تديين السياسة وتسييس الدين

01:33 2023/07/27

أقف عند حكمة الله سبحانه وتعالى حين لم يعط أحدا من عباده سلطة دينية على أخيه الإنسان مهما علا كعبه في الدين، كما في قوله لرسوله الكريم (لست عليهم بمسيطر) وقوله أيضا (وما أنت عليهم بجبار ..) وقوله أيضا (وما أنا عليكم بوكيل).

كما حدد له بأنه هو -أي الله وحده- القيم والوكيل على دينه وعلى عباده فقال: (إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل).


حتى جاءنا اليوم من دجاجلة دين أنهم يحرمون الغناء والسماع والموسيقى والفنون ويفرضون الفصل بين الطلاب في الجامعات.

وكل ذلك هو من أجل توظيف الدين للتسلط على رقاب العباد.

فما أقبح توظيف الدين في الأهواء السياسية وللوصول إلى سدة الحكم.

وتسييس الدين منذ بواكيره كان تعبيراً عن استراتيجية دنيوية بامتياز، لأن الهدف هو تحصين الموقف السياسي ضد النقد، واصطباغه بقداسة ليست له أو من عالمه.

وما أن يشرع إنسان ما، في تسييس الدين حتى يكون قد تخلى عن الغايات الحقيقية لكل الأديان، وهي الدعوة إلى التعايش والوئام الإنساني والتسامح.

 

ومن محاصيل هذا التسييس للدين خلخلة المفاهيم ذات العلاقة بالوطن، والمعادلات الاجتماعية، وإن كان تسييس الدين يلحق أذى بجوهره وبرسالته فإن تديين السياسة يؤدي إلى الأيديولوجيا الأشبه بالزنزانة أو الشرنقة التي يسجن فيها العقل، فلا مجال للحوار أو الاعتراف للآخر بحق الاختلاف، لأن تديين السياسة هو بمثابة احتكار الحقائق وادعاء المعصومية.

لهذا يضطر من يوظفون الدين لصالح السياسة إلى تقويل النصوص وليس تأويلها، وأحياناً يخترعون من خيالهم مرجعيات من شأنها تبرير أطروحاتهم، لكن عمر مثل هذه الحيل قصير، وتكذيبها يأتي من داخلها أولاً، لأنها تحاول المزاوجة بين الأضداد.

وقد تكون أشد الحروب ضراوة، سواء كانت أهلية أو تقليدية من نتاج هذا الخلط بين المفاهيم، وحذف الفارق بين ما هو سماوي وما هو أرضي.

إنها خسارة مركبة ومزدوجة يخسر فقهاؤها الدين والدنيا معاً.

نخلص مما سبق بأن إقحام الدين في السياسة إساءة للدين ومفسدة للسياسة، وأن ما يطلقون عليه هوية إيمانية هو محض افتراء على الله ورسوله، وأن الدين لله والهوية الوطنية -اليمنية- هي الهوية الجامعة، وإنما الحق كل الحق هو ربط السياسة بالعلم وأقول العلم الخاصع لتجارب الصح والخطأ الذي فيه منفعة للبشر.

فأي علم لا ينتفع به في تطوير الحياة وخدمة البشرية هو علم لا يعول عليه كما قال الشيخ الأكبر ابن العربي .