضد الثوار في قرى وسهول ردفان، أدت إلى تدمير المنازل في المنطقة، كما أسقطت منشورات تحذيرية للثوار الذين أسمتهم بـ"الذئاب الحمر"، وفي 22 مايو 1964م أصاب ثوار الجبهة القومية في ردفان طائرتين بريطانيتين من نوع (هنتر) النفاثة.

الكفاح والعودة من تعز
بدأ خط الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه بتاريخ 24 يوليو 1964م بقيادة علي احمد ناصر عنتر، عقب عودة عدد من الشباب من تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينضموا إلى صفوف الرجال العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني. وقد تلقى الثوار كل الدعم من إخوانهم في الشمال، فعاد قادتهم من تعز ومعهم السلاح والذخائر والقنابل اليدوية.

مؤتمر تعز الأول
في 19 يونيو 1965م اشتدت العمليات الفدائية على قوات الاستعمار وأصدرت قانون الطوارئ، وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بإبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.
ولقد عقدت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل مؤتمرها الأول في تعز بتاريخ 22 يونيو 1965م، وأعلنت فيه موقفها الثابت لمواصلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى جلائه عن أرض الوطن. واعتبرت نفسها الممثل الوحيد لأبناء الجنوب اليمني المحتل. وأقرت في هذا المؤتمر لائحتها الداخلية والميثاق الوطني.
في 30 يوليو 1965م هاجمت فرقة ثورية بقيادة علي احمد ناصر عنتر سرية بريطانية كانت قد تمركزت بنفس اليوم حول دار أمير الضالع، لتعزيز الحراسات لحمايته من هجمات الثوار، وأصيب خلالها القائد الميداني علي شائع هادي بثلاث طلقات رصاص. وفي 25 أغسطس 1965 رفضت الجبهة القومية نتائج مؤتمر جدة بين الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، ونعتته بـ«مؤتمر الخيانة»، ورفضت أي حلول أو تسوية مع الملكيين باعتبار ذلك تهديدا للنظام الجمهوري وإضعافا للثورة في الجنوب.

العمل من لواء إب 
وعقب إعلان بريطانيا في 2 أكتوبر 1965م عزمها البقاء في عدن حتى عام 1968م، اندلعت انتفاضة شعبية عنيفة ضد البريطانيين في المدينة أسفرت عن خسائر كبيرة بشرية ومادية.
وعملت الخارجية البريطانية على اصدار "الكتاب الأبيض" في 22 فبراير 1966 الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968. شكلت الجبهة القومية في 5 أبريل 1966م، لجنة لجمع التبرعات من المناطق الشمالية، استهلت اللجنة عملها من لواء إب حيث بادر المسؤولون والمشايخ والمواطنون بالتبرع بالمال والحبوب بأنواعها وأسهموا بنقلها إلى قعطبة.
وفي 22 أبريل 1966م أسقط ثوار جيش التحرير طائرة بريطانية أثناء قيامها بعملية استطلاعية لمواقع الثوار في الضالع والشعيب، فأرسلت السلطات الاستعمارية للغاية نفسها طائرة أخرى، فكان مصيرها كسابقتها، ما جعل القوة الاستعمارية وأعوانها تشدد من قصفها للقرى وتنكل بالمواطنين فيها.
وفي 28 يوليو 1966 نفذ فدائيون في حضرموت عملية قتل الكولونيل البريطاني "جراي"- قائد جيش البادية. وكان هذا الضابط هو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبو عماشة عند محاولتها رفع العَلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.
بعدها أعلنت الحكومة البريطانية في أغسطس 1966م اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963م و1965م الذي أكدت فيه حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره.
وفي 31 ديسمبر 1966 قام ثوار جيش التحرير بهجوم مباغت على القاعدة البريطانية في الضالع، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية آخرين، وتدمير ثلاث سيارات "لاند روفر" وإحراق عدد من الخيام بما فيها من مؤن ومعدات. في غضون ذلك وحد ثوار الضالع وردفان والشعيب هجماتهم على القوات الاستعمارية وأعوانها من خلال تشكيل فرقة قتالية مشتركة أسموها "الفرقة المتجولة" بقيادة علي شايع هادي.

دعم شمالي كبير
وفي 5 أكتوبر 1966م قدّم ثوار الشمال الدعم الشعبي والعسكري الكبير لإخوانهم في الجنوب، وذلك بدءًا من الضالع وحتى وصولهم إلى عدن، مما أدى إلى الضرر الأكبر في صفوف القوات البريطانية، والهزيمة الساحقة في نفوس قوات الاحتلال البريطاني.
وفي 15 فبراير 1967م خرجت جماهير غفيرة في عدن في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.

قرار الجامعة العربية
وفي 8 مارس 1967م أصدرت الجامعة العربية قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن.
وفي 2 أبريل 1967 حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.
وفي 3 أبريل 1967م نفذ فدائيو حرب التحرير عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.

السيطرة على كريتر
وفي 20 يونيو 1967م تمكّن الفدائيون من السيطرة على مدينة كريتر لمدة أسبوعين.
وفي 21 يونيو 1967 سيطر ثوار الجبهة القومية في إمارة الضالع على عاصمتها ومعهم آلاف المواطنين الذين دخلوها في مسيرة حافلة يتقدمهم علي أحمد ناصر عنتر. وتبع ذلك سيطرة الجبهة القومية على مشيخة المفلحي في 12 أغسطس 1967 بعد أن زحفت عليها بمظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء القرى والمناطق المحيطة بالمشيخة، وتوالى بعد ذلك سقوط السلطنات والمشيخات بيد الجبهة.

اذاعة المكلا
وفي 28 سبتمبر 1967م تأسست إذاعة المكلا التي انطلقت باسم "صوت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل".
وفي 5 نوفمبر 1967 أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في جنوب الوطن المحتل وقوفها إلى جانب الثورة ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها. 
نيل الاستقلال
وفي 14 نوفمبر 1967 أعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون)، أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967 وليس في 9 يناير 1968، كما كان مخططاً له سابقاً.
وبدأ بعد الاعلان المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية في 21 نوفمبر 1967 من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن. وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد شاكلتون.

بدء الانسحاب من عدن

وفي 26 نوفمبر 1967، وبدأت القوات البريطانية الانسحاب من عدن، كما غادر الحاكم البريطاني هامفري تريفليان المدينة.
ووفي 30 نوفمبر 1967 تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إبان حرب التحرير تتولى مسؤولية الحكم، وتولى أمين عام الجبهة قحطان محمد الشعبي رئاسة الجمهورية وشكلت أول حكومة برئاسة قحطان الشعبي.

توحد الكيانات الجنوبية
بعد انتصار الثورة تم توحيد كافة الكيانات الجنوبية تحت مُسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهي اتحاد الجنوب العربي، وهو كيان اقيم تحت الحماية البريطانية في 4 ابريل من العام 1962، مكون من 18 ولاية، هي "  مستعمرة عدن، مشيخة القطيبي،  مشيخة العقربي،  سلطنة العوذلي،  إمارة بيحان، مشيخة دثينة،  إمارة الضالع،  سلطنة الفضلي،  سلطنة الحواشب،  سلطنة العبدلي،  سلطنة العوالق العليا،  سلطنة العوالق السفلى، مشيخة العوالق العليا،  سلطنة يافع السفلى،  سلطنة يافع العليا، سلطنة الصبيحي، مشيخة العلوي، مشيخة الشعيب".
وفي 30 نوفمبر 1967 ألغي الاتحاد عندما نال الاستقلال وأصبح ضمن جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية.
كما تم توحيد "محمية الجنوب العربي"، والتي تم إنشائها في 18 يناير 1963، وكانت عبارة عن مجموعة من الإمارات والسلطنات والمشائخ تحت الحماية البريطانية بموجب معاهدات، الكيانات التالية تقع في حدود حضرموت التاريخية والتي كانت ضمن محمية عدن الشرقية، المكون من :" السلطنة الكثيرية، سلطنة المهرة، السلطنة القعيطية، سلطنة الواحدي في بالحاف، سلطنة الواحدي في حبان، سلطنة الواحدي في عزان، ولاية الواحدي في بير علي، سلطنة يافع العليا والتي كانت ضمن محمية عدن الغربي".
وقد تم حل محمية الجنوب العربي بعد استقلال جنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967 حيث انهارات الكيانات المكونة لهذه المحمية مع حكامها وتم إعلان جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية.

اخيرا.. 
تمثّل ثورة 14من أكتوبر 1963، إمتدادًا طبيعيا لواحدة الثورة اليمنية الممثلة بثورة 26 من سبتمبر 1962، وصولًا إلى الـ 30 من نوفمبر وخروج أخر جندي بريطانيا من عدن، وصولا الى تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في العام 1990، حيث شكلت ثورة اكتوبر حدثا مهما للشعب اليمني باعتبارها من أهم الثورات التي غيرت حياة اليمنيين، وغيرت مجرى التاريخ في جنوب الوطن بشكل خاص واليمن بشكل عام، (يا ايها التاريخ سجل).
ولا تقتصر أهمية هذه الثورة المباركة في كونها كانت منطلق التحرر من الاستعمار ومخلفاته فحسب، ولكن أهميتها التاريخية تكمن في انها أنتجت الدولة بهوية موحدة أتسعت لكل اليمن، واستطاعت توحيد 23 سلطنة ومشيخة وإمارة ، وتحققت بعدها الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م وهي ثمرة النضال للثورتين (سبتمبر وأكتوبر).

منظومة متكاملة
وبالحديث عن أهداف ثورة أكتوبر يمكن القول إن أهدافها كانت هي أهداف الثورة الأم سبتمبر وهذه الأهداف السبتمبرية والأكتوبرية شكلت في مجملها منظومه متكاملة غير قابله للانتقاء والتجزئة وكانت بمثابه برنامج عمل سياسي عكس مدى الوعي السياسي لدى قادة ورواد الثورة الأوائل ، حيث أن كل هدف مثّل سببا ونتيجة للهدف الآخر
ويجمع العديد من رجالات الحركة الوطنية ومؤرخي الثورة اليمنية، على أن سبتمبر وأكتوبر كانتا ثورتين "متكاملتين في الوسائل والآليات، ولم يكن من الممكن نجاح إحداهما بمعزل عن الأخرى، فالتحرر من الاستعمار البريطاني كاستعمار خارجي لا يمكن إلا بالتحرر  من الاستبداد الذي كان جاثما في الشطر الشمالي كاستعمار داخلي.
ولذلك كان لابد من البدء بالتحرر من الاستبداد الداخلي، حتي يتمكن الثوار بعدها من التفرغ للتحرر والتخلص من الاستعمار البريطاني باعتباره من أقوى دولة استعمارية وامبراطوريه لا تغيب عنها الشمس، احتلت جنوب اليمن ١٢٨ عاماً كأطول استعمار في تاريخ المنطقة وهذا يستوجب تهيئة الظروف لمواجهته.
وحين تفجرت ثورة سبتمبر تجسدت الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن شمالا وجنوبا في أبها صورها، فهب عدد كبير من أبناء الجنوب لدعمها والدفاع عنها، منهم كما تورد المصادر المناضل راجح بن غالب لبوزة والرائد محمد أحمد الدقم والأستاذ عبده نعمان الحكيمي، والمئات غيرهم ممن ألتحقوا بالجيش والكلية الحربية.
تحالف الامامة والاستعمار
وسعت بريطانيا حينها إلى دعم الملكيين والقبائل التي تساندهم للحيلولة دون نجاح الثورة وضربها مبكرا، وتحالفت في سبيل إعادة الإمام الهارب البدر إلى الحكم في صنعاء، لإدراكها بأن صنعاء التي وضعت أول أهداف ثورتها السبتمبرية التخلص من الاستبداد والاستعمار لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ثورة أشقائها اليمنيين في الجنوب، غير أن تلك المساعي بائت بالفشل.
وبعد نجاح ثورة سبتمبر وسقوط حكم الإمامة الكهنوتي البائد تحولت المحافظات اليمنية في الشمال إلى محاضن للحركة الوطنية الفتية في الجنوب, والتي عملت على تنظيم نفسها في إطار سياسي يمثل أبناء الجنوب في صنعاء عرفت حينها بحركة تحرير الجنوب اليمني المحتل.
وكان انتصار ثورة سبتمبر مؤشراً كبيراً لانتصار ثورة الجنوب، فبعد عام واحد فقط من ثورة 26 سبتمبر 1962م عاد المناضلون من أبناء الجنوب حاملين في أفئدتهم شرارة الثورة والخبرة والتجربة والعلوم العسكرية التي تعلموها ليكونوا وقودا لثورة 14 أكتوبر التي غيّرت وجه العالم بمساندة الأحرار والثوار والشرفاء من محافظات شمال اليمن