أهمية إعداد القوة المادية لخوض الحروب العسكرية

10:41 2022/11/10

بدايةً، من المعلوم بأن أهم المؤشرات المادية لكسب المعارك والحروب العسكرية هو مؤشر القوة المادية. فمن يمتلك عناصرها، ممثلة في الجيوش المدربة والمؤهلة وفي الأسلحة الفتاكة والحديثة وفي الإمداد والتموين، هو حتماً من سوف يكسب المعركة أياً كان دينه أو مذهبه أو عرقه أو لونه من أجل ذلك أوجب الله تعالى على المسلمين إعداد القوة المادية، للدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم، قال تعالى (وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل) ، وهذا الأمر الإلهي ينسجم تماماً مع العقل والمنطق ومع الواقع المادي المحسوس، ويؤكد بأن الإسلام هو دين العقل والمنطق والواقع، وليس دين الخرافات والأساطير. وهذا التشريع الإسلامي الحضاري يضع المسلمين أمام الأمر الواقع بعيداً عن الأماني والأحلام والأوهام. فهو يجعل من إعداد القوة المادية شرطاً أساسياً لخوض أي معركة. ومن المعروف بأن إعداد القوة المادية ليس بالأمر السهل، بل إنه من الصعوبة بمكان، كون الطريق للقيام بذلك يحتاج إلى الكثير من الجهود وفي مقدمتها تفعيل العقل وطلب العلم. وبدون تفعيل العقل، وطلب العلم، لن يتمكن الإنسان من إعداد القوة المادية اللازمة لكسب أي معركة. 
كما أن هذا التشريع الإسلامي الحضاري يؤكد بأن العقيدة الدينية أو الإيديولوجية أياً كانت لا تستطيع وحدها أن تمنح الجيوش النصر، ما لم تكن معززة بالقوة المادية التي يمكن الحصول عليها من خلال الأخذ بالأسباب الموصلة إليها وهذه هي واقعية الحياة. لذلك ليس هناك من داع للاستغراب عن سبب هزائم المسلمين المتلاحقة في الكثير من حروبهم ومعاركهم، ووقوع بلدانهم تحت وطأة الإستعمار، في مراحل تاريخية مختلفة، لأن السبب واضح. فالمسلمون في حروبهم ومعاركهم تلك لم يأخذوا بالأسباب العقلية والعلمية والمادية الكفيلة بإيصالهم لامتلاك عناصر القوة المادية، نتيجة وقوعهم تحت براثن الجهل والتخلف والتعصب والخرافات والأساطير، في ظل أنظمة حكم استبدادية ورجعية وقمعية، فكان من الطبيعي والمنطقي، أن يتلقوا تلك الهزائم والانتكاسات والٱنكسارات وأن تقع بلدانهم تحت وطأة الإستعمار الخارجي. 
والمشكلة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل إن بعض الجماعات والآحزاب المحسوبة على الإسلام بمجرد امتلاكها لبعض الأسلحة من هنا أو هناك لا تتردد في استخدامها ضد عدو يمتلك كل مقومات القوة المادية، وهي بهكذا تصرفات غير مسئولة تجلب الويل والدمار للمناطق التي تسيطر عليها ، بمعنى يجب على أي دولة أو سلطة قبل أن تقدم على أي عمل عسكري، أن تضع في حسبانها رد فعل الطرف الآخر وتداعيات عملها العسكري، والآثار المترتبة على ذلك العمل. فإذا كانت تمتلك القدرة على حسم المعركة بأقل الخسائر الممكنة، وتمتلك القدرة على حماية السكان وحماية الممتلكات وتوفير احتياجات المواطنين فلا بأس. أما إذا كانت عاجزة عن ذلك، فإن الواجب عليها التوقف عن خوض مغامراتها العسكرية غير محسوبة العواقب، طالما وتأثيراتها وٱنعكاساتها ستكون سلبية وكارثية عليها وعلى يعيش في مناطق سيطرتها، وعليها أن تبحث عن خيارات أخرى. 
وللأسف الشديد، هذا هو حال العديد من الجماعات المحسوبة على الإسلام. فكل ما أنجزته خلال حروبها ضد الغرب كما تقول، ليس أكثر من جر الويل والخراب والدمار والقتل ، للشعوب العربية والإسلامية. وذلك لأنها لم تلتزم بالتوجيه الإلهي، الذي يأمرها بإعداد القوة المادية قبل الإقدام على مغامراتها الفاشلة. هذا على افتراض أن هذه الجماعات بالفعل هدفها محاربة أعداء الإسلام كما تقول، لأن الدلائل والمؤسرات تقول غير ذلك. فهذه الجماعات قد شوهت جمال الإسلام وشوهت تشريعاته وأحكامه الحضارية، وجلبت الدمار والخراب للعديد من الدول العربية والإسلامية. وهي من.تصنع المبررات للطرف الآخر لشن عدوانه على الدول العربية والإسلامية، فكيف يمكن لهذه الجماعات أن تحارب مثلاً دولاً عظمى تمتلك أحدث الأسلحة والتكنولوجيا وتمتلك القنابل الهيدروجينية ، والقنبلة الهيدروجينية الواحدة لها قدرة تدمير تعادل 2800 قنبلة ذرية، لتكون بذلك قادرة على مسح دول من الخارطة؟ والملاحظ أن هذه الجماعات تستغل التجمعات السكانية للاختباء فيها، مراهنة على إنسانية الطرف الآخر وعلى دماء وأشلاء الضحايا، فهي لا تقود حروبها في أماكن مفتوحة لأنها أعجز عن القيام بذلك، ثم تعود وتتباكى على الضحايا من الاطفال والنساء أمام العالم، وهي من جلبت لهم الموت والقتل والخراب والدمار. 
قد تكون هذه الجماعات نجحت في تحفيز الجانب الديني لدى عناصرها، وتمكنت من رفع معنوياتهم، وجعلت منهم مقاتلين أشداء، لكنها لم تمنحهم عناصر القوة المادية اللازمة لتحقيق النصر، لأنها لا تمتلك أصلاً عناصر القوة تلك، ولم تعمل على الإعداد لها كما ينبغي، بل إنها هي من تحارب العلم والتعليم وتحط من شأن العقل، وتمجد الخرافات والأساطير. وهي بهكذا تصرفات تقوم بالدفع بمئات الألاف من شباب المسلمين المغرر بهم إلى محارق الموت، وتجلب الويل والدمار والخراب للعديد من البلدان العربية والإسلامية. وهنا تكمن المشكلة وتكمن المخالفة الصريحة للتشريعات الإسلامية، ويكمن الخلل الكبير لبعض الإجتهادات البشرية التي أصدرت الفتاوى لخوض حروب ومعارك قبل إعداد القوة اللازمة للانتصار فيها، مخالفة بذلك التشريعات الإسلامية التي تأمر بإعداد القوة المادية الإعداد الأفضل والأمثل، لأن خوض أي معركة بدون إعداد القوة اللازمة لها، يعتبر عملاً عبثياً وجنونياً وانتحارياً، وهنا تكمن عظمة وعقلانية وعلمية وواقعية وحضارية التشريعات الإسلامية.