سايكس بيكو والرببع العربي.. التاريخ يعيد نفسه

11:24 2023/06/01

أعتقد جازماً بأن الكثير من العرب، وخصوصاً المتحررين من التعصبات المذهبية والطائفية وغير المؤدلجين في الأحزاب والجماعات ذات النزعة الإيديولوجية والمتحررين من العمالة والتبعية والولاء لمشاريع توسعية خارجية، قد أدركوا جيداً بأن نكبة الربيع العربي ليست أكثر من مؤامرة خارجية استهدفت الهوية والقومية العربية، مؤامرة توافقت عليها قوى إقليمية ودولية لديها مشاريع توسعية واستعمارية في المنطقة العربية. ولم يعد يخفى على أحد بأن هذه المؤامرة ركزت بالدرجة الأولى على إسقاط الأنظمة العربية القومية القائمة ' بهدف إزاحة آخر قلاع الممانعة القومية العربية 
ولم يعد يخفى على أحد بأن مؤامرة الربيع العربي قد حظيت بتأييد إقليمي ودولي وأممي كبير تحت ذرائع ديمقراطية وسياسية وحقوقية وإنسانية. لذلك لن نبالغ إذا وصفنا هذه المؤامرة بمؤامرة دولية وإقليمية استهدفت هوية وقومية واحدة بهدف تمزيقها وتقسيمها وإضعافها. 
 
ويبدو بأن التاريخ يعيد نفسه، فما حدث في سايكس بيكو يتكرر اليوم وإن تغيرت المسميات والحدود الجغرافية لتقاسم النفوذ على الأرض العربية وإن تغيرت وجوه وجنسيات المتقاسمين وإن تغيرت دوافعهم وأهدافهم، لكن تظل القومية العربية والأرض العربية هي المستهدفة. 
 
والجديد في الموضوع أننا عندما كنا نقرأ في كتب التاريخ حالة الضعف والتشرذم والخلافات القائمة داخل المجتمع العربي آنذاك، لم نكن ندرك الدور الكبير الذي كان يقوم به المتعصبون المذهبيون والطائفيون والمؤدلجون والموالون للمشاريع التوسعية والاستعمارية الخارجية. وكنا نظن أن المؤرخين يبالغون في ذلك، فلا يمكن لإنسان عربي ترعرع فوق ثرى الأرض العربية وشرب من مائها وأكل من خيراتها واستظل تحت سمائها أن يساعد الطامعين والمعتدين عليها، وأن يجعل من نفسه أداة في خدمة مشاريعهم التوسعية والاستعمارية التي تستهدف هويته وقوميته وعزته وكرامته. 
 
لكن بعد أحداث مؤامرة الربيع العربي تبين لنا حقيقة الدور السلبي للمتعصبين المذهبيين والطائفيين والمؤدلجين والموالين لمشاريع توسعية خارجية. نعم، لقد شاهدناهم وهم يخربون أوطانهم بأيديهم، وهم يعملون على إسقاط أنظمتهم ودولهم، وهم يجرون أوطانهم نحو الفوضى والعنف والتقسيم والتمزيق. والأفظع من ذلك وهم يتفاخرون بتبعيتهم وولائهم للمشاريع التوسعية الخارجية ويعلنون الحرب على كل ما له علاقة بهويتهم وقوميتهم. والأدهى من ذلك وهم يدافعون باستماته عمن يستهدف قوميتهم ويستعمر أرضهم، بل ويموتون من أجل أن تصبح أوطانهم تحت سلطة وهيمنة المشاريع التوسعية الخارجية. لهذه الدرجة تختل الموازين الفكرية والقومية والوطنية والسياسية لدى هذه الشريحة من المجتمع طمعاً في تحقيق مصلحة شخصية أو حزبية، أو تعصباً لنزعة مذهبية أو طائفية. 
 
نعم، ها هو التاريخ يعيد نفسه. وها هي القومية والهوية والأرض والثروات العربية يتداعى عليها الطامعين والمستعمرين الاقليميين والدوليين كما يتداعى الأكلة على مائدة الطعام. وها هم المتعصبون والمؤدلجون والموالون لهم من العرب يساعدونهم وبكل إخلاص وتفاني لتنفيذ مشاريعهم التوسعية وتحقيق أطماعهم الاستعمارية. طبعاً هؤلاء وهم يقومون بهذه الأدوار السلبية تجاه قوميتهم وأوطانهم لا يقومون بذلك بشكل واضح ولكنهم يغطون ذلك ويبررونه بمبررات دينية أو مذهبية أو طائفية أو حزبية وتحت شعارات براقة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه التبعية والولاء والخضوع والخنوع لمشاريع توسعية خارجية.