العزف على أوتار صامتة

11:40 2023/08/13

لكل مرحلة أمرائها، وكل حرب وراءها تاجر سلاح خبيث.. وكل محل صرافة وراءه قائد عسكري أو مسؤول حكومي أو تاجر مخدرات.

بالأمس القريب، كانت محلات الصرافة لا تتعدى أصابع اليدين والقدمين، وكان الصرف ثابتا وإذا تحرك للأمام أو إلى الخلف لا يتعدى بضع ريالات. كانت الحياة مملوءة بالبركة والناس مثل الألماس يشفقون على بعضهم ومتحابون، إلا فيمن ندر، والنادر لاحكم عليه.

جاء حكام الصرافة فاستولوا على الأخضر واليابس وقاموا بالأموال وفرضوا واقعا جديدا يشبه حياة البحر، يأكل فيه الكبير الصغير دون شفقة أو رحمة.

اليوم نعيش حالات من الفقر والقهر والعوز، في وقت هناك من يسرق كل طاقاتنا جهارا نهارا ولا يوجد حسيب ولا رقيب.

مسؤولون ومدراء وقيادات بالأمس القريب لم يكن لديهم شيء، وفجأة وخلال بضع سنين يمتلكون محلات للصرافة وفلل وشقق وسيارات وسفريات وأراضي وأرصدة في بنوك مختلفة، يعيشون حالة النعيم، بينما يعيش من جوارهم عكس ذلك كله، يبحثون عن لقمة عيش حلال أو سكن مجاني يسترهم من استراق البصر.

في بلادي، لا أحد يسأل من أين لك هذا، بل إن الجميع ينظر إلى السارق الكبير باحترام وتقدير، ولو رفع أصبعه الصغيرة لقام الجميع بتنفيذ طلباته، حتى أولئك المساكين الذين تم سرقة طاقاتهم وممتلكاتهم ووطنهم.

عاد الرئيس وعاد زبانيته أو بعضهم، وعاد رئيس الوزراء والبعض من زبانيته، حضروا والوليمة معهم على امتداد أرضية لا تقل عن خمسمائة متر، فيما يعاني الفقير من إيجاد ما يغطي حاجته وأبناءه من رغيف الخبز والأرز.

مفارقات عجيبة وكبيرة، لكن الأمل ما زال يحدونا في أن المستقبل الذي هو بيد الله وليس بأيديهم سيكون أفضل، وأن كل سارق ومجرم وحرامي سينال عقوبته عاجلا أو آجلا. وهذا ما يجعلنا نحلم بمستقبل أكثر أمانًا. أما واقع اليوم، فلا يمكن أن يتغير خاصة في ظل العزف على أوتار صامتة.