جيل التكنولوجيا الرقمية والثقافة السطحية

12:51 2023/05/23

الثقافة تشمل كل المعتقدات والأفكار الدينية والنظم السياسية  والعادات والتقاليد الاجتماعية وكل القيم السلوكية والأخلاقية وكل ما له علاقة بالعمارة والفن بكل أشكاله وكل ما له علاقة بالمعارف النظرية الإنسانية. وبذلك فإن الثقافة مفهوم عام وشامل يعكس حضارية ورقي وتطور مجتمع ما. وكل مجتمع له ثقافته الخاصة به التي تميزه عن غيره من المجتمعات، فكل مجتمع له نظرته وفلسفته الخاصة به تجاه مختلف القضايا ويعمل كل مجتمع علي المحافظة على ثقافته الخاصة به من خلال تحصين أجياله من الاختراق والغزو الثقافي الخارجي. 
 
وأنا أتابع المستوى الفكري للجيل اليمني والعربي الحاضر جيل التكنولوجيا الرقمية وتقنية المعلومات، وجدت جيلاً يمتلك ثقافة سطحية وفكرا خاويا، جيلاً مفتوناً بالمظاهر والشكليات، جيلاً مسلوب الإرادة والقرار، جيلاً يمكن التأثير عليه والتحكم به بكل يسر، جيلاً لا يعرف الكثير عن دينه وتاريخه وهويته وقوميته وعاداته وتقاليده وموروثه الحضاري. كل ذلك رغم الوفرة الكبيرة للمعلومات التي قدمتها تقنية المعلومات في هذا المجال، حيث جعلت من السهولة بمكان الحصول على أي معلومة في أي مجال كان. 
 
وييدو أن الوفرة الكبيرة للمعلومات وسهولة البحث عنها والحصول عليها كان لها دور كبير في بروز وانتشار وتنامي الثقافة السطحية عند هذا الجيل. وهذا بعكس حال الجيل السابق والذي كان يعيش في مرحلة زمنية كانت المعلومات فيها شحيحة وقليلة، وكانت الكتب والمجلات الثقافية والفكرية والفنية الدورية والصحف اليومية ومجلات الأطفال هي المصادر المتاحة للحصول على المعلومات الثقافية والفكرية. وكان من الصعوبة بمكان الحصول عليها وخصوصاً في الأرياف والقرى. 
 
ولن أبالغ إذا قلت بأن الكتب والمجلات الثقافية والفكرية والصحف المتنوعة والبرامج التلفزيونية الهادفة كان لها أثر ثقافي وتنويري وفكري كبير جداً خلال تلك الفترة الزمنية وكان لها دور واضح في نشوء جيل عربي واعي ومثقف ومطلع ساهم بشكل كبير في حدوث النهضة العربية في شتى المجالات، فقد كانت بمثابة المتنفس الثقافي المتجدد لذلك الجيل ونافذة للاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى، مجلة العربي الثقافية أنموذجاً وغيرها كثير من المجلات والدوريات الثقافية والفكرية التي ساهمت في بناء جيل عربي يمتلك ثقافة عميقة وأصيلة، جيل متمسك بدينه ومعتقداته بعيداً عن التطرف والتشدد والتزمت، ومحافظ على عاداته وتقاليده وتراثه ومدافع عن هويته وقوميته وقضايا أمته العادلة، جيل اندفع وبكل ما يمتلك من إمكانيات للحاق بالركب الحضاري للأمم. 
 
وأعتقد أن ما يعيشه العالم العربي اليوم من انتكاسة حضارية وفكرية هو بسبب تنامي وظهور العديد من الظواهر السلبية في مقدمتها المذهبية والطائفية والتطرف والتشدد والتفسخ والانحلال والتي وجدت لنفسها القبول عند جيل سطحي الثقافة ومسلوب الإرادة وخاوي الفكر. وبدلاً من أن تصبح الحداثة وتقنية المعلومات والتكنولوجيا الرقمية أدوات للبناء والتقدم والتحضر والرقي والإيجابية تحولت إلى أدوات للهدم والتخلف والسلبية وإثارة الفتن والصراعات وتمرير المخططات والمؤامرات المعادية. 
 
ولا يخفى على أحد كيف تم استغلال التكنولوجيا الرقمية وتقنية المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي لتنفيذ مؤامرة الربيع العربي، وكيف تم تسطيح القضايا المجتمعية والسياسية في عبارة (إسقاط النظام) دون النظر للتبعات السلبية والكارثية لذلك. وبنفس الطريقة يتم الترويج للدعوات المذهبية والطائفية وللتشدد والتطرف والتفسخ والانحلال، والتي تلقى قبولاً وانتشاراً واسعاً في مجتمع فقد قدرته على الممانعة الثقافية والحصانة الفكرية. 
 
وفي ظل هكذا أوضاع ثقافية سلبية، فإن القوى الخارجية والتي لديها مشاريع توسعية واستعمارية وثقافية معادية للأمة العربية لن تجد أي مقاومة تذكر، وسيتحول العالم العربي إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية، وسوف يصبح العرب عبارة عن أدوات يتم التحكم بها والسيطرة عليها وتحريكها وفق الأجندات الخارجية، وبما يتوافق مع سياسات ومصالح القوي الخارجية.