يموتون غرباء لا قبور لهم

11:35 2022/11/11

لا أدري كيف أبدأ هذا الحديث. كما نعلم جميعا أن في مصر ما يقارب المليون أو يزيد من اليمنيين كما يتردد في تصريحات بعض المسؤولين اليمنيين. مصر هي البلد العربي الوحيد الذي يستقبل اليمنيين دون شروط أو تعقيدات تذكر، بل يستطيغ الراغب في دخول مصر من اليمنيين من مختلف الأعمار أن يدخلها بأيسر الإجراءات، ويعيش بين أهلها آمنا محفوظ الكرامة معزز الجانب والمقام. معظم الذين يأتون إلى مصر يأتون للعلاج، وهؤلاء المرضى بعضهم يمن الله عليه بالشفاء والعافية وبعضهم يتوفاه الله. الذين يتوفاهم الله بين حالين: حال أهله ميسورون يفضلون العودة بجثمان فقيدهم ودفنه في بلاده، وحال آخر يفضل فيه أهل الميت دفنه في في مصر حرسها الله. عدد كبير من الذين توفاهم الله دفنوا في مصر، في مقابر مخصصة للجالية اليمنية اشتراها فاعلو خير. المقابر المخصصة لليمنيين أصبحت مملوءة بالجثث ولم يعد فيها متسع، للأسف الشديد. والآن إلى المهم الذي دفعني إلى هذا الحديث: منذ يومين شاركت في دفن أحد الشباب المنتقلين إلى رحمة الله. كان الدكتور مكي المخلافي حفظه الله، وهو طبيب شاب نشط وخدوم يعرفه كل من تمكن من الوصول إليه، لا يقصر في خدمة من يصل إليه في القاهرة سواء بالإرشاد إلى الأطباء المتخصصين أو علاج المرضى الذين هم في دائرة تخصصه أو زيارات المرضى أو بالمساعدة في تسهيل إجراءت المتوفين ونقل جثامينهم إلى اليمن أو بالمساعدة في البحث عن قبور للدفن والمشاركة في تقديم الواجب مع أهالي المتوفين. طبيب شاب شهم صاحب واجب، كما يذكره كل من عرفه، كان الدكتور مكي حاضرا في هذا الدفن. أعود إلى دفن المتوفي رحمه الله: المكان الذي ذهبنا للدفن فيه مقبرة قديمة خصصت لليمنيين منذ عدة عقود، وهو مكان صغير دفن فيه عشرات اليمنيين من مختلف مناطق اليمن. كما هو ظاهر في أسمائهم المعلقة. نظام المدافن في هذه المقبرة الصغيرة هو نظام المجنات المعروف عندنا في اليمن وليس نظام اللحود. والمجنة كما هو معروف عبارة عن مجموعة مراقد فيما يشبه الغرف الصغيرة تحت الأرض. نظام الدفن في المجنات في بلادنا أن تخصص غرفة مستقلة للميت يدفن فيها ثم يغلق بابها بالطين والحجارة، وإذا ما دفنوا في المجنة شخصا آخر فإنه يدفن في غرفة مستقلة به مجاورة للأولى ومنفصلة تماما عن الغرفة الأخرى وهكذا. ولكن المفاجأة هنا أن نظام الغرف في المجنات هو بوضع أكثر من جثة في الغرفة الواحدة، ولا يغلق عليها وتتجاور الجثث الجديدة والقديمة بحيث تشتم روائح الجثث إلى أعلى القبر. كنت قد حضرت دفن بعض الراحلين في مقابر هنا لم تكن بنظام هذه المجنات بل كل جثمان مستقل بمرقده. ولما سألت الدكتور مكي المخلافي عن السبب الذي ألجأ أهل المتوفي إلى هذا النوع من القبور، أخبرني بأن جميع المقابر المخصصة لليمنيين ممتلئة ولا تتوفر قبور كافية مناسبة. قد لا يحظى المرء في بلادنا بحياة كريمة، ولكن من أوجب الواجبات الإنسانية أن يحظى بقبر يرقد فيه رقدته الأبدية. سأعتبر سرد هذه الحالة مناشدة لجميع الميسورين والقادرين وفاعلي الخير وللحكومة اليمنية أن تعمل على تكريم هؤلاء الموتي وشراء أراض تكفي لدفنهم خارج بلادهم، فقد ماتوا غرباء ولكنهم لم يخطر ببالهم أنهم لن يجدوا قبورا تأويهم. اللهم ارحمهم واغفر لهم وارحمنا معهم. نقلا من صفحة الكاتب بالفيس بوك