العدل أساس الحكم ..!!

08:24 2023/09/17

التاريخ السياسي البشري حافل بالكثير من الأمثلة والتجارب ، التي تؤكد بأن تحقيق العدل بين المواطنين هو ما يجعلهم يشعرون بالقبول والرضا عن النظام الحاكم ، والنظام الذي يحصل على رضا الشعب يكون بذلك قد وفر لنفسه الحماية والطمأنينة والديمومة ، وبذلك فإن الأنظمة السياسية العادلة تعتمد في بقاءها واستمراريتها على مبدأ العدل وليس على مبدأ القوة ، ويتجسد ذلك بشكل عملي في قصة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جاء رجل يبحث عنه فوجده نائماً تحت شجرة فقال مخاطبا الخليفة.( حكمت فعدلت فأمنت فنمت ) ، وهي بالطبع لا تستغني عن القوة اللازمة لتحقيق العدل ولتوفير الأمن والاستقرار لشعبها ، فالقوة في مفهوم هذه الأنظمة وجدت في خدمة الشعب ومن أجل الشعب ، بعكس الأنظمة الاستبدادية والقمعية ، التي تمارس الظلم والجور ضد شعوبها ، والتي تهتم بشكل كبير ومركزي على بناء قوات موالية لها ، بهدف حمايتها والدفاع عنها واستخدامها في تنفيذ سياساتها القمعية والجائرة والطغيانية ضد شعوبها وضد كل من يعارض سياساتها ، ومهما بلغت قوة هذه الأنظمة إلا أن عدم تحقيقها للعدل وعدم نيلها رضا أفراد شعبها ، يفقدها الشعور بالأمان والاستقرار ويجعلها في حالة خوف وشك وترقب بكل ما يدور حولها ..!!

فالشعوب لا تريد من أنظمتها السياسية أكثر من تحقيق العدل والإلتزام بمبدأ العدل في كل الأحوال والظروف ومع الجميع ، لأنه بتحقيق العدل والالتزام به سوف تنتهي المظالم ويتلاشى الفساد ويتوارى التمييز العنصري بكل أشكاله ، وسوف تتلاشى كل العوامل التي تدفع الشعوب إلى النقمة والثورة على السلطة ، وعندئذٍ لن تكون السلطة في حاجة للمزيد من القوات لحمايتها والدفاع عنها من غضب الشعب ونقمته ، فما يدفع الشعوب لمواجهة السلطة والثورة عليها والانتقام منها ، هو الشعور بالظلم والجور ، وقيامها بإهدار الحقوق ومصادرة الحريات ، والتمييز العنصري أو المناطقي أو الطائفي فيما بينهم ، وعلاج ذلك كله في إلتزامها بمبدأ العدل ، فبالعدل ترفع المظالم وبالعدل تعاد الحقوق إلى أهلها ، وبالعدل تصان وتحفظ الحريات ، وبالعدل تنتهي كل صور التمييز بين أفراد الشعب ، وبالعدل تتحقق المواطنة المتساوية ، وبالعدل يسود الأمن والاستقرار والطمأنينة كل ربوع البلاد ، قال تعالى (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) ، فإلتزام السلطة بالعدل في الإسلام فرض واجب وأمر إلهي واضح وصريح وليس فضل منها ، ولكن ما حدث ويحدث على الواقع  خلال التاربخ الإسلامي مخالف لذلك إلا من رحم الله ..!!

وللأسف رغم كل تلك الثمار الطيبة التي تجنيها الأنظمة السياسية الحاكمة من التزامها بمبدأ العدل ، إلا أن أنظمة الحكم الاستبدادية والقمعية تصر على العمل بسياساتها المتناقضة مع مبدأ العدل ، معتمدة على ما تمتلك من القوة ، ولا تعير السخط والرفض الشعبي ضدها أي إعتبار ، رغم أن التاريخ قد سرد الكثير من الأمثلة والتجارب ، التي ثبت فيها عدم جدوى القوة في مواجهة السخط والرفض الشعبي ، والتي ثبت فيها بأن مبدأ القوة سرعان ما ينهار ويتهاوى أمام غضب ونقمة جماهير الشعوب الثائرة ، وكم من أنظمة حكم استبدادية كانت تمتلك قوات كبيرة لم تنفعها ولم تحقق لها الأمان والديمومة ، فالاعتماد على القوة فقط خطأ استراتيجي قاتل وقعت فيه الكثير من الأنظمة عبر التاريخ البشري ، ودفعت ثمن ذلك زوالها وفنائها وانهيارها ، ودفع قادتها تكلفة كبيرة وفاتورة باهضة ، بعد إن وجدوا أنفسهم وهم بمفردهم في مواجهة مع جماهير ثائرة وغاضبة وناقمة ، بعد أن تبددت قواتهم وتلاشت وتركتهم يواجهون مصيرهم المأساوي ، بل إنه في بعض المواقف التاريخية كانت تلك القوات تنقلب على قادتها وتصطف مع شعوبها ، لذلك فإن الرهان على القوة رهان خاسر ، والرهان الكاسب هو الرهان على العدل ولا غير العدل فالعدل كان ومازال وسيظل أساس الحكم ( الملك ) ..!!